مبادرة “مدّ مائدتك”.. لأن معاناة غزة لم تنته بعد فعلينا أن نتحرك للتضامن معها

بقلم عثمان مقبل 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

تتجاوز المبادرة الجديدة التي قدمتها منظمة العمل من أجل الإنسانية لدعم الأسر الفلسطينية في غزة حد المساعدات المالية، فهي تهدف إلى استعادة الكرامة وإعادة بناء الحياة وتعزيز التضامن العالمي، بعدما جلب وقف إطلاق النار الأخير في غزة شعورًا هشًا بالارتياح في منطقة كانت تعيش معاناة لا يمكن تصورها.

ولكن بالنسبة للعائلات الفلسطينية التي نجت من القصف والدمار المزمنين، فإن المعركة لم تنته بعد، فهي لا تزال تواجه الفقر المدقع والجوع والتشرد واليأس، أما المنازل فهي مدمرة، والمستشفيات مثقلة، والأطفال يكبرون في بيئة تظل الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمياه النظيفة والتعليم بعيدة المنال عنها.

وباعتباري بريطانيًا من أصل فلسطيني ورئيسًا تنفيذيًا لمنظمة العمل من أجل الإنسانية، فقد شهدت بنفسي قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود، لكن ذلك وحده لا يكفي لإعادة بناء الحياة، حيث تتمثل مسؤوليتنا الجماعية في أن نتدخل ونمد أيدينا وقلوبنا ونخبر عائلات غزة أنهم ليسوا وحدهم.

ولهذا السبب أطلقنا في منظمة العمل من أجل الإنسانية مبادرة “مد طاولتك: توأمة عائلات غزة”، وهو برنامج متجذر في التضامن والتعاطف والقيم الخالدة لإنسانيتنا المشتركة.

أزمة تتجاوز الوصف

الاحتياجات الإنسانية في غزة مذهلة، ومن خلال “التوأمة” مع عائلة هناك، يعمل المتعاطفون على تكوين رابطة من المودة والتضامن تتجاوز الحدود

وحتى قبل الحرب، كان أكثر من 80% من الأهالي يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، ومنذ ذلك الحين، تصاعد انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تكافح الأسر لتوفير حتى أبسط الوجبات.

 والآن، أصبحت أنظمة الرعاية الصحية، التي تعمل بالفعل بأقصى طاقتها، على وشك الانهيار، فقد تحولت المدارس إلى أنقاض، وأصبح الوصول إلى المياه النظيفة تحديًا يوميًا لكثيرين، وفي هذا السياق، تعد مبادرة “مد مائدتك” أكثر من مجرد شريان حياة، إنها منارة أمل.

وفي مقابل تبرع شهري محدد، يمكن للأسر في جميع أنحاء العالم “التوأمة” مع أسرة في غزة، مما يوفر الدعم الحاسم لتلبية احتياجاتهم اليومية، ولا تتعلق هذا التوأمة بالمساعدة المالية فحسب، بل باستعادة الكرامة، وإعادة بناء الحياة، وتعزيز الشعور بالتضامن العالمي.

تكوين رابطة

إن مفهوم “مد المائدة” متجذر بعمق في التقاليد الإسلامية، ففي عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رحب الأنصار بالمهاجرين في المدينة المنورة في عرض غير عادي للأخوة والكرم، وتقاسموا منازلهم وطعامهم وحياتهم مع أولئك الذين نزحوا من الاضطهاد في مكة، في رابطة لم تكن مجرد علاقة عمل خيري، بل كانت تجسيدًا عميقًا للوحدة والإيمان.

واليوم، تسعى مبادرة “مد مائدتك” إلى إحياء روح الأخوة هذه من خلال التوأمة مع عائلة في غزة، حيث يعمل المناصرون على تكوين رابطة من التعاطف والتضامن تتجاوز الحدود، إنهم يقولون لعائلة في غزة: “نحن نراكم، نحن نسمعكم، نحن نقف إلى جانبكم”.

ومن خلال هذه المبادرة، نستخدم إحدى الطرق المألوفة داخل مجتمع المساعدات والتنمية، المساعدات النقدية والقسائم لدعم الأسر المتضررة من الأزمات.

 يمكّن هذا النهج العائلات الغزية من تلبية احتياجاتها الخاصة، وقد يساهم أيضًا في إعادة بناء المنازل، حيث فقدت العديد من الأسر في غزة مساكنها بسبب الغارات الجوية العشوائية المتواصلة.

الدعم الحاسم

وبسبب منع المساعدات الإنسانية من دخول القطاع، تعاني العائلات الفلسطينية في غزة من أزمة انعدام أمن غذائي حادة، وستساعد هذه المبادرة في التخفيف من حدة هذه الكارثة من خلال توفير إمكانية الوصول إلى وجبات مغذية ومياه نظيفة للأسر.

علاوة على ذلك، فإن نظام الرعاية الصحية في غزة منهك، فقد أصيب عدد لا يحصى من الناس بجراح وتشوهات نتيجة للحرب الوحشية، الأمر الذي جعل العديد من الأسر غير قادرة على تحمل تكاليف العلاج الطبي.

ويمكن أن تساعد مبادرة “مد طاولتك” هذه الأسر في تغطية النفقات الحرجة، لكن التأثير يمتد إلى ما هو أبعد من دعم الأسر في مبادرة التوأمة، فمن خلال توفير المساعدات النقدية للعائلات، فإننا نمكنها من الإنفاق محليًا، مما يساعد في تنشيط الأعمال التجارية، وتعزيز التعافي الاقتصادي، ومكافحة الفقر الناجم عن الحرب.

وهناك طريقة أخرى يمكن أن تساعد بها هذه المبادرة وهي تغطية تكاليف التعليم، فهو المفتاح لكسر حلقة الفقر، ويمكن لهذا البرنامج أن يساعد الأطفال في غزة في الوصول إلى المدارس وتحقيق تطلعاتهم لمستقبل أكثر إشراقًا.

نداء للعمل

إن مبادرة “مد طاولتك” ليست مجرد برنامج، إنها حركة ودعوة للعمل، إنها دعوة للأفراد والأسر والمجتمعات في جميع أنحاء العالم للتضامن مع غزة.

بصفتي فلسطينياً بريطانياً، فإنني أحمل في جعبتي قصص شعبي وسيرة نضالهم، وتفاصيل قدرتهم على الصمود، وأملهم الثابت في الإنسانية

غالبًا ما غض العالم الطرف عن معاناة الفلسطينيين، لكن لا ينبغي لنا أن نفعل ذلك، فنحن الجماهير، لدينا القدرة على إحداث الفارق، واستعادة الأمل، وإعادة بناء حياة محطمة.

هذه المبادرة هي وسيلة لتكريم تلك القصص وضمان معرفة أسر غزة بأنها لم تُنس، وعليه فإنني أدعوك للانضمام إلينا في هذه الرحلة من التعاطف والتضامن، مدّ مائدتك لعائلة في غزة وكن جزءًا من إرث الأمل والإنسانية، فمعًا، لا يمكننا فقط إعادة بناء المنازل، ولكن إعادة تكوين الروابط التي توحدنا كعائلة عالمية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة