المخرج المسرحي الغزّي حسام المدهون يعيش في غربته حياة “بين الأرض والسماء”

بقلم فلور هارغريفز

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

قبل أن يبدأ عدوان الاحتلال على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان حسام المدهون يعمل ولمدة 30 عامًا في المسرح والكتابة .له

ويعتقد المدهون أن “النشاط المسرحي في غزة محروم من التبادل مع العالم، وخاصة في ظل حصار الاحتلال خلال السنوات السبع عشرة الماضية”.

وقبل الحصار، قامت شركة Theatre for Everybody التي شارك المدهون في تأسيسها مع صديقه والمدير الفني المشارك جمال الروزي بجولة في أوروبا عام 2006، حيث قدمت عروضاً للكبار والصغار في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج وأماكن أخرى.

غير أن الأمر أصبح أكثر تحدياً بعد ذلك، وإن كان العرض قد استمر، ففي عام 2009، بدأ التعاون مع Az Theatre، وهي شركة مقرها لندن ويديرها جوناثان تشادويك، لإطلاق ورش عمل وإنتاجات مسرحية مشتركة.

وحتى ذلك الحين، لم يكن المدهون قادراً على إعالة نفسه ككاتب مسرحي، أما الآن فباتت العديد من مشاريعه المسرحية تواجه الاهمال مع استمرار الحرب.

ومنذ عام 2013، عمل المدهون مديراً لحماية الأطفال في مركز معا للتنمية، وهي منظمة غير حكومية مقرها غزة تقدم الدعم النفسي والاجتماعي والاستشارة والأنشطة الترفيهية وإدارة الحالات المتعلقة بحماية الأطفال.

“أفظع ما يمر به الأطفال هو الخوف، من يستطيع أن يتحمل ذلك؟ لا أعرف لماذا لا يُعتبر الفلسطينيون بشرًا أو لماذا يجب عليهم إثبات أنهم بشر من أجل حمايتهم، لا تحدث في غزة سوى الكوارث والإبادة الجماعية المطلقة، ولا شيء غير ذلك” – حسام المدهون، صانع مسرح

ظل الأطفال الفلسطينيون عرضة للعنف الممتد، لاسيما إبّان الانتفاضة الأولى عام 1987، والانتفاضة الثانية عام 2005، والحروب مع دولة الاحتلال في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021 و2022 و2023، والعدوان الحالي الذي استمر لأكثر من 14 شهراً.

لكن شيئًا ما تغير بعد 7 أكتوبر، حيث يقول المدهون الذي يقيم مع عائلته حالياً في مصر “لم تكن تلك الحرب مثل أي شيء آخر على الإطلاق”.

كما أوضح في حديث لميدل إيست آي “إنها إبادة جماعية مطلقة لأنها تستهدف الجميع، والهدف الرئيسي هو بكل وضوح تحويل غزة إلى مكان غير صالح للعيش، وإصابة الناس بالصدمة النفسية”.

ومنذ العام الماضي، دمر جيش الاحتلال أكثر من 80% من البنية الأساسية في غزة بما فيها المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات والمواقع التراثية والعمرانية والطرق والمياه والصرف الصحي وشبكات الاتصالات.

وخلّف هذا الدمار الشامل أكثر ظروفاً مزرية لقرابة مليوني فلسطيني يعيشون في خيام مؤقتة، ويموتون جوعاً ويشهدون تجمد أطفالهم حتى الموت، ومؤخراً، تم استهداف آخر مستشفى عامل في شمال غزة وتدميره.

وتقدر تقارير إعلامية أن أكثر من 45500 فلسطيني قد استشهدوا بينهم 17000 طفل، لكن العدد بات ثابتاً عند هذا الرقم منذ أشهر، فيما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 10000 شخص مازالوا في عداد المفقودين ويُرجح أن يكونوا قد استشهدوا تحت الأنقاض.

وربما يكون عدد الشهداء الحقيقي أكثر من أربعة أضعاف هذا الرقم، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 186 ألف شخص يمكن أن يكونوا قد قضوا نحبهم بشكل غير مباشر من الجوع والبرد والمرض فضلاً عن القنابل التي تمطر عليهم باستمرار.

وفي وقت سابق من هذا العام توفيت والدة المدهون بسبب الفشل الكلوي، والذي كان من الممكن علاجه لولا استحالة وصولها إلى المراكز الصحية لإجراء غسيل الكلى.

ولا يتم احتساب الوفيات على غرار والدة المدهون كضحايا للحرب رغم أنها المتسبب الرئيسي في رحيلهم.

ويتساءل المدهون: “لا أعرف لماذا لا يعتبر الفلسطينيون بشراً أو لماذا لا يجب عليهم إثبات أنهم بشر من أجل حمايتهم”.

“مكان بين الأرض والسماء”

في عام 2022، تعاون المدهون مع مسرح Az في إعداد مسرحية مقتبسة من مسرحية سلافومير مروزيك “المهاجرون”.

 تدور أحداث المسرحية حول أولئك الذين غادروا غزة والجانب الآخر من الهجرة، وكيف يمكن أن تكون مدمرة للذين هجروا أرضهم ومنازلهم وأملهم، إنها مفارقة.

ومع حلول الدمار على نطاق لم يسبق له مثيل على غزة، يتساءل المدهون عما إذا كان الحل الوحيد هو أن يغادر الناس وينقذوا أنفسهم.

ويقول “هل سيسمحون لإسرائيل بالانتصار؟” لقد أصبح هذا السؤال في محله تماماً الآن بعد أن أصبح المدهون نفسه لاجئاً.

وبعد أن عاش في مدينة غزة مع زوجته عبير وابنتهما سلمى وكلبهم بودي، غادر المدهون وعائلته عقب أوامر الطرد الإسرائيلية الأولى وذهبوا إلى نتساريم، حيث كانت عائلة زوجته عبير تسكن.

بعد ذلك، نزح المدهون وعائلته إلى رفح وكانوا محظوظين بما يكفي لمغادرة معبر رفح إلى مصر في أبريل/نيسان قبل أن تدمر قوات الاحتلال المعبر وتسيطر عليه في مايو/أيار.

والآن، يدرك المدهون في مصر بشكل أعمق الحالة النفسية لمغادرة الوطن، والتي وصفها قبل عامين في إنتاجه.

يقول: “الغربة مثل مكان بين الأرض والسماء”، إنهم غير متأكدين مما إذا كان بإمكانهم الاستمرار في العيش هناك لأنهم لا يتمتعون بوضع قانوني ولا توجد عملية لجوء يمكن التحدث عنها.

إن حالة عدم اليقين هذه بمثابة كابوس، فبينما تشعر أسرة المدهون بالأمان الآن، فإنها لا تعرف أبدًا ما الذي سيحدث بعد ذلك.

لقد فقدت زوجته للتو وظيفتها في مؤسسة خيرية تُعنى بالإنسانية والدمج، حيث كان هذا العمل يتطلب منها أن تعيش في غزة بدلاً من العمل عن بعد. 

ومن غير الدخل الذي كان يدره عليها هذا العمل، لم يعد بوسع العائلة إرسال الأموال إلى أفراد الأسرة الذين ما زالوا محاصرين في منطقة الحرب، ولا يمكنهم إعالة أنفسهم.

ولكن العودة ليست خياراً، حيث يقول المدهون إن “الفوضى اندلعت في غزة”، ومن الطبيعي أن ينهار المجتمع المدمر في ظل مثل هذه الظروف، وتتفشى أعمال النهب والسرقة والقتل وحرب العصابات.

ويشير إلى أن اللصوص يعملون مع الإسرائيليين، مستشهداً بحادثة قامت فيها عصابات مسلحة تتمركز بالقرب من مواقع جيش الاحتلال بنهب 100 شاحنة من المساعدات، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بالادعاء بأنها تسمح بدخول المساعدات بينما هي في الواقع تسهل نهبها.

وفي عام 2014، قام المدهون بتكييف إنتاج رواية الحرب والسلام لليو تولستوي، والتي دعت إلى أنه لا يمكن لأي شيء جيد أن يأتي من كل هذه الحرب، وأن البشر لا يستطيعون نفسياً البقاء على قيد الحياة في مثل هذا الهجوم وأن السلام ضروري للحرية.

ويقول المدهون: “هذا أكثر مما يمكن أن تتحمله حياة واحدة”.

وفي الوقت الحالي، يتعاون مسرح الجميع ومسرح AZ في سلسلة من الفعاليات تقام من لندن والقاهرة عبر معرض ينظم على الإنترنت تحت عنوان “فلسطين: الإصلاح والعودة”.

مقالات ذات صلة