بقلم محمد القيق
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أتاح توقيع قادة الاحتلال وقيادة الفلسطينيين على اتفاقيات أوسلو في العام 1993 الفرصة للولايات المتحدة الأمريكية لإضفاء غطاء من الشرعية على حلفائها في تل أبيب، وتلا ذلك الدخول متاهة من المفاوضات التي لم تسفر في النهاية عن أي شيء.
لقد بدا الأمر وكأن منظمة التحرير الفلسطينية قد علقت في نفق مظلم، وفشلت في تحقيق أهدافها الأساسية فيما يتعلق بالسيادة والحدود والاتصال الجغرافي، وقد اتضح فيما بعد أن المشاركين أرادوا حلولاً جزئية فقط للقضية الفلسطينية تستثني قضايا رئيسية مثل وضع القدس واللاجئين.
وبعد محادثات كامب ديفيد في عام 2000، عندما جمع الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون قادة الاحتلال والفلسطينيين في مزيد من جولات المفاوضات، انهارت العملية تماماً، فقد تعاملت دولة الاحتلال مع المفاوضات بسوء نية، ولم تسع أبدًا إلى حل حقيقي، لكن الولايات المتحدة استخدمت انهيار المفاوضات كذريعة لعزل الشعب الفلسطيني دولياً.
وسرعان ما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية رداً على الزيارة الاستفزازية التي قام بها السياسي الإسرائيلي أرييل شارون إلى المسجد الأقصى، فتواصلت سياسة الحلول الجزئية لسنوات بعد ذلك، حيث تم تهميش الطموحات الوطنية الفلسطينية بشكل متكرر، وكان هذا هو النهج الأمريكي طويل الأمد في التعامل مع هذه القضية.
وعندما أصر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على استكمال عملية أوسلو ومنح الفلسطينيين دولة ذات سيادة، تم تشويه سمعته باعتباره “إرهابياً”، وأصبح هدفًا للاغتيال.
الطموحات التوسعية
لا تميز الولايات المتحدة بين هذه الأمور من منطلق المعايير الدولية، بل وفقاً لما يناسب المصالح الأمنية للاحتلال، ففي كل مرحلة، كانت الدولة العبرية تصنع أعداءها بعناية، وتصورهم على أنهم العقبة الوحيدة أمام السلام، والهدف هو تجنب أي حل سياسي حقيقي للصراع.
وها نحن اليوم نشهد تصعيداً دراماتيكياً لهذه السياسة، حيث تعمل دولة الاحتلال، بدعم من الولايات المتحدة، على خلق حقائق جديدة على الأرض لتكريس حرمان الشعب الفلسطيني.
ولتحقيق هذه الغاية، تستخدم دولة الاحتلال مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وطرد الفلسطينيين، وتقسيم الأراضي في الضفة الغربية المحتلة.
ومنذ وفاة عرفات، صورت دولة الاحتلال حماس باعتبارها عدوها الوجودي، والخصم الرئيسي للسلام الإقليمي، لكن الحقيقة هي أن دولة الاحتلال لم تكن تريد حلاً سلمياً قط، بل تريد إطلاق يدها بالكامل لمواصلة سياساتها التوسعية.
وفي هذا الصدد، مكّن ضعف الدول العربية الإقليمية وصمتها دولة الاحتلال، وأعطاها الضوء الأخضر لمواصلة إخضاع الشعب الفلسطيني.
لقد دعت مبادرة السلام العربية المعلنة في عام 2002 إلى التطبيع العربي مع الاحتلال مقابل إقامة دولة فلسطينية، فأصبحت بذلك دليلاً آخر على أن الزعماء الإقليميين غير مهتمين بالحلول الدائمة للشعب الفلسطيني.
ومنذ ذلك الحين، مضت عدد من الدول العربية قدماً في التطبيع على الرغم من حقيقة أن القضية الفلسطينية بقيت دون معالجة.
وشنت دولة الاحتلال حروباً متكررة على غزة واجتياحات للضفة الغربية المحتلة، وعملت على تهويد مدينة القدس المقدسة، حيث تم تعزيز جميع هذه السياسات من خلال الولايات المتحدة، وخاصة عبر “صفقة القرن” التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب وخططه للتطهير العرقي، مما خدم فكرة توسع الاحتلال واختفاء فلسطين.
واليوم، وفي خضم وقف إطلاق النار الذي تشتد الحاجة إليه في غزة، أصبح من الملح أكثر من أي وقت مضى أن يؤدي كل ما جرى إلى حل سياسي شامل، ولا ينبغي أن يكون مجرد هدنة مؤقتة أخرى.
هذه فرصة ذهبية لجميع الأطراف المعنية للتوصل إلى اتفاق بشأن الدولة الفلسطينية، والذي من شأنه أن يعود بالنفع على جميع الدول العربية المجاورة، وخاصة الأردن وسوريا ولبنان، من خلال كبح طموحات الاحتلال التوسعية.
إنها أيضًا فرصة لترتيب البيت الفلسطيني، وتجديد شرعية قيادته من خلال انتخابات جديدة وحكومة توافقية تمتد ولايتها من غزة إلى الضفة الغربية المحتلة.
وعليه، فإن من شأن الحل الشامل للقضية الفلسطينية أن يجنب المنطقة المزيد من الصراعات وعدم الاستقرار، أما البديل عن ذلك، فهو الانتظار لجولة جديدة من المواجهة، والتي من شأنها أن تتفاقم بسبب خطط ترامب الأخيرة للتطهير العرقي لسكان غزة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)