مراجعة جديدة لبرنامج “بريفنت” الحكومي البريطاني… لقد حان الوقت لإلغاء هذا النظام الفاشل

بقلم مصطفى الدباغ

ترجمة وتحرير مريم الحمد

يأتي القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بمراجعة برنامج “بريفنت” المثير للجدل متأخراً بالنسبة للكثير من ضحاياه، فبعد حادثة الطعن التي وقعت في منطقة ساوثبورت جنوب لندن في الصيف الماضي، تبين أن مرتكب الجريمة قد تمت إحالته إلى برنامج “بريفنت” 3 مرات، ومع ذلك، فقد ظل حراً رغم ارتكاب عمل شنيع، الأمر الذي يؤكد على عدم فعالية هذه الاستراتيجية. 

ما من شك في أن خطوة المراجعة الجديدة تشكل موضع ترحيب، ولكنها لابد أن تؤدي إلى برنامج بديل لا يعالج الإخفاقات في الجانب التشغيلي لبرنامج “بريفنت” فحسب، بل ويصحح أيضاً الضرر الذي ألحقه البرنامج بالجاليات المسلمة في بريطانيا. 

يأتي إخفاق برنامج “بريفنت” من الاستراتيجية الأساسية التي بني عليها على النموذج الفاسد لتقييم التطرف وهو مبدأ “الحزام الناقل”، أي الانتقال من الظلم إلى العنف، في حين تتجاهل هذه الاستراتيجية العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية المعقدة التي تساهم في التطرف

لطالما كانت سياسة “بريفنت” مبنية على افتراضات خاطئة، فقد تم تصميمه لتحديد ما يسمى “الأفراد المعرضون لخطر التطرف”، إلا أن  معاييره الغامضة وغير العلمية أدت في الواقع إلى استهداف واسع النطاق وغير عادل بحق المسلمين.

لقد تمت إحالة أطفال لا تتجاوز أعمارهم عامين بسبب سلوك مثل قول “الله أكبر” أو ذكر الخلافة التاريخية في المناقشات الصفية لأطفال المدارس، كما تم تصنيف مراهقين على أنهم متطرفون لمجرد احتجاجهم ضد الدبلوماسيين الإسرائيليين أو ارتداء شارات “فلسطين حرة”. 

يمكن القول أن هذه الحالات تمثل رمزاً لاستراتيجية تنظر إلى المجتمعات الإسلامية من خلال عدسة الأمن التي تراهم تهديداً وليس شركاء في الحماية المجتمعية.

الخوف والعزلة

كشف تقرير حديث صادر عن منظمة الحقوق والأمن الدولية عن جانب أكثر قتامة لبرنامج “بريفنت”، حيث يتم تخزين البيانات الشخصية الناتجة عن إحالة أشخاص، بما في ذلك الأطفال، في قواعد بيانات واسعة يمكن للشرطة ووكالات الاستخبارات وربما الحكومات الأجنبية الوصول إليها، وتظل هذه البيانات في الأنظمة الحكومية لعقود من الزمن.

لقد ظهرت من قبل شكاوى من أفراد فقدوا مقاعدهم الجامعية أو فشلوا في تقديم طلبات الحصول على الجنسية أو حتى آخرين تم حرمانهم من العمل بسبب إحالات برنامج “بريفنت”، وبذلك فقد رسخ هذا النظام التمييز.

تشير انتقادات برنامج “بريفنت” إلى أن البرنامج يستهدف المسلمين بشكل كبير مما يعزز الخوف والعزلة لديهم، حيث تسلط المراجعة الضوء على كيف أدى توسع البرنامج ليشمل المدارس ومراكز الرعاية الصحية والخدمات العامة الأخرى إلى تحويل العمال والموظفين إلى مخبرين للحكومة بدلأً من التركيز في أدوارهم الأساسية كمعلمين ومقدمي رعاية. 

ويذهب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بعنوان “هذه هي شرطة القمع الفكري” إلى أبعد من ذلك، حيث يخلص إلى أن برنامج “بريفنت” “يتعارض بشكل أساسي مع التزامات المملكة المتحدة في مجال حقوق الإنسان”، فقد وثقت منظمة العفو الدولية كيف تسببت معايير برنامج “بريفنت” الغامضة في زيادة التوتر والقلق وفقدان الثقة في المجتمع.

أدى برنامج “بريفنت” إلى تآكل الحريات المدنية وخنق حرية التعبير، كما عمل على تشويه سمعة المملكة المتحدة على المستوى الدولي، لأنه يغذي سرديات النفاق الغربي ويقوض قدرة بريطانيا على المشاركة في برامج تعزيز حقوق الإنسان على الصعيد الدولي

وقد دعت كل من منظمة العفو الدولية ومجلة بيبولز ريفيو إلى إلغاء برنامج “بريفنت”، مع حث الحكومة البريطانية على التركيز على الحماية القائمة على الأدلة بدلاً من البرنامج الذي أدى أساسه إلى تفاقم إخفاقاته.

ويأتي إخفاق برنامج “بريفنت” من الاستراتيجية الأساسية التي بني عليها على النموذج الفاسد لتقييم التطرف وهو مبدأ “الحزام الناقل”، أي الانتقال من الظلم إلى العنف، في حين تتجاهل هذه الاستراتيجية العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية المعقدة التي تساهم في التطرف. 

بعد تحليل مئات الحالات، لم تجد وحدة العلوم السلوكية في المخابرات البريطانية أي طريق يعتبر نموذجاً واضحاً للتقدم نحو العنف، ففي تحليله لـ 500 سيرة ذاتية “لإرهابيين”، أكد ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق مارك سيجمان، أن هذه النظرية تبالغ في تبسيط التطرف وتفشل في مراعاة الحقائق الاجتماعية والسياسية.

عدم مساواة ممنهجة

لقد كشف تطبيق برنامج “بريفنت” أيضاً عن وجود عدم مساواة ممنهجة في مكافحة الإرهاب، حيث يشكل الأطفال المسلمون ما نسبته 60% من إحالات برنامج “بريفنت” في المدارس رغم أنهم يشكلون 5% فقط من السكان، فيما يفلت الأفراد الآخرون من خلفيات يمينية متطرفة من تدقيق مماثل. 

مثلاً، تتناقض حالة ليام ليبورد، الذي خطط لتفجير كليته السابقة ولم يتم التعامل معه كإرهابي رغم ذلك، مع العقوبات القاسية المفروضة على المسلمين، فمثل هذه المعايير المزدوجة تنزع الشرعية عن إطار مكافحة الإرهاب برمته.

يجب أن تكون الشفافية والمساءلة حجر الزاوية في أي بديل لبرنامج “بريفنت”، فالسرية التي تحيط ببرنامج “بريفنت” هي سبب أساسي سمح بتفاقم الانتهاكات دون رادع، مما أدى إلى تآكل الثقة في المؤسسات العامة وعزل المجتمعات المسلمة في بريطانيا.

لقد تحول المعلمون والأطباء والأخصائيون الاجتماعيون إلى مخبرين، مما أدى إلى الإضرار بعلاقاتهم مع من يخدمونهم، فأصبحت الأسر، التي تخشى المراقبة، تحجم عن طلب المساعدة عند الحاجة. 

من جانب آخر، يجب أن تعطي الاستراتيجية الجديدة الأولوية للحماية على المراقبة، ومعالجة الأسباب الجذرية للعنف، والتي تتضمن الفقر وعدم المساواة والصحة العقلية والعزلة، مع ضمان أخذ آراء المجتمعات المسلمة في الاعتبار.

أخيراً، يتعين على بريطانيا أن تفكر في العواقب الأخلاقية المترتبة على سياساتها في مكافحة الإرهاب، فقد أدى برنامج “بريفنت” إلى تآكل الحريات المدنية وخنق حرية التعبير، كما عمل على تشويه سمعة المملكة المتحدة على المستوى الدولي، لأنه يغذي سرديات النفاق الغربي ويقوض قدرة بريطانيا على المشاركة في برامج تعزيز حقوق الإنسان على الصعيد الدولي. 

لاشك أن المراجعة المقبلة للبرنامج تعد فرصة لإلغاء النظام الفاشل واستبداله بنظام يدعم العدالة والثقة، فغياب ذلك يهدد بتعميق الضرر الذي أحدثه برنامج “بريفنت” بالفعل،  ليس فقط بالنسبة للمجتمعات المسلمة، بل بالنسبة للتماسك الاجتماعي في بريطانيا عموماً.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة