مع دخول وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره بين دولة الاحتلال وحركة حماس حيز التنفيذ صباح الأحد، سارع آلاف النازحين الفلسطينيين للعودة إلى منازلهم.
وبالنسبة للعديد منهم، فقد كانت العودة رحلة مريرة وحلوة معاً، واتسمت بالصدمة والخسارة وعدم اليقين.
لقد عادوا إلى منازل أغلبها قد تم تدميره، وفي أفضل الأحوال بقيت أجزاء منها هياكل نصف قائمة.
وقال أحمد الآغا، وهو فلسطيني من بلدة خزاعة شرقي خان يونس: “كنت سعيداً جداً بوقف إطلاق النار، لذلك تركت الخيمة وانتقلت إلى شرق خان يونس باتجاه منزلي، لكن عند وصولي، وجدت الواقع أسوأ بكثير مما توقعت”.
وأضاف لموقع ميدل إيست آي: “لقد صدمت عندما وجدته مدمراً بالكامل، لقد دمر منزل من ثلاثة طوابق، لقد كان آخر ما سمعته عن المنزل أنه دمر جزئياً ويمكن أن يكون صالحاً للسكن، ولكنني فوجئت برؤيته مدمراً بالكامل”.
تحول منزل عائلة الآغا المزدهر الذي كان يؤوي 10 أشخاص إلى مجرد أنقاض، وبات أحمد الآن يواجه قراراً صعباً بعد أن أصبح بلا مكان يذهب إليه.
وتابع: “لا أعرف إلى أين أذهب الآن؟ أنا الآن في الشوارع، ولست متأكداً ما إذا كان علي البقاء بالقرب من منزلي أو العودة إلى المخيم المؤقت”.
وقد عرض العديد من النازحين العائدين قصصاً مماثلة أمام ميدل إيست آي، وبالنسبة لهم، فإن وقف إطلاق النار لم يجلب سوى القليل من الراحة، ومع اختفاء منازلهم، فإن عدم اليقين بشأن ما ينتظرهم يلوح في الأفق.
“لقد وجدناه مدمراً”
في حي تل الهوى المزدحم في مدينة غزة، عاد عزت قيشاوي لتفقد منزل عائلته، بعد نزوحه إلى وسط مدينة غزة.
وفي الليلة التي سبقت عودته، لم يستطع قيشاوي التخلص من القلق الذي انتابه وهو يفكر في منزله ومحتوياته.
وقال قيشاوي لـ ميدل إيست آي: “كنت أفكر طوال الليل في المنزل وما إذا كان لا يزال موجوداً وفي كل ما فيه، لم نتمكن من النوم ونحن نفكر في الأمر”.
انطلق قيشاوي برفقة عائلته في الصباح الباكر للعودة إلى تل الهوى، لكن رحلتهم شابها قصف قوات الاحتلال أثناء تأخير وقف إطلاق النار.
وأوضح: “بين الساعة 8.30 صباحاً (6.30 صباحاً بتوقيت جرينتش) و9 صباحاً، بدأنا أنا ووالدي وأمي وأخي التوجه إلى تل الهوى، ولكن قبل أن نصل إلى المنزل، سمعنا شائعات عن التأخير وإطلاق النار والقصف”.
وعلى بعد 100 متر فقط من وجهتهم، رأى القيشاوي طائرة بدون طيار تسقط قنبلة وتقتل شخصاً وتصيب آخرين.
وأضاف: “لقد توقعنا أن يحدث هذا لأنه لا يمكنك أن تثق في الإسرائيليين أبداً”، لكن وعندما وصل قيشاوي وعائلته أخيراً إلى منزلهم، فوجئوا بالدمار.
يقول القيشاوي عن بيته “وجدناه مدمراً، لقد تمكنا من استعادة بعض الملابس والأغراض الأخرى، لكنه غير صالح للسكن، مثل كامل منطقة تل الهوى التي دُمرت”.
وأضاف قيشاوي: “المنطقة بأكملها غير صالحة للسكن البشري”.
ومع هذا الدمار الشديد، أصبح القيشاوي وعائلته الآن مضطرين إلى البحث عن مكان للإيجار، ولكن ارتفاع تكاليف المعيشة بات يمثل تحديًا آخر، حيث يعبر قيشاوي عن أسفه لذلك قائلاً: “تضاعفت الأسعار ثلاث مرات”.
حياة الخيام التي لا تطاق
أما محمد الأسطل، وهو أيضًا من شرق خان يونس، فقد كانت العودة بالنسبة إليه أقل صدمة، ولكنها لم تكن أقل تحدياً.
ويقول الأسطل: “دمرت منطقتنا بالكامل، الطابق العلوي من منزلنا دمر، ولكن الطابق السفلي يمكن إنقاذه”، إنه يحتاج إلى بعض الترميم، وقد ننجح في ذلك”.
ويتمسك الأسطل بالأمل بأن تتمكن أسرته من العودة إلى منزلها مع استمرار وقف إطلاق النار قائلاً “لم نعد قادرين على العيش في الخيام بعد الخسائر التي تكبدناها بسبب شهور النزوح”.
كانت زوجة الأسطل تعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري، وباتت الآن “تعاني في الخيام”.
وبالنسبة له، فإن إمكانية العودة إلى منزل، حتى لو كان يتطلب إصلاحات، توفر له شعوراً بالاستقرار الذي يحتاج إليه بشدة.
المناطق المحظورة
وفي قصة أخرى، كان رفيق محمود، وهو من سكان رفح، يتقاسم مع سالفيه ذات الشوق للعودة إلى منزله على الرغم من الدمار.
وبعد نزوحه إلى خان يونس خلال الأشهر الثمانية الماضية، لم يتمكن محمود من القيام برحلة العودة إلى مسقط رأسه على الفور.
وأوضح: “لم أتمكن من التوجه إلى منزلنا لأن بعض الأشخاص حاولوا الوصول إلى المنطقة وقتلوا، ويبدو أن قوات الاحتلال لا تزال متمركزة هناك”.
وكان محمود قد سمع تقارير تفيد بأن منزله تعرض للقصف ودمر بالكامل، وعندما سأل عن الوضع، أكدت الأخبار أسوأ مخاوفه، وقال: “لقد دمرت المنطقة بأكملها”.
ورغم الخسارة، لا يزال ارتباط محمود بمنزله قوياً، حيث يشرح ذلك بقوله “كنا نعيش حياة طبيعية قبل الحرب في رفح، لكن هذه الحرب غيرت كل شيء، كل يوم كان أسوأ من السابق”.
ورغم الدمار، لا يزال محمود متفائلاً بإمكانية عودته بمجرد أن تصبح المنطقة آمنة.
وختم بالقول: “سأعود، حتى لو كانت المنطقة مدمرة، من يرفض مثل هذا الشيء؟”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)