حصري لميدل إيست آي: كيف سعت قوى عربية لتقويض انتصار الشرع وإفشال خطة الاحتلال لتقسيم سوريا

أحبطت إطاحة قوات المعارضة السورية بحكومة بشار الأسد خطة كان الاحتلال يتطلع من خلالها لتقسيم سوريا إلى ثلاث كتل بغية قطع علاقاتها مع إيران وحزب الله.

ووفقًا لمصادر أمنية إقليمية مطلعة، فقد خططت دولة الاحتلال لإقامة علاقات عسكرية واستراتيجية مع الأكراد في الشمال الشرقي والدروز في الجنوب، وترك الأسد على سدة السلطة في دمشق بتمويل وسيطرة إماراتية.

وكان من شأن نجاح هذه الخطة أن تحصر النفوذ التركي في سوريا داخل إدلب والشمال الغربي، وهو معقل هيئة تحرير الشام والجماعات المعارضة المدعومة من أنقرة والتي أدى هجومها الخاطف في وقت سابق من هذا الشهر إلى سقوط الأسد.

تم التلميح إلى هذه الخطة في خطاب ألقاه وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر قبل شهر من الآن وقال فيه أن دولته بحاجة إلى التواصل مع الأكراد والدروز في سوريا ولبنان، مضيفًا أن هناك “جوانب سياسية وأمنية” يجب مراعاتها.

وزعم ساعر أنه “يتعين علينا أن ننظر إلى التطورات في هذا السياق ونفهم أنه في منطقة سنكون فيها دائمًا أقلية، يمكننا أن نقيم تحالفات طبيعية مع أقليات أخرى”، غير أن انهيار القوات الموالية للأسد في حمص وحماة، تاركة الطريق إلى دمشق مفتوحا أدى إلى إغفال النظر إلى هذه الخطة.

ووقت خطاب ساعر، كانت قوات المعارضة السورية قد حطمت خطوط المواجهة واستولت على حلب، أكبر مدينة في سوريا، دون قتال، مما أدى إلى تغيير دراماتيكي في ميزان القوى في الحرب الأهلية التي استمرت 13 عامًا في البلاد.

وفي الساعات الأولى من يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول، ظهر محمد غازي الجلالي، رئيس الوزراء السوري، في شريط فيديو وهو يعلن أنه على استعداد لتسليم السلطة سلميا، في مبادرة رد عليها أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، على الفور بأنه مستعد لإبقاء الجلالي في السلطة حتى يتم تنظيم انتقال الحكم.

ولكن حتى مع اقتراب هيئة تحرير الشام من العاصمة، كان السفيران الإماراتي والأردني في سوريا يبذلان محاولات يائسة لمنع هيئة تحرير الشام من السيطرة على دمشق، وفقًا لما كشفته مصادر أمنية.

فقد شجعت الأردن الجيش السوري الحر والقوى المتحالفة معه للتحرك من الجنوب سعياً إلى الوصول إلى دمشق قبل هيئة تحرير الشام.

وقال مصدر أمني لـ “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته: “قبل وصول الجولاني، رتب السفيران أن يقوم مقاتلون من الجيش السوري الحر باستقبال رئيس الوزراء السوري من منزله ونقله إلى فندق فور سيزونز حيث كان من المقرر أن يسلم مؤسسات الدولة رسميًا إلى المنظمات المسلحة الزاحفة من الجنوب”.

تم تصوير جلالي وهو يتجه إلى الفندق رفقة جنود من منطقة حوران في جنوب سوريا ينتمون إلى الفيلق الخامس، وهي قوة عسكرية مكونة من ثوار سابقين تصالحوا مع الحكومة السورية وسووا أوضاعهم معها في وقت سابق.

وأوضح المصدر أن الجلالي ماطل في إتمام عملية التسليم وقام بالاتصال بالجولاني الذي قال له: “لا تفعل ذلك”، حيث استجاب الجلالي لهذا الطلب.

وعندما أدركت تل أبيب أنها لا تستطيع إحباط استيلاء هيئة تحرير الشام على البلاد، بدأت في تدمير الأصول العسكرية السورية، بما في ذلك إغراق أسطولها في اللاذقية واحتلال الجزء السوري من جبل الشيخ، أعلى جبل في سوريا بالقرب من الحدود مع لبنان ومرتفعات الجولان المحتلة.

وقال المصدر: “كانت إسرائيل آمنة من هذه الأسلحة وهي بيد الأسد، لكنها أصبحت غير آمنة وهذه الأسلحة في أيدي قوات المعارضة”.

وقد أعرب المسؤولون في كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة عن انزعاجهم من استيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة، واحتمالات تشكيل حكومة بقيادة إسلامية في سوريا، حتى لو كانت جميع الفصائل والأديان ممثلة فيها، كما وعد الشرع.

ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، وقف الإماراتيون في طليعة من يقود الجهود المعادية للديمقراطية وأسهموا في إذكاء الثورة المضادة في مصر وليبيا وتونس واليمن.

أما الأردن، فلديه أكثر من مليون لاجئ سوري ويشترك في حدود صحراوية طويلة مع سوريا، وقد استضافت العقبة نهاية الأسبوع الماضي لجنة اتصال وزارية عربية بشأن سوريا.

وتحدث الأردن في بيان صدر بعد ذلك عن الحاجة إلى “الإشراف على عملية الانتقال وتعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب لأنه يشكل خطراً على سوريا وأمن المنطقة”.

ساعات الأسد الأخيرة في دمشق

ويبدو أن جزءاً من التفاصيل المتعلقة باللحظات الأخيرة من حكم الأسد قد تم تأكيدها من قبل رئيس تحرير صحيفة الأخبار المقربة من حزب الله في لبنان إبراهيم الأمين، الذي كتب أن الأسد كان على قناعة تامة بأن الإماراتيين سيأتون لإنقاذه، لدرجة أنه انتظر “حتى الساعات الأخيرة” قبل مغادرة دمشق.

ويقول أحد معاوني الأسد، الذي بقي معه حتى الساعات الأخيرة قبل مغادرته العاصمة السورية أن الرجل كان لا يزال يأمل في حدوث أمر كبير لوقف هجوم الفصائل المسلحة، وكان يعتقد أن “المجتمع العربي والدولي” يفضل بقاءه في السلطة، بدلاً من تولي الإسلاميين إدارة سوريا.

“بمجرد أن أبلغ الروس والإيرانيون بشار الأسد أنهم لن يكونوا في قلب المعركة، أدرك الرجل أن الهزيمة قادمة، أما حزب الله فخلص إلى عبثية تقديم المساعدة للأسد عندما رأى أن جيشه غير مستعد للقتال من أجله – إبراهيم الأمين، رئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية

لقد أدرك الأسد أن اللعبة انتهت بعد أن أقنع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان نظيريه الروسي والإيراني، سيرجي لافروف وعباس عراقجي، اللذين كانا يحضران مؤتمراً في قطر، بعدم التدخل.

أخذ الاحتلال يشكل خطته لتقسيم سوريا منذ بدء التحضيرات لتوقيع وقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان، والذي تم الاتفاق عليه في نهاية الشهر الماضي.

وقد كثف رئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد اتصالاته مع الطائفة الدرزية في دولة الاحتلال، ففي السابع من ديسمبر/كانون الأول التقى في أبو ظبي بالشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي لدروز إسرائيل.

وقبل أسبوع، عقدت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة محادثات حول توظيف إمكانية رفع العقوبات عن سوريا لإقناع الأسد بقطع العلاقات مع إيران وإغلاق الطرق التي تسلكها الأسلحة الإيرانية عبر سوريا لإعادة إمداد حزب الله.

ومن المقرر أن تنتهي يوم الجمعة العقوبات الأكثر صرامة، المعروفة بقانون قيصر، والتي أقرها الكونغرس في عام 2019، ما لم يجددها المشرعون الأمريكيون. 

ووصل مسؤولون أمريكيون يوم الجمعة إلى دمشق لإجراء أول محادثات رسمية مع ممثلين عن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال محظورة في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى حيث جرى تصنيفها كمنظمة إرهابية.

وقد أبلغ جير بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، مجلس الأمن يوم الثلاثاء أن هناك حاجة إلى “نهاية سلسة” للعقوبات لمعالجة الاحتياجات الهائلة لسوريا.

المخاوف التركية 

أطلقت خطط الاحتلال تجاه سوريا أجراس الإنذار في أنقرة قبل وقت طويل من تطور الأحداث الحالية، ففي أكتوبر/تشرين الأول، عقد البرلمان التركي جلسة مغلقة لبحث عمليات الاحتلال العسكرية، والتي صنفتها القيادة التركية على أنها “تهديد للأمن القومي”.

وقبل شهرين من خطاب ساعر، أخبر الرئيس رجب طيب أردوغان البرلمان في سبتمبر/أيلول أن لدى تل أبيب طموحات توسعية يمكن أن تستهدف “أجزاء من الأناضول”، وقال “أجندة إسرائيل التوسعية، التي يحركها التعصب الديني، لا تتوقف عند غزة، وقد يكون هدفها التالي وطننا”.

وأكد هاكان فيدان، وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات السابق، هذه المعلومات في جلسة أسئلة وأجوبة خلال المؤتمر الذي عقد في الدوحة في الوقت الذي كانت فيه حكومة الأسد تنهار.

وقال فيدان، “لم تكن إسرائيل تريد إزاحة الأسد ولم ترغب بذلك على الإطلاق، وقد أبلغتنا الولايات المتحدة أن إسرائيل تريد الأسد فقط”.

وعندما سُئل عما إذا كان الأسد عضواً نشطاً في محور المقاومة الإيراني، أجاب فيدان: “على مدار 13 عاماً، عندما كنت رئيساً لوكالة الاستخبارات، حافظت على الاتصال بإيران، اعتدت أن أقول لهم إن فكرة أن يكون الأسد واجهة للمقاومة هي ضد إيران”.

ثم مضى فيدان لتقديم إجابة مباشرة على السؤال فقال: “في الحقيقة لم يكن ذلك واقعياً، لقد كان مزحة وكان الأسد يخدم إسرائيل فحسب”.

وقد ردد حليف أردوغان السياسي، زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، نداء أردوغان لحمل السلاح مؤخراً، وقال: “إذا استمرت إسرائيل في طموحاتها التوسعية بسياسات الهيمنة والعدوان، فإن مواجهة تركيا لها ستكون حتمية”.

وحاول الشرع تهدئة المخاوف الغربية من أن تتحول سوريا تحت حكمه إلى قاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، وقال لهيئة الإذاعة البريطانية هذا الأسبوع أن سوريا لا تشكل تهديداً للعالم وناشد برفع العقوبات.

“إذا استمرت إسرائيل في طموحاتها التوسعية عبر سياسات الهيمنة والعدوان، فإن المواجهة بينها وبين تركيا ستكون حتمية” _ دولت بهجلي، حليف أردوغان

وأضاف الشرع: “الآن، وبعد كل ما حدث، يجب رفع العقوبات لأنها كانت تستهدف النظام القديم، لا ينبغي معاملة الضحية والظالم بنفس الطريقة”.

لكن مصادر أمنية أبدت ثقتها بأن الأمر مسألة وقت فقط قبل أن يضطر الشرع إلى معالجة قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية خارج مرتفعات الجولان، التي تم الاعتراف بها دوليًا كجزء من سوريا، ولكن إسرائيل احتلتها في العام 1967 وضمتها لاحقًا.

طرد ما يقرب من 130 ألف سوري من منازلهم عندما احتلت القوات الإسرائيلية مرتفعات الجولان، واستقروا في ضواحي دمشق حيث نما مجتمعهم منذ ذلك الحين ليصل تعداده إلى أكثر من 800 ألفاً وكانت عائلة الجولاني من بينهم.

وقال مصدر أمني: “على عكس سيناء، التي احتلتها القوات الإسرائيلية عام 1967 ثم أعادتها لاحقًا، ضمت إسرائيل مرتفعات الجولان، وهذا يعني أنه لم يكن هناك طريق مفتوح للسلام بشأن هذه القضية، لأن أي سوري لن يتنازل عن مطالبه”.

وأوضح المصدر: “رغم أن نتنياهو يريدنا أن نصدق أنه انتصر في سوريا بكسر سلسلة محور المقاومة الإيراني، فإن الواقع هو أن محورًا جديدًا يتشكل بسرعة مع تركيا وسوريا الجديدة تحت قيادة إسلامية سنية في قلبه”.

وأشار المصدر إلى أن: “هذا لن يؤدي إلا إلى تعميق التحديات التي تواجه الاحتلال مع فتح المواجهة مع العالم السني الأوسع”.

وفي وقت سابق، وصفت وزارة خارجية الاحتلال تقدم القوات الإسرائيلية إلى الأراضي السورية خارج مرتفعات الجولان المحتلة بأنه “عملية محدودة ومؤقتة” وقالت إنها عملية “ضرورية لأسباب دفاعية بسبب التهديدات التي تشكلها الجماعات الجهادية العاملة بالقرب من الحدود”.

ويوم الثلاثاء، زار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قواته المتمركزة على قمة جبل الشيخ وقال أنها “ستبقى في هذا المكان المهم حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل”.

كما انتقدت إسرائيل دعم تركيا لقوى المعارضة السورية والعمليات العسكرية ضد الأكراد في شمال شرق البلاد.

وفي بيان لها يوم الثلاثاء، قالت خارجية الاحتلال: “آخر دولة يمكنها التحدث عن الاحتلال في سوريا هي تركيا، لا يوجد مبرر لاستمرار العدوان والعنف التركي ضد الأكراد في سوريا!”

وفي بيان لها يوم الاثنين، قالت وزارة الخارجية الإماراتية: “إن دولة الإمارات العربية المتحدة تتابع عن كثب التطورات الجارية في الجمهورية العربية السورية، وتؤكد التزامها بوحدة وسلامة الدولة السورية، وكذلك ضمان الأمن والاستقرار للشعب السوري الشقيق”.

أما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي فذكر يوم الاثنين أن: “هذه لحظة تاريخية في دولة سوريا الشقيقة، وهي لحظة تتطلب منا جميعًا الوقوف مع الشعب السوري، لمساعدته على الانطلاق في إنجاز تاريخي في بناء مستقبل يصوغه السوريون أنفسهم، وضمان أمن سوريا ووحدتها واستقرارها وسيادتها وحقوق جميع السوريين”.

بقلم ديفيد هيرست 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة