سقوط الأسد انتصار لترامب… ولكن الطمع قد يحوّل الانتصار إلى كارثة!

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير مريم الحمد

عندما يأتي اليوم الذي سوف يؤدي فيه دونالد ترامب في يناير، اليمين الدستورية لولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة، فسوف يجد الشرق الأوسط وهو يمر بتحولات جيوسياسية جذرية لم يكن من الممكن أن يتخيلها أنصار إسرائيل والمحافظون الجدد حتى في أعتى أحلامهم!

لقد مرت المنطقة بما يمكن أن نطلق عليه في المستقبل لحظة اتفاق سايكس-بيكو الثاني إن صح التعبير في غضون 14 شهراً فقط، 

وبعد مرور قرن على التقسيم التعسفي لحدودها من قبل القوى الأوروبية أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، حيث يمكن أن تفتح تداعيات انهيار حكم عائلة الأسد في سوريا الباب لفوضى قد لا تقل أهمية عن الثورة الإيرانية التي حصلت منذ سنوات.

هل تعني رؤية ترامب المتمثلة في عدم شن المزيد من الحروب ضمناً الفوز بجميع الحروب في الشرق الأوسط من خلال تحقيق سلام يتماشى فقط مع مصالح إسرائيل وأمريكا، أم هل ينبغي لنا أن نتوقع شيئاً آخر؟!

مبدئياً، تم تفكيك “محور المقاومة”، كما غادرت روسيا سوريا، كما انسحب الحرس الثوري الإسلامي الإيراني ووحدات حزب الله، واليوم يدير سوريا زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، المعروف أيضاً باسم أبو محمد الجولاني.

دروس من سوريا

إن الدرس الأول الذي يمكن استخلاصه مما تعيشه سوريا اليوم في فصل مهم في تاريخها هو أن هناك إرهابيين جيدين وإرهابيين سيئين، وكل هذا يتوقف على من يستهدفون، حيث يُعَد الجولاني مثالاً واضحاً على مدى مرونة مفهوم الإرهابي وذلك اعتماداً على الظروف السياسية المتغيرة.

في الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، تم الترحيب بالإطاحة بالأسد بعد 15 عاماً من الجهود لإسقاطه، فلم يأسف سوى عدد قليل على نهاية نظامه القاسي، وهنا الدرس الثاني الذي تعلمناه من الأزمة السورية وهو أن كل الطغاة سيئون، ولكن بعضهم أسوأ من غيرهم،وذلك اعتماداً على القضية التي يقررون تبنيها والتحالف الدولي الذي يختارونه. 

في واشنطن، يُنظر إلى انهيار الأسد على أنه ضربة قاسية لكل من روسيا وإيران، وفي تل أبيب، يُنظر إليه على أنه قد يغير قواعد اللعبة في المواجهة المستمرة منذ ما يقرب من 50 عاماً بين إسرائيل وإيران، وبأنه ضربة قاتلة محتملة لطموح إيران في أن تصبح قوة إقليمية كبرى.

وفي أنقرة، يُنظر إلى الأمر على أنه فرصة ذهبية لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الجنوبية لتركيا تمتد من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى إيران، لمواجهة مشكلة التهديد الكردي وتعزيز طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان في السيطرة على المنطقة، أو يمكن القول السعي لخلق دور عثماني جديد لبلاده في المنطقة.

بعبارة أخرى، هناك شعور متزايد بأنه من هذه اللحظة فصاعداً، سوف يتم تشكيل التوازن السياسي في الشرق الأوسط ما بين إسرائيل وتركيا وما تبقى من قوة إيران الإقليمية، أما الدول العربية فتبدو عاجزة، وفي بعض الحالات متفرجة غاضبة. 

وتظل هناك ملاحظة تحذيرية، وهي أنه رغم إضعاف محور المقاومة، إلا أن المقاومة لم يتم إخضاعها، وهنا يأتي درس آخر من الدروس التي تعلمتها من الأزمة السورية، وهي أن الشعوب العربية إذا حملت السلاح ضد الطغاة القساة، تصبح بنظرهم شعوباً متمردة، وإذا حمل عرب آخرون السلاح ضد محتليهم القساة، فهم إرهابيون؛ وحق الدفاع عن النفس في غزو دولة مجاورة لا يمكن المطالبة به إلا من قبل دول معينة.

إذا ما سلمنا بأن انتصار الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا حقيقي، فإن الأولوية القصوى لهذه الدول الثلاث الآن يجب أن تكون تجنب تحول هذا النصر إلى “كارثة” لاحقاً.

المحافظون الجدد… أرباب الحروب 

قد يكون لترامب دور حاسم في تجنب مثل هذا الخطر، حيث عبر مراراً عن رغبته بعدم وجود المزيد من الحروب في جميع أنحاء العالم، فهو رجل أعمال والحرب ليست مفيدة للأعمال، ولكن السؤال الرئيسي هو، هل تعني رؤية ترامب المتمثلة في عدم شن المزيد من الحروب ضمناً الفوز بجميع الحروب في الشرق الأوسط من خلال تحقيق سلام يتماشى فقط مع مصالح إسرائيل وأمريكا، أم هل ينبغي لنا أن نتوقع شيئاً آخر؟!

لاشك أنه بعد 8 ديسمبر الحالي وسقوط الأسد، قد يصبح السلام عن طريق الانتصار إغراءً كبيراً لترامب، لكن من الأفضل أن يقاومه، فخلال ولايته الأولى، روج ترامب لسياسة “إسرائيل أولاً”، وسرعان ما سارع خليفته جو بايدن إلى محاكاتها، فقد قام مشروع ترامب المتمثل باتفاقيات أبراهام، بالفعل بتحييد القضية الفلسطينية، كما قام أيضاً بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، واعتمد سياسة الضغط الأقصى فيما يتعلق بإيران.

قد تكون النتيجة تزايد ارتباط 3 قوى نووية غاضبة أصلاً وهي روسيا والصين وإيران ببعضها البعض، ولذلك في الوقت الذي يبدو فيه الفوز مغرياً قد يكون قاتلاً أيضاً

إن الأشخاص الذين اختارهم ترامب في الأسابيع الأخيرة لمناصب السياسة الخارجية والأمن العليا، هم إما مناصرون لسياسة “إسرائيل أولاً” أو من المحافظين الجدد المتحمسين للحرب، ويمكن النظر إلى هذه الاختيارات على أنها مجرد تحركات بسيطة لإرضاء بعض الدوائر الانتخابية في الداخل الأمريكي، خاصة وأنه من المعروف أن ترامب سوف يحتفظ بدور صانع القرار النهائي بغض النظر عما قد يرغب أو يفكر فيه مستشاروه. 

مع اقتراب ولايته الثانية، قد يفكر ترامب في نهج مختلف، فهناك 3 قرارات مختلفة من الأفضل أن يتخذها، فعليه أولاً أن يرفض الدروس المذكورة أعلاه.

ثانياً، عليه أن يضع في اعتباره أنه حتى 8 ديسمبر، كانت هناك حرب طويلة ومستمرة في المنطقة، تتقاطع فيها فصول مختلفة وتتداخل وتؤثر على بعضها البعض، والآن وصلت هذه الحرب إلى نقطة تحول حاسمة مع وجود فرصة ضخمة لا ينبغي تفويتها.

ثالثا، على ترامب أن يتقبل أن السلام الحقيقي والعادل والدائم في المنطقة لن يتحقق إلا من خلال نهج شامل لا يتجاهل أحداً أو أي قضية.

ويتعين على ترامب اتباع 3 أساليب منهجية لتحقيق القرارات المذكورة أعلاه، فعليه أن يستمع جيداً لكل فاعل دون تحيز، وأن لا يسمح لأحد بأن يخدعه مرة أخرى، وأن يكون عادلاً في أي دور وساطة، فالولايات المتحدة لم تكن يوماً وسيطاً نزيهاً في المنطقة، وكان هذا هو الجزء الأكبر من مشكلة غياب السلام في الشرق الأوسط. 

قوى نووية غاضبة

على الجانب الآخر، هناك العديد من السيناريوهات لأخطاء قد تعقب الأزمة السورية اليوم، أهمها موجات جديدة من اللاجئين وتعرض المسيحيون والأقليات الأخرى للاضطهاد، بالإضافة إلى وضع إيران المحاصرة والتي قد تلجأ في النهاية إلى الخيار النووي العسكري، يضاف إلى ذلك احتمالية حرب أهلية بين العرب والأكراد، بين الميليشيات الموالية لتركيا والميليشيات الموالية للولايات المتحدة.

إضافة إلى ذلك، فهناك تخوف من الغطرسة المتجددة التي أعقبت نجاح الإسلاميين والتي يمكن أن تخلق توترات داخلية جديدة في مصر والأردن، حيث يصعد الإخوان المسلمون مرة أخرى، ناهيك عن المخاطر طويلة المدى على إسرائيل، وهناك لبنان الذي قد يبدأ بالحفر بعد أن وصل إلى الحضيض.

أما نصيحتي النهائية لترامب، فهي أنه كلما تعرض فلاديمير بوتين لمزيد من الإذلال في سوريا، كلما أصبح أقل تعاوناً في موضوع أوكرانيا، فإذا كان ترامب أو أي شخص من حوله يتلاعب بفكرة استخدام الفوضى في غرب آسيا للضغط على الصين من خلال تعريض إمداداتها من الطاقة للخطر، فمن الأفضل له أن يعيد النظر في هذه الفكرة.

قد تكون النتيجة تزايد ارتباط 3 قوى نووية غاضبة أصلاً وهي روسيا والصين وإيران ببعضها البعض، ولذلك في الوقت الذي يبدو فيه الفوز مغرياً قد يكون قاتلاً أيضاً.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة