بقلم أورلي نوي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في مقال كتبه عن القرية الترفيهية التي أقامتها إسرائيل للجنود في غزة، أوضح مراسل موقع “واينت” يوآف زيتون، أن “الشيء الوحيد الذي لا يزال محظوراً على الجنود هنا هو الخوض في الوضع العسكري المستمر”.
بصرف النظر عن الخوض المحظور، إلا أن المنتجع يوفر جميع وسائل الراحة للجنود، من أخصائيي العلاج الطبيعي لتدليك أرجلهم وظهورهم وآلات صنع الفشار وحلوى غزل البنات، إلى وجود غرفة صالة فيها قائمة تشمل الفطائر البلجيكية والمعجنات الطازجة وركن روحي به كتب دينية وأدوات صلاة مقدمة ووجبات إفطار وغداء وعشاء من اللحوم المشوية مع “خدمة بدون توقف”.
هكذا يجلس الجنود في منتجع وادي القتل هذا، يشوون ويأكلون اللحوم في مواقعهم المسلحة حيث لا يتوقف العمل أبداً، فلم يعد بإمكانهم تمييز روائح الشواء بين كونها لحوم الحيوانات التي اشتروها للشراء أم هي لحوم أجساد الأشخاص الذين يُمنع الجنود من الخوض في شواطئهم!
لقد تبين أن الإبادة عمل متعب، فبعد ما يقرب من 15 شهراً من حرب الإبادة، يبدو أن مشاعر الكراهية والانتقام لم تعد توفر ما يكفي من الأدرينالين لمواجهة الإرهاق والمصاعب الناجمة عن الانفصال الطويل عن المنزل من التكلفة المالية المرتفعة والبعد عن الأسرة!
لهذا السبب، ابتكر الجيش الإسرائيلي فكرة بارعة لتكون بمثابة نوع من الإجازة الفاخرة في فندق خمس نجوم لجنوده حتى يشحنوا طاقتهم الحربية من جديد!
مساحة للأشباح
ماذا الذي يراه هؤلاء الجنود من قلب المنتجع الفاخر في قلب “وادي القتل” إن صح التعبير؟! ما الذي يرونه في مكان حيث الأطفال المتعطشون لأي قطرة ماء يبحثون عن أقل قطعة لحم نجت من القصف الأخير؟ في مكان يبحث فيه الآباء المحطمون عن أطفالهم تحت الأنقاض؟! في مكان تجمع فيه الأمهات الحشائش والأعلاف الحيوانية لسد جوع أطفالهن؟ في مكان تأكل فيه الكلاب المهجورة أجزاء جسم الإنسان المتناثرة؟!
لا أعرف ما تراه أعينهم، لكنني أعلم أن الصهيونية كانت تتمتع دائماً بموهبة غير عادية في تدريب أتباعها على رؤية ما يخدم أغراضها فقط بينما تمحو كل شيء آخر عن الأنظار، فبهذه الطريقة فقط يستطيع “شعب بلا أرض” أن يستوطن “أرضاً بلا شعب”.
لقد سقطت هذه القاعدة عند غزة، فلم يعد يكفيهم مجرد محو الفلسطينيين من الأنظار لفترة من الزمن الآن، ولكن في غزة، يتعين على إسرائيل أن تخترع واقعاً بديلاً بالكامل، فقد تحولت غزة قبل وقت طويل من 7 أكتوبر عام 2023، إلى ما يشبه مساحة أشباح معتمة في زوايا النفس الإسرائيلية الجمعية، مما جعلهم يعتقدون أن غزة مكان مخيف جداً ويجب إخفاؤه عن الأنظار!
منتزه من الأكش
إن التعامل مع غزة، من زاوية إسرائيلية، يجب أن يكون دائماً أبعد من الواقع، لأن الواقع الذي تم خلقه هناك لا يمكن فهمه على الإطلاق، فقد وصل بنا الحال إلى تركيب مناظير على التلال المطلة على غزة حتى يتمكن الأطفال من إدخال عملة معدنية من فئة 5 شيكل ورؤية أعمدة الدخان تتصاعد فوق الأرض.
نحن، كإسرائيليون، بتنا نشاهد مسلسلات مثل مسلسل فوضى، الذي يقدم لنا غزة كنوع من مدينة ملاهي مليئة بالأكشن، ويتحول فيها الخيال إلى واقع فيه التدمير الكامل للحضارة التي كانت ذات يوم موجودة هناك، لنضطر بعد ذلك إلى إنشاء حضارة زائفة جديدة، مع آلة الفشار وغزل البنات والمساج، وكلما زاد قتامة الواقع، كلما بدا الواقع البديل أكثر ألواناً وأشبه بكرنفال خيالي.
هكذا يجلس الجنود في منتجع وادي القتل هذا، يشوون ويأكلون اللحوم في مواقعهم المسلحة حيث لا يتوقف العمل أبداً، فلم يعد بإمكانهم تمييز روائح الشواء بين كونها لحوم الحيوانات التي اشتروها للشراء أم هي لحوم أجساد الأشخاص الذين يُمنع الجنود من الخوض في شواطئهم!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)