عذراً ترامب… الفلسطينيون لن ينخدعوا بشعار “جعل غزة عظيمة مرة أخرى”

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير مريم الحمد

أخيراً، لقد تم إضافة قطاع غزة إلى الرؤية الجيوسياسية الواسعة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة تشكيل العالم، فبعد غرينلاند وكندا وقناة بنما، يتطلع ترامب إلى إنشاء أكبر موقع لتخزين الأنقاض في الهواء الطلق في العالم!

لقد تعهد ترامب بإعادة بناء المنطقة “التي تبدو قطعة من الجحيم” وتحويلها إلى مشروع عقاري رائع، ربما يشمل سلسلة من المنتجعات على طراز مارالاجو على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. 

كم بدا هذا الإعلان مثيراً للسخرية، خاصة وهو يجلس بجوار الرجل الذي حول غزة خلال العام الماضي إلى جحيم، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن المؤسف أن أياً من الصحفيين الذين تم قبول دخولهم إلى القاعة لم يجرؤ على تسليط الضوء على هذه الظروف الشنيعة.

رغم تمويله الذي لا نهاية له وتكتيكاته العسكرية القاسية، لم يتمكن من التغلب على حماس أثناء الحرب الأخيرة التي دامت 15 شهراً، فمن المرجح أنه لن يتمكن من ذلك أبداً

بعد نسخة ترامب من “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، ونسخة إبيلون ماسك بـ “جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى”، أصبح لدينا نسخة لفلسطين بـ “جعل غزة عظيمة مرة أخرى”!

لم يتضح بعد مدى جدية تصريح ترامب، ففي المرة الأخيرة التي حاولت فيها الولايات المتحدة بناء شيء ما في غزة، رصيف عائم بتكلفة 320 مليون دولار لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية للسكان الفلسطينيين المدمرين، كان المشروع جاهزاً للعمل لبضعة أسابيع فقط، ولم يسمح إلا بدخول جزء صغير من الكمية الهائلة من المساعدات المطلوبة إلى القطاع فتم التخلي عن المشروع بسرعة.

في هذه المرة، قد يكون الإنفاق في الولايات المتحدة مختلفاً تحت إشراف “إدارة الكفاءة الحكومية” التابعة لماسك، بل وربما تتمكن الحكومة، للمرة الأولى، من إعطاء معنى حقيقي لشعار “عصر بايدن المهووس وإعادة البناء بشكل أفضل”.

في ظل كل ذلك، هناك مشكلة كبرى، فما الذي سوف يحدث لحوالي مليوني فلسطيني يعيشون في غزة بينما تجري عملية إعادة الإعمار؟! فقد أشار ترامب إلى أنهم لا يستطيعون البقاء هناك بينما تتحول أراضيهم إلى موقع بناء لمشروعه العقاري الضخم المقترح.

حقائق صعبة

يبدو ترامب واثقاً من أن الدول المجاورة سوف تستقبل الفلسطينيين، ولكن أعتقد أن تفكيره محدود في هذه الزاوية، فهو يستبعد الدولة التي تشترك في أطول حدود برية مع غزة، وهي إسرائيل، مقابل تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن وأماكن أخرى.

يبدو أن ترامب لم يسمع بالبيان المشترك الصادر عن مصر والأردن وقطر و السعودية والإمارات في الأول من فبراير، والذي رفضوا فيه فكرة الترحيل القسري للسكان الفلسطينيين. 

يبدو أن ترامب واثق من أنه يستطيع تغيير رأيهم، وإذا لم ينجح الإقناع، فلديه أدوات أخرى تحت تصرفه، مثل الرسوم الجمركية التي استخدمها لدفع كندا والمكسيك إلى تنفيذ تدابير حدودية صارمة أو قطع المساعدات.

بالنسبة للأشخاص الذين اعتادوا على تحويل كل شيء إلى نقود، مثل ترامب ونتنياهو، من غير الممكن أن يفهموا أن هناك شيئاً لا يمكن شراؤه بالمال وهو الكرامة

رغم كل ما سبق، لكن تظل المشكلة أن الفلسطينيين في غزة لن يقبلوا بترحيلهم، ففي الأسابيع الأخيرة، خرج مئات الآلاف منهم في مسيرة من جنوب غزة إلى شمالها للعودة إلى منازلهم، فقد فضلوا العودة إلى أرضهم المحروقة بدلاً من التفكير في البدائل، وهذه هي الحقائق الصعبة التي يجب على ترامب ونتنياهو أن يدركاها.

لقد كان لأكثر من 7 عقود من الخبرة التاريخية المأساوية دور في تلقين الفلسطينيين درساً قاسياً، أنهم إذا ما أخلوا أرضهم فلن يسمح لهم بالعودة أبداً، وطالما أن الجيش الإسرائيلي، رغم تمويله الذي لا نهاية له وتكتيكاته العسكرية القاسية، لم يتمكن من التغلب على حماس أثناء الحرب الأخيرة التي دامت 15 شهراً، فمن المرجح أنه لن يتمكن من ذلك أبداً.

ولتحقيق ما يحلم به في غزة، سيتعين على ترامب نشر القوات المسلحة الأمريكية لطرد الشعب الفلسطيني. فهل يريد حقاً أن يفتتح رئاسته ويخفض ميزانية الولايات المتحدة بشكل أكبر من خلال نشر القوات العسكرية الأميركية في حرب أخرى في الشرق الأوسط ــ وهي الحرب التي عجز أحد أفضل جيوش العالم تجهيزاً عن الفوز بها؟

مقايضة خطيرة 

لو أن مئات المليارات من الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة في دعم إسرائيل لتدمير الشعب الفلسطيني، تم إعطاؤها للفلسطينيين بدلاً من ذلك، لكان لدى كل أسرة الموارد اللازمة للاستقرار في رفاهية في أي مكان في العالم.

بالنسبة للأشخاص الذين اعتادوا على تحويل كل شيء إلى نقود، مثل ترامب ونتنياهو، من غير الممكن أن يفهموا أن هناك شيئاً لا يمكن شراؤه بالمال وهو الكرامة، فالفلسطينيون يريدون تقرير المصير في دولتهم المستقلة ذات السيادة، المبنية على أرضهم، والتي لا تشكل حتى اليوم سوى خمس مساحة فلسطين التاريخية، فحقوقهم وكرامتهم ليست للبيع.

هناك نقطة حاسمة أخرى يغفل عنها الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وهي أن نقل مليوني فلسطيني إلى مصر والأردن ذوي الاقتصاد الهش أصلاً، ينذر بتوترات كبيرة وربما انهيار النظامين.

ولا تعتبر مصر والأردن مجرد دولتين عربيتين مجاورتين لإسرائيل؛ بل هما أيضاً شركاءها الأمنيون الرئيسيون في المنطقة، وذلك من خلال التعاون العميق بين أجهزة مصر والأردن الأمنية والاستخباراتية في منع الأعمال العدائية اليومية ضد إسرائيل، ومن شأن انهيار النظامين المصري والأردني أن يعرض هذا التعاون للخطر.

فالسؤال هنا، هل ترامب ونتنياهو متأكدان فعلاً من أن امتلاك غزة يساوي خسارة مصر والأردن؟!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة