رسالة إلى العالم: مرضى السرطان في غزة يستحقون الحياة

بقلم خالد الهيسي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بدأ جسدي يعاني من آلام شديدة في العظام وضعف عام، فلم يكن قصف آلة الحرب الإسرائيلية المهدد بالموت الوشيك هو السبب الوحيد في عذابي، فقد كنت أعاني بسبب الحمى الحارقة التي بلغت 41 درجة مئوية على الأقل.

كنت أتلوى من الألم، ومع الحصار الإسرائيلي الذي منعني من الوصول إلى خافضات الحرارة، استمر الإحساس بجسدي مشتعلاً على نحو يومي.

بعد أسبوع من العذاب، قمت بزيارة مستشفى الشفاء لإجراء فحص طبي، حيث أخبرني أحد الأطباء أن الالتهاب الناتج عن ارتفاع الحرارة قد “أحرق” رئتي، وبعد 3 أيام، تم تشخيص إصابتي بسرطان الدم!

طلب مني الأطباء أن أقوم بالتسجيل على موقع وزارة الصحة لتأمين تحويلي للعلاج في الخارج، موضحين بأنه سوف يتعين علي الانتظار في طابور لا نهاية له من المرضى الآخرين الذين ينتظرون رعاية تنقذ حياتهم. 

رحلة العلاج 

لحسن حظي، فقد كنت أحمل جنسية أخرى، وقد اعترف بي العالم فقط بسبب هويتي الأخرى ومنحني الإذن بالسفر في 11 نوفمبر عام 2023 لبدء المرحلة المكثفة من العلاج الكيميائي. 

أثناء الحقنة الأولى من السائل أحمر اللون المؤلم للغاية، سألت طبيب أمراض الدم عن المدة التي سوف تستغرقها المرحلة المكثفة، فأجاب بأن الأمر سوف يتطلب سنة واحدة على الأقل، فبكيت بمرارة في حضن أمي. 

في محاولة لرفع معنوياتي، وعدتني أمي بأن الوقت سوف يمر بسرعة وتعهدت بأن تحجز لي تذكرة لزيارة أخي في مصر بمجرد انتهاء الجرعات.

خلال تلك السنة من العلاج، لم يصل إلا اثنان ممن سُمح لهم بالسفر من مرضى السرطان الآخرين إلى الأردن، وذلك بعد أن تدهورت حالتهم الصحية بشدة.

أتذكر بوضوح يوم 15 أكتوبر عام 2024، وهو اليوم الذي ملأت فيه الصيحات والصرخات المكان الذي كنا نقيم فيه، وعندما خرجت للتفقد، قيل لي أن الطفلة مكة زعرب، البالغة من العمر عامين فقط، قد توفيت بسبب مرض السرطان، فقد وصلت متأخرة جداً، كما وصل عبد القادر جنيد ذو الـ 14 عاماً ولكن توفي بعد 4 أيام فقط من وصوله وأغمي على والدته التي غمرها الحزن.

قتل ممنهج

تجاهلت وسائل الإعلام الغربية، التي ركزت اهتمامها على إضفاء الطابع الإنساني على الجنود الإسرائيليين وتصويرهم على أنهم “رهائن” متناسين أنهم أفراد عسكريون، عمليات القتل الممنهجة ضد الأطفال الفلسطينيين والحديث عن وجود ما يقرب من 12000 مريضاً بأمراض خطيرة وجرحى محتجزون بسبب إسرائيل.

إلى أن يتم الاعتراف بالفلسطينيين كبشر، وإلى أن يتم منحهم أبسط حقوقهم الأساسية دون الاضطرار إلى مشاهدة الآخرين وهم يقررون كيف سيتحول وطنهم إلى ما يسمى “ريفييرا الشرق الأوسط”، فإن النضال الفلسطيني سوف يستمر

في منتصف ديسمبر عام 2024، كشفت نتائج الفحص الطبي خلو خلايا نخاع العظم لدي من السرطان، حيث أخبرني أخصائي أمراض الدم بأنه يمكنني الانتقال إلى مرحلة المداومة لمدة 3 سنوات.

تعد مرحلة المداومة كما أسماها خفيفة وأقل إيلاماً مقارنة بالمرحلة المكثفة، فوجدتني أتخيل حياة جديدة أقل إيلاماً، فشاركت والدتي مشاعري تلك، فعرضت علي مقطع فيديو هو مقابلة مع محمد ماطر بتاريخ 18 نوفمبر عام 2024.

كان محمد شاباً فلسطينياً يبلغ من العمر 22 عاماً، وهو طالب جامعي طموح، تم تشخيص إصابته بسرطان الدم خلال الحرب، وكان يحتاج إلى عمليات نقل يومية للصفائح الدموية والهيموغلوبين وكان بحاجة ماسة إلى العلاج الكيميائي، ولكنه لم يتلقها قط، فقد توفي محمد بالسرطان بعد يومين فقط من المقابلة، وهنا تجمدت أفكاري، فقد كان من الممكن أن نكون أنا ومحمد في نفس حالي اليوم لو كان محمد يملك جوازاً آخر غير الفلسطيني!

يستحقون الحياة

قبل شهر مايو عام 2024، حصل ما يقرب من 6,000 مريض بالسرطان على إحالات طبية، ولكن لم يتمكن سوى 1,500 منهم فقط من مغادرة غزة، فيما احتجز 4,500 كرهائن بسبب الحصار الإسرائيلي، حيث تقطعت بهم السبل دون رعاية تنقذ حياتهم، وبحلول يوليو عام 2024، كان هناك 436 مريضاً بالسرطان قد فارقوا الحياة.

لو كان كل من مكة وعبد القادر ومحمد يحملون أي جنسية أخرى، لكانت محنتهم قد حظيت بالاهتمام والإدانة والنداءات العالمية العاجلة من أجل حقهم في السفر، ولو لم يكونوا محاصرين بفعل الاحتلال الإسرائيلي، لكان من الممكن أن يُسمح لهم بالمغادرة ليتلقوا العلاج الذي يستحقونه ليعيشوا. 

الحقيقة أنه بالنسبة لهذا العالم، لم يكونوا يستحقون الرعاية والعلاج ولا حتى الحياة كأي إنسان آخر، فإلى أن يتم الاعتراف بالفلسطينيين كبشر، وإلى أن يتم منحهم أبسط حقوقهم الأساسية دون الاضطرار إلى مشاهدة الآخرين وهم يقررون كيف سيتحول وطنهم إلى ما يسمى “ريفييرا الشرق الأوسط”، فإن النضال الفلسطيني سوف يستمر، فكما قال الدكتور رفعت العرعير: “الفلسطينيون سيعودون والنضال مستمر لأن النكبة لم تنته أبداً”.

على الجانب الآخر، فإن الحملة الإسرائيلية الوحشية لقتل الفلسطينيين واضطهادهم وسجنهم وتعذيبهم وتشويههم وطردهم وسلب ممتلكاتهم، لن  تشبع أبداً بفضل تمويل دافعي الضرائب الأمريكيين والمساعدات الأوروبية، وسوف تستمر وسائل الإعلام الغربية بتجاهل الأطفال مثل مكة وعبد القادر ومحمد.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة