طالبت منظمات حقوق إنسان دولية وسعودية الأمم المتحدة بالتحقيق في إزالة مقطع فيديو عن الإنترنت يغطي فعاليات منتدى الأمم المتحدة لحوكمة الإنترنت الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض.
ويتعلق المقطع الذي تمت إزالته بورشة عمل ضمن فعاليات المنتدى استضافتها هيومن رايتس ووتش ومنظمة القسط بعد ظهر الأربعاء وقد سلطت الضوء على معاهدة الأمم المتحدة الجديدة للجرائم الإلكترونية وتأثيرها المحتمل على القمع العابر للحدود الوطنية.
ولفتت هذه الورشة بالتحديد الانتباه بالنظر إلى أنها ضمت متحدثين مبعوثين من قبل هيومن رايتس ووتش إلى المملكة للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
كما شاركت الناشطة السعودية لينا الهذلول، وهي واحدة من عدد قليل من قادة المجتمع المدني السعودي، إن وجدوا، الذين تحدثوا في المنتدى الذي أقيم بجوار فندق ريتز كارلتون حيث تم اعتقال وتعذيب أفراد من العائلة المالكة والمسؤولين ورجال الأعمال السعوديين في عام 2017.
وافتتح المنتدى بالوقوف دقيقة صمت تكريما للمدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة الذين عوقبوا بسبب التعبير عن أنفسهم عبر الإنترنت، بمن فيهم أسعد ومحمد الغامدي ونورا القحطاني، المحتجزين في السجون السعودية بأحكام بالسجن لعقود بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتحدثت الهذلول عن بعد، قائلة إنها تشعر بالقلق على سلامتها في المملكة، وأشارت إلى حظر السفر المفروض على عائلتها، بمن فيهم شقيقتها، الناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول، منذ عام 2018.
وقالت للحضور أن المملكة العربية السعودية تمثل نموذجاً لكيفية توظيف معاهدة الأمم المتحدة للجرائم الإلكترونية من قبل الحكومات، التي تستخدم بالفعل قوانين الجرائم الإلكترونية، لقمع المعارضة.
وتابعت الهذلول: “لم يعد المجتمع المدني قادرًا على التحدث بشكل مستقل، وأولئك الذين يجرؤون على التعبير عما تعتبره السلطات معارضة غالبًا ما يتم إسكاتهم بالسجن أو ما هو أسوأ”.
ولفتت الهذلول، التي تشغل منصب رئيسة قسم المراقبة في منظمة القسط، الانتباه على وجه الخصوص إلى قائمة مراقبة أمن الدولة السعودية المسماة “مراقبة عند العودة”، والتي قالت إنها تراقب حسابات السعوديين في الخارج من أجل استهدافهم عند عودتهم إلى الوطن.
“لم يكن بوسعنا أن نأتي إلى هنا ونتحدث عن مواضيع منتدى حوكمة الإنترنت المعتادة، ونترك أصواتاً حاسمة مثل لينا خارج الحوار” – ديبورا براون، هيومن رايتس ووتش
من ناحيتها وصفت ديبورا براون، نائبة مدير هيومن رايتس ووتش للتكنولوجيا وحقوق الإنسان، التي تحدثت في حلقة نقاش الرياض، مداخلة الهذلول بأنها “تاريخية ورائعة للغاية”.
وقالت براون لموقع ميدل إيست آي: “بعد الجلسة، فكرت، يا إلهي، لينا تحدثت إلى غرفة في الرياض، أعتقد أنه كان من المهم القيام بذلك”.
غير أن مقطع الفيديو الذي يوثق الورشة اختفى يوم الخميس عن الانترنت رغم مشاركة الروابط على نطاق واسع من المتابعين بمن فيهم الهذلول، قبل أن يتم تحميل مقطع فيديو جديد عن الورشة بعد عدة ساعات.
وطلبت هيومن رايتس ووتش والهذلول من الأمم المتحدة ومنتدى حوكمة الإنترنت تقديم تفسير لاختفاء المقطع عن الانترنت.
وتوجهت ميدل إيست آي بالسؤال إلى جهات الاتصال الإعلامية في منتدى حوكمة الإنترنت التابع للأمم المتحدة عما إذا كان أحد ما قد طلب إزالة الفيديو والنص المكتوب وعلى أي أساس تم حذفهما؟ حيث رد المتحدث باسم المنتدى يوم الجمعة بالقول: “قد يكون هناك عدة أسباب لعدم وجود مقاطع الفيديو أو النصوص المكتوبة على الموقع أو إعادة نشرها”.
وأوضح المتحدث أن الأمانة العامة للمنتدى ستقوم خلال الأسبوع المقبل بتبويب المحتوى وتصحيح أخطاء النسخ، ووضع العناوين الصحيحة وقص مقاطع الفيديو لإزالة المساحات الفارغة وما إلى ذلك لجعلها أكثر تنظيماً وتسهيل ظهورها في عمليات البحث”.
المخاوف مؤكدة
ويعد هذا ثاني اجتماع مهم للأمم المتحدة تستضيفه المملكة العربية السعودية في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر الذي عقد في المملكة في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول.
وكتبت أكثر من 70 منظمة رقمية وحقوقية، بما في ذلك القسط، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أكتوبر الماضي، تطلب منه التراجع عن قرار السماح للمملكة العربية السعودية باستضافة المنتدى.
وأعربت المنظمات عن مخاوفها من عدم تمكن ممثلي المجتمع المدني السعودي من المشاركة بحرية وأمان نظراً لسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
وقالت الهذلول إن الفيديو المحذوف يوم الخميس أكد مخاوفها من أن ” تحذيراتنا وإداناتنا لم تكن بلا أساس”، مضيفة “كان هذا بمثابة تذكير صارخ بمدى ما ستذهب إليه أنظمة مثل المملكة العربية السعودية لاستغلال حوكمة الإنترنت كوسيلة لقمع المعارضة والسيطرة على الروايات”.
ودعت الهذلول الأمم المتحدة إلى إطلاق تحقيق شفاف فيما حدث، قائلة إن مسؤولية حماية المشاركين عبر الإنترنت وخارجها “تقع على عاتق منظمي الحدث والسلطات المضيفة”.
“كيف يمكننا مناقشة حوكمة الإنترنت إذا تم تقويض حرية التعبير والأمن في نفس المنتديات المخصصة لدعمهما؟ أنا أرتجف لمجرد التفكير فيما كان سيحدث لو كنت هناك شخصيًا ” – لينا الهذلول، منظمة القسط
وقال ممثل هيومن رايتس ووتش لميدل إيست آي أن الأمم المتحدة والمنتدى العالمي لحوكمة الإنترنت يتحملان مسؤولية دعم الحقوق والحريات، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.
وأوضح أن “هذا مهم للغاية خاصة في الأحداث التي تدعمها الأمم المتحدة في الدول التي ليس لديها سجل جيد في مجال حقوق الإنسان”.
وتابع :”لقد بذلنا قصارى جهدنا لاستدعاء أصوات المجتمع المدني السعودي الذين لم يتمكنوا من الانضمام بسبب مخاوفهم المشروعة بشأن السلامة والأمن إلى المؤتمر والمشاركة فيه عن بعد، إنه لأمر مخيب للآمال للغاية أن نرى أن شهاداتهم قد تم حذفها على ما يبدو بهذه السرعة بعد الحدث”.
من ناحيتها، نشرت دانا أحمد، باحثة منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط، على منصة X أن المنشورات الخاصة بقضايا مناهل العتيبي، مدربة اللياقة البدنية السعودية، ونيث نهارا، مغنية أنجولية وأم لطفلين، وكلاهما معتقلتان بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تمت مصادرتها من كشك العرض الخاص بالمنظمة.
ومنذ إنشائها، عقدت اجتماعات منتدى حوكمة الإنترنت في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في مصر وأذربيجان.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)