بقلم منوج عنتابي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
تشكل التطورات الأخيرة في سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد، تهديداً للاستقرار الهش في البلاد والوضع الإنساني المتردي بالأصل، فقد جاء سقوط النظام عقب هجوم مفاجئ شنه مقاتلو المعارضة في شمال البلاد، قاموا فيه بالسيطرة على مدن استراتيجية مثل حلب وحماة وصولاً إلى العاصمة دمشق.
يلوح في الأفق اليوم احتمال تجدد القتال بين هيئة تحرير الشام والجماعات المسلحة الأخرى في مناطق مختلفة في الأيام المقبلة، الأمر الذي يثير مخاوف حول ما قد يطال المدنيين والعمليات الإنسانية التي قد تعاني من عواقب كارثية، ولذلك هناك حاجة ملحة اليوم لاستخدام كافة الوسائل اللازمة لحماية المدنيين وتسهيل المساعدات الإنسانية الفعالة.
في وسط الفراغ السياسي الذي تشهده البلاد، سوف يتولى رئيس الوزراء السوري السابق قيادة مؤسسات الدولة حتى تشكيل حكومة جديدة، وهو ما سوف يستغرق عدة أشهر
في عام 2023 وحده، نزح أكثر من 7 ملايين سوري داخل البلاد، فيما لا يزال هناك 6.3 مليون لاجئ آخرين منتشرين في جميع أنحاء العالم، مما يجعل أزمة النزوح في سوريا واحدة من أكبر الأزمات في التاريخ الحديث، فالملايين من المدنيين داخل البلاد في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية ويعانون من انعدام الأمن الغذائي.
يذكر أن 80% من السكان السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مما يعني أن معظمهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، الأمر الذي يفاقم المحنة الإنسانية في البلاد، خاصة مع توقع نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، واحتياج ما لا يقل عن مليوني شخص في إدلب وحلب إلى المساعدة الإنسانية.
فراغ سياسي
من ناحية أخرى، فمن المتوقع حدوث المزيد من الاشتباكات في الأيام المقبلة، مما سيدخل سوريا في واقع جديد بعد 54 عاماً من حكم الأسد، حيث تظهر مخاوف متزايدة حول سيناريو تندلع فيه اشتباكات بين مقاتلي المعارضة والجماعات المسلحة الأخرى، وخاصة قوات سوريا الديمقراطية، مما يمكن أن يزيد من تعقيد الوضع.
في وسط الفراغ السياسي الذي تشهده البلاد، سوف يتولى رئيس الوزراء السوري السابق قيادة مؤسسات الدولة حتى تشكيل حكومة جديدة، وهو ما سوف يستغرق عدة أشهر، وهذا يزيد من فرص زيادة هجمات قوات سوريا الديمقراطية وغيرها من الفصائل المسلحة الأخرى، سعياً لتوسيع المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا.
منذ بداية عام 2024، شهد العمل الإنساني في سوريا تراجعاً كبيراً بلغ 80% في المساعدات الغذائية في جميع أنحاء سوريا، وفقاً لمكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة
ربما يؤدي هذا التطور إلى تشكيل عائق كبير أمام المنظمات الإنسانية لمواصلة عملياتها، حيث أن قدرتها على الوصول إلى السكان المتضررين ما زالت محدودة، مع قلق من أن تصبح هذه المنظمات هدفاً بذاتها!
لا تزال الاستجابة الإنسانية في سوريا غير كافية، رغم الجهود الدولية لتلبية احتياجات السكان المتضررين في شمال سوريا وفي جميع أنحاء البلاد، بل قد يؤدي تصاعد العنف واستمرار تسييس وعسكرة المساعدات، في ظل الافتقار إلى بيئة آمنة ومواتية للأنشطة الإنسانية إلى تقويض فعالية عمليات الإغاثة بشكل كبير.
على سبيل المثال، منذ 27 نوفمبر الماضي، علقت 30 منظمة إنسانية غير حكومية في إدلب عملها وسط تدهور الأوضاع.
تواجه المجموعات الإنسانية أيضاً نقصاً في التمويل لأنشطة المساعدات في سوريا، وهو أمر قد تفاقم بسبب عوامل مثل إجهاد الجهات المانحة، مما أدى إلى ترك العديد من المنظمات تكافح من أجل الحفاظ على عملياتها أو دفعها مضطرة إلى إعطاء الأولوية لمجموعات سكانية واحتياجات معينة على حساب الآخرين.
هناك عوامل أخرى كانت سبباً في تقويض الجهود الإنسانية في سوريا، وأهمها غياب المنظمات الدولية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والقيود المفروضة على الوصول وضعف التنسيق الإنساني والبيروقراطية المفرطة في العمل الإنساني.
كل هذا يغذي حلقة مفرغة من عدم الاستقرار، لأن عدم فعالية وانتظام الاستجابة الإنسانية قد تدفع الناس إلى اعتماد آليات تكيف ضارة يمكن أن تلحق المزيد من الضرر بالمجتمع السوري.
مدنيون ضعفاء
منذ بداية عام 2024، شهد العمل الإنساني في سوريا تراجعاً كبيراً بلغ 80% في المساعدات الغذائية في جميع أنحاء سوريا، وفقاً لمكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.
يرجع ذلك إلى تراجع الاهتمام الدولي بالحرب السورية وسط صراعات عالمية أخرى، يضاف إليه عدم رغبة الأطراف المتصارعة في الانخراط في عملية دبلوماسية، ونتيجة لذلك، برزت الجهات الفاعلة المحلية في تلبية احتياجات الفئات السكانية الضعيفة، خاصة وأن هذه الكيانات غالباً ما يكون لديها فهم أفضل للسياق الذي تعمل فيه.
إن التحول نحو العمل الإنساني الملائم للسياق أمر ضروري بلا شك، لكن يجب أن يرافقه التركيز على ديناميكيات القوة المتطورة للصراع في سوريا، باعتبار حماية المدنيين ورفاههم على رأس أولويات هذه الاستراتيجية.
لا يتنافس مقاتلو المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية على السلطة فحسب، بل على الشرعية أيضاً، وهم لا يثقون كثيراً في وجود المنظمات الإنسانية سواء كانت محلية أو دولية.
إن إشراك كلا الجانبين في الجهود الإنسانية، ومنحهما المسؤولية في مساعدة السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهما، يمكن أن يكون مكسباً للجانبين، وذلك من خلال ضمان درجة معينة من الشرعية لهذه الجهات الفاعلة، وإنهاء حالة الشلل الإنساني للمدنيين.
لا شك أن التطورات الأخيرة في سوريا تتطلب استجابة عملية واستراتيجيات واقعية لضمان وصول المساعدات الإنسانية لجميع المدنيين، في مواجهة الظروف التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)