بقلم آزاد عيسى
ترجمة وتحرير مريم الحمد
حذر نشطاء من طلاب الجامعات الأمريكية من أن اعتقال واحتجاز طالب فلسطيني ناشط من منزله في مدينة نيويورك، يعد مؤشراً على تحول جامعة كولومبيا من جهة متواطئة إلى متعاونة في تنفيذ سياسات دونالد ترامب!
لعدة أشهر، واجهت الجامعات الأمريكية بما فيها جامعة كولومبيا، اتهامات بمحاولة احتواء المؤيدين “المعادين للسامية” و”المؤيدين لحماس” على حد هذا الوصف الذي يعد إهانة تستخدم لوصف المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين الذين يطالبون بوضع حد للإبادة الجماعية في غزة، من خلال قمع المتظاهرين بفصل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المشاركين في التظاهرات والسماح للشرطة بالقيام بحملة اعتقالات.
“باعتباري أستاذاً وحاملاً للبطاقة الخضراء، أشعر بالفزع من الطريقة التي ترهب بها هذه الإدارة المعلمين والطلاب من خلال التهديد بالاعتقال والترحيل بشكل غير دستوري، فهذا تهديد وجودي ليس فقط للباحثين الأفراد ولكن لمستقبل الجامعة” – أستاذ في جامعة كولومبيا
يأتي اعتقال محمود خليل، المقيم في الولايات المتحدة، بعد أيام من مشاهد قيام شرطة نيويورك بسحب الطلاب بالقوة من اعتصام في كلية بارنارد في كولومبيا، حيث كان الطلاب يحتجون على طرد 3 طلاب بسبب الاحتجاجات والاضطرابات التي حصلت عام 2024.
تجدر الإشارة إلى أن خليل كان قد تخرج بدرجة الماجستير من كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا في ديسمبر الماضي، وقد كان أحد المفاوضين الرئيسيين باسم الطلاب خلال المخيم الطلابي لفلسطين في ربيع عام 2024.
وفقًا لشهود عيان، فقد قام عدد من عملاء إدارة الهجرة والجمارك باحتجاز خليل بحضور زوجته الحامل عند مدخل مبنى سكني مملوك للجامعة حيث تقيم العائلة في مدينة نيويورك.
تم إخبار خليل في البداية بأن تأشيرة الطالب الخاصة به إلى الولايات المتحدة قد ألغيت، ولكن عندما قام محاميه بإخبار الوكلاء بأن خليل يحمل البطاقة الخضراء التي تعطيه صفة إقامة دائمة في الولايات المتحدة، قال الوكيل بأنهم ألغوا بطاقته الخضراء أيضاً.
في حديثها لميدل إيست آي، أوضحت المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، تريشيا ماكلولين، بأن اعتقال خليل “نابع عن أوامر تنفيذية صادرة عن الرئيس ترامب بحظر معاداة السامية، وخليل قام بقيادة أنشطة متضامنة مع حماس التي تصنف منظمة إرهابية”.
بعد ساعات، كتب وزير الخارجية ماركو روبيو على موقع اكس، بأن الولايات المتحدة “سوف تقوم بإلغاء تأشيرات الدخول و/أو البطاقات الخضراء لأنصار حماس في أمريكا حتى يمكن ترحيلهم”.
في منشور له على موقع Truth Social، وصف ترامب اعتقال خليل بأنه “الاعتقال الأول للكثيرين في المستقبل، فنحن نعلم أن هناك المزيد من الطلاب في كولومبيا والجامعات الأخرى في جميع أنحاء البلاد ممن انخرطوا في أنشطة مؤيدة للإرهاب ومعادية للسامية ومعادية للولايات المتحدة، ولن تتسامح إدارة ترامب مع ذلك”.
موجة غضب عارمة
تسبب اعتقال خليل وتعليق ترامب بموجة غضب عارمة في أوساط طلاب الجامعات ومجموعات الناشطين، حيث أصدرت مجموعات مثل “الصوت اليهودي من أجل السلام” و “اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز” إدانات ودعت إلى إطلاق سراحه، فقد وصفت مجموعة الصوت اليهودي اعتقال واحتجاز خليل بأنه “شائن وغير دستوري وهو من قواعد اللعبة الاستبدادية البالية”.
وفي أقل من 24 ساعة، كانت العريضة التي تطالب بالإفراج عن خليل وبأن تقوم جامعة كولومبيا بإلغاء سياسة جديدة تسمح لإدارة الهجرة والجمارك بالعمل في الحرم الجامعي، قد جمعت أكثر من مليون توقيع عبر الإنترنت.
في حديث أحد الأساتذة في جامعة كولومبيا، والذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، مع موقع ميدل إيست آي، قال: “باعتباري أستاذاً وحاملاً للبطاقة الخضراء، أشعر بالفزع من الطريقة التي ترهب بها هذه الإدارة المعلمين والطلاب من خلال التهديد بالاعتقال والترحيل بشكل غير دستوري، فهذا تهديد وجودي ليس فقط للباحثين الأفراد ولكن لمستقبل الجامعة”.
أما آيدن باريسي، طالب الدراسات العليا في العمل الاجتماعي، والذي أوقفته جامعة كولومبيا في يونيو عام 2024 لمشاركته في احتجاجات مؤيدة لفلسطين، فقد أشار في حيثه لموقع ميدل إيست آي، بأن اعتقال خليل كشف عن سياسات الجامعة المتماهية مع تكتيكات ترامب.
قال باريسي: “إنهم مستمرون في التصعيد وإحضار قوى من خارج الجامعة مثل شرطة نيويورك والآن وزارة الأمن الوطني لمحاولة إسكاتنا وحماية مصالحهم وأرباحهم من هذه الإبادة الجماعية، وبهذا فقد انتقلت جامعة كولومبيا من كونها متواطئة إلى متعاونة صريحة مع هذه الدولة القمعية”، مؤكداً أنه خلال إدارة ترامب الأولى، كانت جامعة كولومبيا واضحة في رفضها التعاون مع إدارة ترامب وسياساته الفاشية.
بحسب طلاب وأعضاء هيئة تدريس تجدثوا إلى موقع ميدل إيست آي، فإن اعتقال خليل، بالإضافة إلى سلسلة الأحداث التي وقعت في جامعة كولومبيا وكلية بارنارد، قد ترك مجتمع الجامعة “منزعجاً”، بعد أن هيأت الجامعة الظروف لوقوع حادث بهذا الحجم في المؤسسة التي يعتبرها الكثيرون نقطة الانطلاق للحركة الطلابية في الولايات المتحدة.
“بعد السماح لشرطة نيويورك بمعاملة طلابها بوحشية واعتقالهم 3 مرات، فليس من المفاجئ أن تسمح كولومبيا لوزارة الأمن الداخلي ووكالة الهجرة والجمارك بدخول الحرم الجامعي” – نور أبو الهوا- طالبة في جامعة كولومبيا
تقول نور أبو الهوى، طالبة الحقوق في جامعة كولومبيا، في حديثها لميدل إيست آي: “باعتباره هدفاً لحملة تشهير ومطاردة ومضايقات، فقد تم استهداف محمود بشكل واضح من قبل جامعة كولومبيا في محاولة لإثبات التزامها بقمع الصوت الطلابي الذي يدعم الفلسطينيين بأغلبية ساحقة، تماماً كما تفعل الغالبية العظمى من سكان الولايات المتحدة”.
وأضافت: “منذ أكتوبر عام 2023، انتهكت إدارة جامعة كولومبيا كل القواعد والمعايير لاستهداف الطلاب المؤيدين لفلسطين، وأصبح هناك قواعد لعب جديدة تم إعدادها لقمع الحركة المؤيدة للفلسطينيين واستهداف الطلاب”.
قبل ذلك بيوم، كان ترامب قد أعلن التوقف عن دعم جامعة كولومبيا بحوالي 400 مليون دولار تحصل عليها من المنح الفيدرالية، وذلك بسبب ما وصفه بأنه “التقاعس المستمر في مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود”.
من جهة أخرى، يؤكد طلاب جامعة كولومبيا بأن الجامعة قد استسلمت لمطالب الأمناء المؤيدين لإسرائيل منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وأنها سمحت أيضاً لأعضاء هيئة التدريس المؤيدين لإسرائيل بمضايقة الطلاب وترهيبهم.
علاوة على ذلك، فقد أشار بعض الطلاب إلى قيام العديد من الحسابات المؤيدة لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الحسابات التابعة لأعضاء هيئة التدريس بجامعة كولومبيا، بدعوة إدارة ترامب إلى ترحيل خليل.
وأضاف نور: “بعد السماح لشرطة نيويورك بمعاملة طلابها بوحشية واعتقالهم 3 مرات، فليس من المفاجئ أن تسمح كولومبيا لوزارة الأمن الداخلي ووكالة الهجرة والجمارك بدخول الحرم الجامعي”.
إعادة إحياء التحرك الطلابي
ساد الارتباك لساعات بعد اعتقال خليل، حيث حاولت زوجته ومحاميه وزملاؤه الناشطون تحديد مكانه، حيث أشار نشطاء إلى نقله إلى موقع إدارة الهجرة والجمارك في ولاية لويزيانا.
في شهادتها، أكدت مجموعة الطلاب العاملين في جامعة كولومبيا بأنهم كانوا على علم بتقارير عن وصول عملاء إدارة الهجرة والجمارك أو محاولة الوصول إلى حرم جامعة كولومبيا بالإضافة إلى مساكن الطلبة الجامعيين.
وأوضحت المجموعة بأن التطورات أظهرت أن الجامعة “قد تخلت عن التزامها الذي دام قرابة عقد من الزمان بأن تكون حرماً جامعياً، وذلك في أعقاب إعلان وزارة العدل في نفس اليوم بأنها تخطط لإلغاء منح وعقود بقيمة 400 مليون دولار مع دامعة كولومبيا بسبب الطلاب الذين يحتجون على استثمارات كولومبيا في إسرائيل”.
أكد الطلاب أنه برغم تأثير الأحداث الأخيرة بشكل مروع، إلا أنهم مصرون على أن حملة القمع الأخيرة سوف تعيد إشعال حركة كانت تكافح من أجل إعادة تأكيد نفسها بعد أن بدأت السلطات في خنق الاحتجاجات الطلابية من خلال الاعتقالات والإيقاف والطرد.
تقول نور أبو الهوا: “سيؤثر هذا على الحركة من أجل فلسطين بالطريقة المعاكسة تماماً التي تأملها إدارة ترامب وجامعة كولومبيا، حيث تتحرك المنظمات التقدمية للمطالبة بالإفراج عن محمود وإخراج إدارة الهجرة والجمارك من حرمنا الجامعي”.
وأضافت نور: “هذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز جهودنا في الحركة من أجل العدالة، وسوف نواصل النضال من أجل حقوق جميع الطلاب في التحدث بحرية ضد فظائع الإبادة الجماعية، ومن أجل قيام جامعة كولومبيا بتجريد ممتلكاتها من مليارات الدولارات لصالح المنتفعين الذين يسمحون بمثل هذا العنف المروع”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)