لماذا أصبحت سوريا اليوم أكثر أهمية من ذي قبل؟

بقلم كمال علم

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

في خضم السقوط السريع والمذهل لحلب خلال الهجوم الذي قادته هيئة تحرير الشام، المصنفة دولياً كمنظمة إرهابية، من المهم أن نقف ونتذكر أننا كنا هنا من قبل.

يشير تقدم هيئة تحرير الشام والمتمردين المدعومين من تركيا في سوريا إلى أن أنقرة تلعب أوراقها قبل تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب منصبه، مدفوعة بالقلق الوجودي لديها من قيام جيب كردي في شمال سوريا.

عاشت تركيا الإحباط بسبب تكرار رفض الرئيس السوري بشار الأسد الجلوس إلى طاولة المفاوضات والاجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الرغم من أن رؤساء الدفاع والاستخبارات السوريين والأتراك التقوا بانتظام في روسيا.

أخذ الأسد يتفاوض من خلال وزرائه بينما كان يعتمد على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا في الدفع الدبلوماسي، ورغم توجيه أصابع اللوم إلى تركيا، إلا أنه لا يمكن تجاهل عامل إسرائيل.

فقبل أيام قليلة من سقوط حلب، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سوريا مطالباً إياها بعدم تسهيل وصول الإمدادات لحزب الله، وليس من قبيل المصادفة أن تبدأ هذه الأزمة بعد وقت قصير من الانتهاء من وقف إطلاق النار في لبنان.

لقد جاء توقيت الهجوم مثاليًا إلى حد كبير للإشارة إلى وجود شكل من الإيماءات للمنظمات المسلحة في إدلب، وقد اعترفت بعض قوى المعارضة السورية بأن وقف إطلاق النار في لبنان ساعدها، بل وذهبت بعض المنظمات المدعومة من تركيا إلى حد شكر إسرائيل وقالت إنها تريد علاقات جيدة مع تل أبيب.

فارق رئيسي

ولكن بينما يؤكد العديد من المراقبين أن الأسد على وشك الانهيار، فإن داعميه الرئيسيين، روسيا وإيران، يستعرضون بالفعل عضلاتهم العسكرية والدبلوماسية، وعلى عكس المرة السابقة التي كان فيها الأسد في ورطة في عام 2012، فإن اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والعراق، يدعمون علنًا سيادة سوريا، بل إن العراق قال أنه سيساعد سوريا عسكريًا أيضًا.

وباستثناء قطر، فإن جميع السفراء العرب كانوا قد عادوا فعلاً إلى دمشق، ومنذ سقوط حلب، كان هناك تأكيد جديد على الدعم لسوريا، وهو ما يمثل فرقا رئيسيا عن الوقت الذي كان يُنظر فيه إلى الصراع باعتباره حربا أهلية.

في الواقع، مع سقوط حلب، كانت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة على وشك رفع العقوبات المحتملة على سوريا، والآن يتعين على الأسد أن يأخذ بنصيحتهما أخيرًا بشأن التقارب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة.

لقد طفى الكثير من الحديث عن زيادة التوتر في مرتفعات الجولان المحتلة، مع انتهاك إسرائيل للمنطقة العازلة القائمة منذ عام 1973 حيث أمرت تل أبيب بعض وحدات جيشها بتجاوز الخط الذي رسمته الأمم المتحدة منذ عام 1973، وكأنها كانت تتوقع المتاعب فعملت على إنشاء منطقة عازلة كما هو الحال على طول نهر الليطاني في لبنان.

في خضم إعادة ترتيب لبنان، هناك شيء واحد صمد أمام اختبار الزمن وهو قدرة سوريا على البقاء داخل المعادلة، على الرغم من كل الأضرار التي لحقت بها

وفي ذات الوقت، ظلت الموجة الهادئة من النشاط الدبلوماسي حاضرة في الأشهر الأخيرة، من قبل الإيطاليين إلى السعوديين، مما وضع الأسد في مركز الصدارة في التعاطي مع تغيير محتمل جديد في بلاد الشام.

وتدعو عدد من دول الاتحاد الأوروبي، بقيادة إيطاليا، إلى إعادة النظر بشكل جذري في العلاقات مع سوريا، مدفوعة بالحاجة إلى إشراك الأسد في قضايا الهجرة والأمن الخاصة بها. 

وكان أردوغان قد وصل إلى حد توسل الأسد لعقد اجتماع، ومع زيادة الإمارات العربية المتحدة بالفعل للمساعدات المقدمة لسوريا لإغاثة النازحين اللبنانيين، كان من المرتقب أن تستعيد دمشق دورها الرئيسي في المنطقة بعد أن تستقر الأمور في بيروت وغزة.

حافظت سوريا بعناية على مستوى منخفض من التصعيد خلال حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على غزة، ورغم كونها جزءاً رئيسيًا في محور المقاومة على مدى السنوات الأربعين الماضية، إلا أن سوريا لم تكن عازفة عن التحدث أو عقد الصفقات مع إسرائيل، وقد نجحت في عدة مرات تقريبًا في تهدئة ملف الجولان، لذا فهي تعرف التوازن.

كما أن المبعوث العربي الجديد للرئيس الأميركي دونالد ترمب، مسعد بولس، هو حليف سياسي لأفضل صديق للأسد في لبنان، سليمان فرنجية، الذي يعد أحد المرشحين الرئيسيين للرئاسة.

ويدرك أولئك الذين يعرفون تاريخ لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية مدى أهمية سوريا للتوازن الدقيق للعلاقات غير التقليدية في المنطقة، والتي ليست بالأبيض والأسود كما تبدو، فكل شيء ليس ببساطة ما يسميه المحللون في واشنطن البعيدة “الشيعة مقابل السنة”.

ويظهر تقرير صدر مؤخراً كيف رفضت سوريا في الفترة التي سبقت الثورة الإيرانية عام 1979 المرور الآمن لآية الله روح الله الخميني لتجنب المزيد من إثارة عداوة الزعيم العراقي صدام حسين. 

ويذهب الصحافي السوري البارز إبراهيم حميدي إلى أبعد من ذلك في شرح الفروق الدقيقة لما كانت سوريا تحاول تحقيقه في لبنان وفلسطين، حيث كانت القوات السورية وحلفاؤها يشتبكون أحياناً مع حزب الله لحماية مصالحهم الخاصة.

ولكن الإسرائيليين يدركون أن أي سلام نهائي مع الشعب الفلسطيني لابد وأن يسبقه التوصل إلى تفاهم مع دمشق.

وعلى نحو مماثل، فإن التحول الأخير الذي شهدته حماس في علاقتها بسوريا، إلى جانب الدعم الإسرائيلي للجماعات المسلحة السورية ضد الأسد، وزعم تل أبيب الشهير الآن بأن الانتفاضة السورية ما كانت لتندلع “لو عقد الأسد السلام معنا” يُظهِر مدى الارتباط الوثيق بين الملف الفلسطيني والهدف النهائي الذي تسعى سوريا إلى تحقيقه بالنسبة لإسرائيل.

ولنكن واضحين، فإن سوريا لا تعيش تحت أي أوهام: فقد تحول نصف البلاد إلى أنقاض، ولكن قوتها لم تكن قط في تفوقها العسكري أو في امتلاكها لأسلحة استراتيجية، بل إن قوتها تتلخص في ما أسماه المؤلف ديفيد ليش بقدرة سوريا على توجيه ضربات تفوق قوتها.

إنها قدرة سوريا على الصمود أمام خصومها والتغلب على العاصفة، وليس إجبار خصومها على الاستسلام، وعلى الرغم من الضربات الإسرائيلية المتكررة على أهداف إيرانية في دمشق، لم يتخذ الأسد أي إجراءات انتقامية من شأنها أن تزيد من غضب إسرائيل.

التحول من إيران إلى الخليج

وبالمثل، وفقًا لحميدي، وهو أحد الصحفيين السوريين المطلعين، فقد فرضت سوريا قيودًا على أنشطة حزب الله والميليشيات التابعة لإيران في البلاد، بمساعدة روسية مما دفع بعض المحللين إلى التشكيك في جدوى العلاقات الإيرانية السورية.

وفي حين أن إيران لا تتخلى عن سوريا، فإن دمشق لديها خيارات أخرى، حيث تساعد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سوريا في التعامل مع تدفق اللاجئين اللبنانيين، وينظر الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز العلاقات مع دمشق كوسيلة محتملة للتخفيف من مشاكل الهجرة الخاصة به.

وفي حين تعتمد سوريا على روسيا وإيران عسكريًا، فقد زاد الدعم الدبلوماسي العالمي الذي تتلقاه، من إيطاليا والمملكة العربية السعودية وصولاً إلى الصين

ربما يكون العنصر الأكثر أهمية في الدور المحوري للأسد في الفوضى الحالية هو حرص أردوغان على مقابلته، وقد رفض الأسد حتى الآن هذه المبادرات، قائلاً إنها لن تكون طريقًا سهلاً للمصالحة مع تركيا. 

ومع ذلك، كان أردوغان يتوسل إلى روسيا لإحضار سوريا إلى طاولة المفاوضات، ويبدو أن هذا الرفض دفع المنظمات المدعومة من تركيا إلى إعادة ترتيب الأوراق في شمال حلب.

والمشكلة الكبرى في كل هذا هي أنه حتى في ظل ضعف قدرة سوريا، وبعد أكثر من عقد من الحرب، نرى كل شهر تقريبًا المزيد من السفراء والقادة العالميين يعودون إلى دمشق.

إنهم يرون الأسد الخيار الأفضل ليس فقط لسوريا، بل وأيضًا لمساعدة اللاجئين السوريين واللبنانيين الذين نزحوا من لبنان خلال الحرب الأخيرة، ولحل معضلة الجمود في في ملف الرئاسة اللبنانية. 

فقبل أكثر من عام، وافقت فرنسا على خطة لدفع أفضل صديق للأسد، فرنجية، كأفضل مرشح للرئاسة في لبنان، ضد رغبات الحلفاء الأوروبيين الآخرين.

وفي خضم إعادة ترتيب لبنان، هناك شيء واحد صمد أمام اختبار الزمن وهو قدرة سوريا على البقاء في المعادلة على الرغم من كل الأضرار التي لحقت بها. 

وفي حين تعتمد سوريا على روسيا وإيران عسكريًا، فقد زاد دعمها الدبلوماسي العالمي، من إيطاليا إلى المملكة العربية السعودية إلى الصين ــ وهذا من شأنه أن يقرر في نهاية المطاف مستقبل سوريا والمنطقة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة