ترحيل الفلسطينيين: الفاشية التي كبرت في قلب مجتمع الاحتلال

بقلم أنتوني لوينشتاين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

قد تبدو خطط دولة الاحتلال لتهجير الفلسطينيين من غزة، والتي تُسمى على نحوٍ ينذر بالسوء “التهجير الطوعي”، فكرةً جديدةً صادمةً، لكنها في الواقع قديمةٌ قدم الدولة اليهودية نفسها، فانعدام الأمن بشأن أصول البلاد متأصلٌ منذ عام 1948. 

وخلال السنوات الأخيرة، أرسلت وزارة دفاع الاحتلال فرقًا إلى الأرشيفات العبرية لإزالة أعدادٍ هائلةٍ من الوثائق التي تُثبت حقيقة النكبة، فهل كان هذا إحراجًا، أم خجلًا، أم غرورًا أم كل ما سبق معاً؟

في الواقع، هذه أفعال أمةٍ مذنبةٍ لا تستطيع مواجهة ماضيها، مع أن العديد من أبناء الدولة العبرية اليوم يفخرون بشكل متزايد بالتطهير العرقي الذي حدث في أواخر الأربعينيات وهم مُصرّون على تكراره بتحمس شديد.

فمنذ أواخر الستينيات، تحدث القادة السياسيون والعسكريون في دولة الاحتلال بعباراتٍ مُشابهةٍ بشكلٍ لافتٍ لتصريحات اليمين المتطرف والتيار الذكي كان سائداً فيها في عشرينات القرن الحادي والعشرين، حيث كان تهجير الفلسطينيين من فلسطين هو الهدف الأسمى، ولم يُثر هذا الفكر معارضة كبيرة من الرأي العام اليهودي، بما في ذلك من هم في الشتات.

دليل تاريخي

في عام 1967، وبعد أن بدأ احتلال المزيد من مناطق فلسطين، كان هناك ما يقرب من 400 ألف فلسطيني في غزة، طُرحت مقترحات لا حصر لها لإرسال الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة والضفة الغربية والأردن أو أي دولة مستعدة لاستقبالهم.

ولم يتردد وزير دفاع الاحتلال موشيه ديان في الإشارة إلى أبشع الجرائم التي ارتُكبت في يونيو/حزيران 1967، حين قال: “إذا استطعنا إجلاء 300 ألف لاجئ من غزة إلى أماكن أخرى يمكننا ضم غزة دون أي مشكلة”، لقد كانت رؤيته النهائية هي إخلاء غزة من جميع الفلسطينيين وتوطين اليهود مكانهم

وكان رئيس الوزراء في دولة الاحتلال آنذاك، ليفي إشكول، أكثر صراحةً حين قال: “أقترح ضم القدس وقطاع غزة، مع أنني لن أجمع بينهما في آن واحد، نحن مستعدون للتضحية بالقدس، وفيما يتعلق بقطاع غزة، عندما نتذكر 400 ألف عربي، فإن ذلك يترك شعورًا بالمرارة.”

أما جليلي الذي كان رئيس أركان الهاغاناه، الميليشيا اليهودية التي كانت موجودة في فلسطين قبل قيام الدولة العبرية والتي ارتكبت العديد من الأعمال الإرهابية، فقد أدرك ما هو مطروح، وقال ذلك عام 1971.

وأقر قائلًا: “لا أوهم نفسي بأن هذا عمل إنساني، وأننا نقوم بأعمال خيرية معهم، لا أريد تجميل هذه العملية الوحشية، لكنها الخيار الأسهل في ظل الظروف الراهنة.”

إفراغ غزة

واليوم، لا داعي لإخفاء مثل هذه الآراء في الاجتماعات الخاصة، إنها معلنة، من حكومة يمينية تعكس ببساطة رأيًا عامًا لا يرغب في شيء أكثر من رؤية الفلسطينيين يختفون تمامًا.

وها قد بدأ إخلاء غزة بالفعل، إذ يغادر مئة فلسطيني من غزة للمشاركة في برنامج عمل تجريبي في إندونيسيا، وهي مبادرة تأمل تل أبيب أن تتطور إلى مشروع أكبر بكثير، فيما تفيد التقارير بأن الكونغو ودولًا أفريقية أخرى تُجري محادثات مع دولة الاحتلال لاستقبال فلسطينيين من غزة.

وهناك تاريخ طويل من رشوة الدولة اليهودية وتسليحها وشراكتها مع دول فاسدة وديكتاتورية في أفريقيا وخارجها لتعزيز مصالحها، ولم يتغير الكثير في عام 2025.

إذ سيكون من المريح الاعتقاد بأن الحكومة المتطرفة تمثل وجهة نظر هامشية في مجتمع الاحتلال، إذ قد تشير الاحتجاجات الكبيرة ضد نتنياهو إلى وجود عدد كبير من اليهود الذين يرفضون المحسوبية والعنف والعنصرية والمجازر الجماعية في غزة.

لكن هذا سيكون خطأً، فبينما يكره العديد من اليهود في دولة الاحتلال نتنياهو وإدارته الشبيهة بلا شك بالمافيا، لا يوجد اهتمام يُذكر بحياة الفلسطينيين أو كرامتهم، وغالبًا ما تتجاهل الاحتجاجات في الدولة العبرية التي تدعو إلى إعادة الرهائن من تسبب في المذبحة في غزة ومن يمكنه إيقافها فورًا.

وهناك يساريون بين جمهور الاحتلال، وإن كانوا لا يملكون سوى نفوذ سياسي ضئيل، وإن وُجد أساساً فإن أصوات حشود اليمين المتطرف المؤيدة للضم للحرب تطغى على أصواتهم.

ولعقود عديدة، نجحت الأقلية المؤيدة للمستوطنين في السيطرة على الدولة على المستويات الحكومية والعسكرية والدبلوماسية.

وقد منحت إدارة ترامب الجماعات الفاشية المتنامية في دولة الاحتلال نوع الحرية السياسية التي حلمت بها لسنوات، وهذا يشمل سياسات شجعت حركات الاستيطان، التي يتجلى عنفها ضد الفلسطينيين الآن في ظل إفلات شبه كامل من العقاب.

ويتجاهل جمهور الاحتلال عمدًا وإلى حد كبير ما يحدث لجيرانه الفلسطينيين الذين يعيشون على بُعد كيلومترات من منازلهم المريحة في تل أبيب، إذن ها هي فاشية الاحتلال تتقدم بقوة، لكن معارضتها ضئيلة للغاية.

عنصرية صارخة

ومن الرؤى الراسخة لليمين الفاشي لدى الاحتلال تدمير المسجد الأقصى في القدس وإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه، وقد أظهر استطلاع للرأي أُجري عام 2013 أن ثلث اليهود في دولة الاحتلال أيدوا هذه الخطوة، رغم احتمال إشعالها حربًا دينية عالمية.

إنها العنصرية إذن وهي ليست حكراً على دولة الاحتلال، فالتمييز الصارخ ضد الأقليات آخذ في الازدياد، بدءًا من أمريكا بقيادة ترامب ووصولًا إلى ألمانيا المعادية للمسلمين بشكل متزايد.

لقد اختار مجتمع الاحتلال وجزء كبير من الجالية اليهودية في الشتات الانحياز إلى نظام يميني متطرف يتفاخر بتدمير غزة

لكن مستوى الازدراء الذي يُظهره التيار السائد في الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين يضع الدولة اليهودية في مكانة فريدة بين ما يُسمى بالديمقراطيات (مع أن دولة الاحتلال ديمقراطية اسميًا فقط لليهود).

فقد أظهر استطلاع للرأي أُجري عام 2016 أن ما يقرب من نصف جمهور الاحتلال يرفضون العيش في نفس المبنى مع العرب، وأن ثلثهم أيّد فصل الأمهات اليهوديات والعربيات في أقسام الولادة.

ماذا يُخبرنا هذا عن حالة مجتمع الاحتلال السائد؟ إنه غالبًا ما يكون عنصريًا، خائفًا، منعزلًا، متغطرسًا، ويفتقر إلى حد كبير إلى التعاطف مع ضحايا آلته الحربية، كراهية العرب منتشرة في كل مكان.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، شهد العالم ما نشره عدد لا يُحصى من جنود الاحتلال بفخر على وسائل التواصل الاجتماعي، لقد نشروا أدلة على جرائمهم في غزة دون أن يُسبب ذلك أي فضيحة في الدولة العبرية سوى إصدار الجيش أوامره لقواته بالتوقف عن ارتكابها.

عدا عن ذلك، لم يُطالب جيش الاحتلال بإنهاء الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، بل طولب فقط بأن يتوقف جنوده عن إظهار ما يفعلونه للعالم علنًا، لتجنب المخاطر القانونية والسياسية، ومع ذلك، لا يزال جنود الاحتلال مدمنين على نشر مقاطع فيديو وصور لجرائمهم.

لقد اختار مجتمع الاحتلال وجزء كبير من الجالية اليهودية في الخارج الانحياز، كليًا ودون أي شك تقريبًا، إلى نظام يميني متطرف يتفاخر بتدمير غزة، ومع تصاعد الفاشية عالميًا، ليس من المستغرب أن تُثبت دولة الاحتلال أنها أحد أكثر نماذجها ثباتاً وإلهامًا.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة