حصري لميدل إيست آي.. الطفل عبد الله اليازوري يحمل الـ بي بي سي مسؤولية سلامته بعد سحب فيلم وثائقي عن أطفال غزة

عايش الطفل الفلسطيني عبد الله اليازوري البالغ من العمر 13 عاماً أحداث الموت والدمار في قطاع غزة على نطاق لا يمكن لمعظم الناس تخيله.

فبعد أن نجا من عدوان الاحتلال الدموي على غزة، والذي استشهد فيه حتى الآن 48380 فلسطينياً على الأقل، بات حلم عبد الله يتجسد في دراسة الصحافة في بريطانيا البعيدة، حيث حصل والده على درجة الدكتوراه.

لكن عبد الله وجد نفسه في الأسابيع الأخيرة في قلب خلاف وطني في بريطانيا، بسبب دوره في سرد فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية عن أطفال غزة تحت عنوان (غزة: كيف تنجو من منطقة حرب).

وفي حديثه إلى ميدل إيست آي هذا الأسبوع، وصف عبد الله قضاء ساعات في التصوير في القطاع المحاصر أثناء الحرب، قائلاً إنه كان يأمل أن يتمكن الفيلم الوثائقي من “نشر رسالة المعاناة التي يشهدها الأطفال في غزة”.

ولكن بدلاً من ذلك، وبعد أربعة أيام فقط من بث الفيلم الوثائقي في 17 فبراير/شباط، سحبت هيئة الإذاعة البريطانية الفيلم من العرض على منصة البث الخاصة بها، iPlayer، بعد حملة مكثفة شنتها منظمات مؤيدة للاحتلال ووسائل إعلام بريطانية منافسة.

تركزت انتقادات معارضي الفيلم على الكشف عن أن والد عبد الله، وهو أيمن اليازوري، هو نائب وزير الزراعة في حكومة غزة التي تديرها حماس.

وعلى نطاق واسع، تم وصف اليازوري (الوالد) من قبل المعلقين والمؤسسات الإخبارية في بريطانيا بأنه “رئيس حماس” و”مسؤول حماس” و”زعيم الإرهاب”.

لكن ميدل إيست آي كشفت في 20 فبراير/شباط أن اليازوري كان في الواقع تكنوقراطياً بخلفية علمية لا سياسية وعمل سابقاً في وزارة التعليم الإماراتية ودرس في الجامعات البريطانية.

وعلى العموم، فإن الوزراء والبيروقراطيين والموظفين الحكوميين يتم تعيينهم في غزة من قبل حركة حماس، بينما يتم تعيينهم في الضفة الغربية من قبل منظمة التحرير الفلسطينية.

وقد اقترن سحب الفيلم الوثائقي بسيل من المضايقات والإساءات عبر الإنترنت التي استهدفت عبد الله وعائلته.

وقال عبد الله، الذي أمضى حوالي 60 ساعة في تصوير المشاهد للفيلم: “لقد كنت أعمل على هذا الفيلم الوثائقي لأكثر من تسعة أشهر وفي النهاية تم مسحه وحذفه، لقد كان الأمر محزناً للغاية بالنسبة لي”.

وأضاف: “لقد كان مخيبا للآمال ومحزنًا للغاية أن نرى رد الفعل العنيف وهذه المضايقات ضدي وضد عائلتي، لقد حاول بعض الأشخاص المجهولين، دعنا نقول، إخفاء المعاناة الحقيقية لأطفال غزة من خلال مهاجمتي وعائلتي”.

ويحمل عبد الله هيئة الإذاعة البريطانية المسؤولية عن مصيره قائلاً أن هذه القضية تسببت له في “ضغوط نفسية” خطيرة وجعلته يخشى على سلامته.

وقد تعرض سلوك هيئة الإذاعة البريطانية طوال هذه الفترة لانتقادات من شخصيات إعلامية بارزة ودبلوماسيين سابقين وسياسيين.

وقال السير فينسنت فين، الذي كان القنصل العام البريطاني في القدس بين عامي 2010 و2014، إن هيئة الإذاعة البريطانية والمنتجين “لديهم واجب حماية كرامة ورفاهية صبي بريء يبلغ من العمر 13 عاماً فقط، لكنهم فشلوا، فهو يتلقى الآن رسائل كراهية، وباتت صحته العقلية تعاني رغم أنه لم يفعل شيئًا يستحق هذه المعاناة، هذا عار عليهم”.

لا اعتذار

ويوم الثلاثاء، أعلن رئيس هيئة الإذاعة البريطانية، سمير شاه، لأعضاء البرلمان أن الكشف عن الفيلم الوثائقي أصبح “خنجرًا في قلب ادعاء هيئة الإذاعة البريطانية بأنها محايدة وجديرة بالثقة”.

ورغم تعرض هيئة الإذاعة البريطانية للاتهام بأنها تبث “دعاية حماس”، إلا أن أحداً لم يقدم أي دليل على تأثير حماس على محتوى الفيلم.

وقال عبد الله أن روايته جاءت من تأليف شركة الإنتاج المكلفة بالفيلم الوثائقي دون أي تدخل من أي جهة خارجية، وحين علم أن الفيلم قد تم حذفه، أصيب بالصدمة لكنه أضاف أن هيئة الإذاعة البريطانية لم تتواصل معه للاعتذار.

في ذلك الوقت، كانت الــ بي بي سي تواجه المزيد من الانتقادات من المؤيدين للاحتلال بشأن المدفوعات التي قدمت لعبد الله، حيث أعلنت مجموعة المحامين البريطانيين المؤيدين للاحتلال يوم الاثنين أنها قدمت بلاغاً ضد هيئة الإذاعة البريطانية ومنتجي الفيلم الوثائقي إلى شرطة مكافحة الإرهاب اتهمتها فيه بارتكاب جرائم إرهابية محتملة.

وأكدت هيئة الإذاعة البريطانية الأسبوع الماضي أن شركة إنتاج الفيلم، Hoyo Films، دفعت لعائلة يازوري “مبلغاً محدوداً من المال مقابل مشاركة عبد الله في رواية الفيلم”.

لكن عبد الله أكد أنه لم يتلق أي أجر مالي مقابل مشاركته في الفيلم الوثائقي إلا لتغطية نفقات هذه المشاركة، موضحاً أنه “في العقد الذي تم توقيعه بين شركة الإنتاج وأمي، لم يكن هناك أي دفع لي أو لعائلتي، ومع ذلك، تم تحويل 1000 دولار إلى حساب أختي لتغطية نفقات شخصية، لا شيء آخر”.

من جهتها، قالت النائبة العمالية كيم جونسون لميدل إيست آي إن “رواية عبد الله تقدم منظوراً حاسماً يستحق الاستماع إليه، وليس الرقابة عليه”، ووصفت قرار سحب الفيلم الوثائقي بأنه “محاولة صادمة أخرى لإسكات الحقيقة حول حقيقة ما يحدث في غزة”.

وأضافت جونسون أن القضية “تثير تساؤلات خطيرة حول استقلال التحرير والضغوط لقمع الأصوات الفلسطينية في وقت يحتاج فيه العالم إلى أن يعرف عن الواقع على الأرض”.

“قتل أكثر من 200 صحفي”

وقال المؤرخ البريطاني الإسرائيلي آفي شلايم، وهو أستاذ فخري للعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، لموقع ميدل إيست آي إن سحب الفيلم “كان فقط أحدث مثال على استسلام هيئة الإذاعة العامة الدائم للضغوط من قبل منظمات الضغط المؤيدة للاحتلال”.

وأضاف شلايم: “تتمتع هيئة الإذاعة البريطانية بمراسلين جيدين فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، لكن رؤساءها معرضون للخطر بشكل لا يطاق بسبب تحيزهم الواضح والمستمر لصالح الاحتلال”.

ومضى يقول أن “السبب وراء هذا التحيز ليس الافتقار إلى المعرفة، بل الجبن والخوف من إثارة غضب إسرائيل وأصدقائها من ذوي المناصب العليا في بريطانيا”.

وقال الصحفي البارز أوين جونز، الذي نشر تحقيقًا فيما أسماه “الحرب الأهلية التي خاضتها هيئة الإذاعة البريطانية على غزة” في ديسمبر/كانون الأول، إن من شأن الكشف عن هذه الحقائق أن “يزيد من تقويض الثقة” في هيئة الإذاعة.

وأضاف: “ترك هيئة الإذاعة البريطانية الصبي الصغير لتأكله الذئاب وليتعرض للإساءة بسبب جبنها وعدم التواصل معه حتى أمر مخزٍ من شأنه أن يزيد من تقويض الثقة في الهيئة التي كانت بالفعل في أدنى مستوياتها بالنسبة للعديد من الناس.”

أما صانع الأفلام والصحفي ريتشارد ساندرز، الذي أنتج العديد من الأفلام الوثائقية عن غزة لصالح قناة الجزيرة خلال عدوان الاحتلال الأخير على القطاع، فأشار إلى أن “أكثر من 200 صحفي قد استشهدوا على يد الاحتلال في غزة”.

ورأى ساندرز أن من الخطير “تشويه سمعة الفريق الذي أنتج هذا الفيلم باعتباره شريكاً لحماس، فيما يقف طفل ضعيف في قلب القصة.”

“لم أوافق على المخاطرة بتعرضي للاستهداف بأي شكل من الأشكال قبل بث الفيلم الوثائقي على هيئة الإذاعة البريطانية، وبالتالي، إذا حدث لي أي مكروه، فإن هيئة الإذاعة البريطانية هي المسؤولة عنه” – عبد الله اليازوري

وقال متحدث باسم هيئة الإذاعة البريطانية أن الهيئة “تأخذ مسؤولياتها في رعاية الأطفال على محمل الجد، وخاصة عندما تعمل مع الأطفال، ولديها أطر لدعم هذه الالتزامات”.

لكن كريس دويل، رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني، أكد أن مزاعم عبد الله تسلط الضوء على “معاملة هيئة الإذاعة البريطانية للفلسطينيين ككل”، وقال أن “كان ينبغي أن تكون رعاية الأطفال من أولوياتها”.

وفي نهاية المطاف، يتمسك عبد الله بالتفاؤل بأن يتم عرض الفيلم مرة أخرى “وانتشاره في جميع أنحاء العالم”، وقال إنه شعر بالارتياح إزاء الدعم الهائل الذي تلقاه الفيلم في بريطانيا، حتى في خضم الانتهاكات.

وقال عبد الله إنه ممتن “لكل أولئك الذين دعموني في المملكة المتحدة ودعموا الفيلم الوثائقي واحتجوا على سحب الفيلم الوثائقي عن منصة هيئة الإذاعة البريطانية.

وأضاف “أشكركم جميعا من أعماق قلبي، وأواصل جهودكم التي آمل أن تعيد الفيلم إلى الظهور على هيئة الإذاعة البريطانية”.

“آمل أن ترى غزة النور مرة أخرى، وأن يتمتع أطفال غزة بمستقبل مشرق مرة أخرى وأن يرى كل شخص في هذه البقعة التي تبلغ مساحتها 260 كيلومتراً مستقبلا أفضل وغدًا أفضل، وأمنيتي هي دراسة الصحافة في المملكة المتحدة”

وقد تلقت رسالة صاغتها منظمة فنانون من أجل فلسطين في المملكة المتحدة تدعو إلى إعادة عرض الفيلم الوثائقي أكثر من 1000 توقيع من محترفي وسائل الإعلام، بما في ذلك شخصيات بارزة مثل جاري لينيكر وجولييت ستيفنسون وميريام مارغوليس.

وذكرت المنظمة لميدل إيست آي أن هيئة الإذاعة البريطانية “فشلت تماما في أداء واجبها في رعاية الأطفال، إنها تلعب بالسياسة على حساب حياة الأطفال الذين أصيبوا بصدمة بسبب 17 شهراً من العنف الإبادي”.

وتابعت المنظمة: “الفضيحة الحقيقية تكمن في هذا الدور الذي تلعبه هيئة الإذاعة البريطانية لا في الاتهامات الزائفة التي وجهت ضد الفيلم الوثائقي”.

وقال عبد الله: “إنني ممتن لكل أولئك الذين دعموني في المملكة المتحدة ودعموا الفيلم الوثائقي واحتجوا على سحب الفيلم عن منصة هيئة الإذاعة البريطانية”.

وأضاف “أشكركم جميعا من أعماق قلبي، وأواصل جهودكم التي آمل أن تعيد الفيلم إلى الظهور على هيئة الإذاعة البريطانية”.

وختم الطفل بالقول: أمنيتي هي دراسة الصحافة في المملكة المتحدة.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة