حملة السلطة الفلسطينية على مخيم جنين: محاولة للبقاء أم تعزيز للنفوذ؟

بقلم عزيزة نوفل

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تواصل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية منذ 14 ديسمبر الحالي حملتها على مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية، وذلك بهدف السيطرة على المجموعات المسلحة في المخيم، ولا سيما أعضاء كتيبة جنين.

منذ أكثر من أسبوع الآن، تتواصل الاشتباكات بين مسلحي كتيبة جنين وعناصر من القوات الأمنية التي فرضت حصاراً وأغلقت مداخل المخيم، في الوقت الذي تدهورت فيه الظروف المعيشية لسكان المخيم، حيث تُركوا بدون ماء أو كهرباء أو القدرة على التحرك بحرية.

رغم ذلك، يرفض سكان المخيم حملة السلطة الفلسطينية التي يرون أنها تخدم الرغبات الإسرائيلية في إخضاع الضفة الغربية وتقييد نقاط مقاومة الاحتلال.

ويتزامن ذلك مع استمرار إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية، بهدف التوسع الاستيطاني في المناطق التي تخضع للسلطة المشتركة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بحسب اتفاق أوسلو.

أما الواقع على الأرض، فيؤكد أن الإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي هيئة إسرائيلية أنشئت عام 1981 لإدارة الشؤون الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، قد تجاوزت مسؤوليات السلطة الفلسطينية وقامت بإدارة الشؤون الفلسطينية بشكل مباشر دون وساطة السلطة الفلسطينية، كما كان الحال قبل إنشائها في اتفاقيات أوسلو عام 1993.

ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية، عماد أبو عوض، أن هذا التوجه الإسرائيلي يشير إلى العمل على إضعاف السلطة الفلسطينية وتهميشها، حيث أكد أبو عوض في مقابلة له مع موقع ميدل إيست آي على أنه “يمكن للفلسطينيين في الضفة الغربية الآن التوجه مباشرة إلى مكاتب الإدارة المدنية لإتمام أي معاملة دون إشراك مكاتب الاتصال التابعة للسلطة الفلسطينية”.

لماذا جنين؟

لطالما كان مخيم جنين، الواقع في قلب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، مركزاً للمقاومة التي تعرضت لضربة قاسية عند استهدافها في اجتياح جنين عام 2002، في حملة أودت بحياة العشرات، ثم أعادت المجموعات المسلحة تنظيم نفسها في عام 2021، حيث أصبحت كتيبة جنين تشكل اليوم شوكة مهمة في خاصرة السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

في ظل اقتراب تنصيب ترامب وما يحمل في جعبته من سياسات تجاه الضفة الغربية ومع ظهور محادثات أولية لوقف إطلاق النار في غزة، أصبحت السيطرة على المقاومة في الضفة الغربية اختباراً حاسماً للسلطة الفلسطينية للحفاظ على أهميتها في المعادلة السياسية الإقليمية.

وفقاً لموقع أكسيوس، فإن العملية الأخيرة في جنين تعتبر حاسمة بالنسبة لمستقبل السلطة الفلسطينية، وهي بمثابة رسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب لإقناعه أن بإمكان السلطة إدارة الشؤون الخاصة.

“منذ بدء الحرب على غزة أنشأ المستوطنون 60 بؤرة استيطانية جديدة، فيما اضطر أكثر من 26 تجمعاً فلسطينياً إلى إخلاء المناطق التي يعيشون فيها” – يوسف عرار- هيئة مقاومة الجدار والاستيطان

تجدر الإشارة إلى أن العملية الجارية حالياً في جنين تحت إشراف المنسق الأمني ​​بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مايكل فينزل، وقد ورد أنه التقى برؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية قبل بدء العملية وطلب معدات من إسرائيل لدعم السلطة الفلسطينية.

من جانبها، لا تخفي السلطة الفلسطينية دوافعها لإثبات قدرتها على الحفاظ على سيطرتها في الضفة الغربية، فهي لا تزال مصممة على مواصلة حملتها الأمنية رغم مقتل 3 فلسطينيين وإصابة العشرات، من بينهم أفراد من قواتها الأمنية ومقاتلون مسلحون.

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، أوضح المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطينية، أنور رجب، أن قيادة السلطة الفلسطينية كانت مدفوعة بالتطورات الإقليمية، بما في ذلك إضعاف حزب الله في لبنان والإطاحة بالرئيس بشار الأسد في سوريا.

وأضاف بالقول: “إن أي سلطة سياسية ضعيفة غير قادرة على فرض سيطرتها على كافة المناطق الخاضعة لولايتها سوف تفشل في تأكيد رؤيتها ولن تكون جزءاً من الترتيبات الإقليمية المقبلة”.

ما الذي ينتظر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟

أكد رجب على أن هدف السلطة الرئيسي من الحملة هو منع إسرائيل من استغلال الوضع في جنين للسيطرة على الضفة الغربية، مع أن 

المستوطنات لم تتوقف عن التوسع في كافة مناطق الضفة الغربية ولم تؤثر بذلك السلطة!

يمتلك الفلسطيني البالغ من العمر 54 عاماً، ماهر دياب، محلاً سياحياً في منطقة سبسطية التاريخية شمال الضفة الغربية، حيث يقع متجره في المنطقة (ب)، أي تحت السيطرة المشتركة نظرياً، ولكن المنطقة بأكملها قد واجهت تهديدات بالعزلة عن المدينة لسنوات الآن.

يقول دياب: “لقد تم هدم متجري مرتين وهو الآن شبه مغلق، فالممارسات الإسرائيلية منذ الحرب أوقفت كافة الأنشطة السياحية في المنطقة”.

 القضية الفلسطينية لن تكون في صلب الترتيبات والحلول السياسية في المنطقة، بل ستكون هناك حلول إقليمية تشكل فلسطين مجرد جزء منها

رغم عدم تنفيذ الضم في سبسطية رسمياً بعد، لكن هناك مصادرة الأراضي ونشاطاً استيطانياً، مما يؤكد على وتيرة “الضم الناعم” والتي تزايدت خلال الحرب على غزة، حيث ترافقت الحرب مع إعادة هندسة الضفة الغربية من خلال بناء المزيد من المستوطنات والطرق الالتفافية والبوابات الحديدية ونقاط التفتيش، وذلك من أجل عزل المجتمعات الفلسطينية عن بعضها البعض.

أكد رئيس وحدة العلاقات العامة والإعلام في هيئة مناهضة الجدار والاستيطان، يونس عرار، بأنه منذ بدء الحرب على غزة أنشأ المستوطنون 60 بؤرة استيطانية جديدة، فيما اضطر أكثر من 26 تجمعاً فلسطينياً إلى إخلاء المناطق التي يعيشون فيها.

وقد أشار عرار في حديثه لموقع ميدل إيست آي إلى أن أهم وأخطر مخطط هو المخطط المعلن للسيطرة على منطقة المالحة في بيت لحم، حيث تمتد هذه المنطقة من بلدة السواحرة إلى مسافر يطا بمساحة 176 كيلومتراً مربعاً وتقع جميعها ضمن المنطقة (ب).

علاوة على ذلك، فقد أعلن وزير المالية الإسرائيلي عن نيته حل الإدارة المدنية، حيث سيتم نقل مسؤوليات الإدارة المدنية إلى الوزارات الإسرائيلية، مما يجعل هذه الوزارات مسؤولة بشكل مباشر عن 250 ألف فلسطيني يعيشون في المنطقة ج، التي تشكل 60% من الضفة الغربية!

“لن يكون هناك حلول سياسية”

يرى أبو عوض أن جهود الضم الإسرائيلية لم تلق مقاومة تذكر من قبل السلطة الفلسطينية، مما يسهل تحويل السلطة الفلسطينية إلى هيئة إدارية في أي ترتيبات مستقبلية، مشيراً إلى اعتقاده بأن التطورات في الضفة الغربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باقتراب نهاية الحرب على غزة والاستعدادات لسيطرة السلطة على القطاع.

أما المحلل السياسي أيمن أبو سيف، فيرى أن السلطة الفلسطينية تسعى الآن بكل قوتها لإرسال رسالة إلى العالم بأنها قادرة على الحفاظ على النظام الداخلي، لكن ذلك سيتم من خلال إجراءات أمنية مؤقتة وليس من خلال حلول شاملة، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية لن تكون في صلب الترتيبات والحلول السياسية في المنطقة، بل ستكون هناك حلول إقليمية تشكل فلسطين مجرد جزء منها.

يرى أبو سيف أن هذه الحلول سوف تركز على الضفة الغربية، في حين ستكون غزة منشغلة بعملية إعادة إعمار طويلة الأمد لن تلعب فيها السلطة الفلسطينية دوراً مركزياً، تاركة التعاون للجهات الفاعلة الإقليمية مثل مصر والمنظمات الدولية.

وأضاف أبو سيف بالقول: “في الضفة الغربية لن تكون هناك حلول سياسية، لكننا قد نرى حلولاً اقتصادية تشمل الدول العربية، مع عودة المساعدات الأمريكية والأوروبية للسلطة الفلسطينية”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة