هل يحتاج الغرب حقًا أن يعود عظيمًا؟

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

“فلنجعل الغرب عظيمًا من جديد”، كان هذا هو الشعار الرئيسي الذي رفعته رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال اجتماعها الأخير مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن.

أحاط الترقب الشديد بزيارة ميلوني إلى الولايات المتحدة بسبب توتر العلاقات عبر الأطلسي، هذا التوتر الذي تعزز بموقف ترامب غير التقليدي تجاه الحرب في أوكرانيا وقراره بفرض رسوم جمركية باهظة على دول العالم بما فيها حلفاء واشنطن.

لقد جاء موقف ترامب الصارم تجاه أوكرانيا بمثابة جرس إنذار لأعضاء الناتو الأوروبيين، مما أثار حركة من الاجتماعات الهادفة إلى إعادة بناء استراتيجية الدفاع الأوروبية، انطلاقًا من افتراض أن المظلة الأمنية الأمريكية لم تعد موثوقة، والنتيجة النهائية: خطة إعادة تسليح أوروبية بقيمة 800 مليار يورو (900 مليار دولار).

وفي ذات الوقت، أثارت الرسوم الجمركية الأمريكية ردود فعل متباينة، حيث سارعت بعض الدول، مثل الصين، إلى الرد، بينما حرصت دول أخرى على إبرام صفقات مع البيت الأبيض.

أما أوروبا، فلم تُغلق باب المحادثات مع الولايات المتحدة قط، لكنها لا تزال تُقيّم الخطوات المضادة في حال عدم التوصل إلى تفاهم، حيث شهدت أسواق الأسهم تقلبات حادة وسط حالة عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الأمريكية، مع إعلانات تعريفات جمركية، وتوقفات مؤقتة، وإعلانات جديدة، وفوضى عامة.

وتُعتبر ميلوني من بين القادة الأوروبيين الأكثر انسجامًا سياسيًا وأيديولوجيًا مع إدارة ترامب، وكذلك رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

نظام قائم على القواعد

ولا يُعرف ما ناقشه ترامب وميلوني في المكتب البيضاوي بعيداً عن كاميرات الصحفيين، لكن بيانهما المشترك يشير إلى أن الرئيس الأمريكي قبل دعوة نظيرته الإيطالية لزيارة روما “في المستقبل القريب جدًا”، وألمح إلى اجتماع أمريكي أوروبي رفيع المستوى “في مثل هذه المناسبة”.

البيان أشار فقط إلى أن هذه الفكرة “قيد الدراسة”، وهو ما لا يعني أي التزام، لكن إذا التقى ترامب في نهاية المطاف بكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي خلال زيارته المقبلة إلى روما لحضور جنازة البابا فرانسيس، فإن رحلة ميلوني إلى واشنطن ستبدو، بالنظر إلى الوراء، نجاحًا باهرًا.

وبينما ننتظر هذه التطورات المحتملة، يجب علينا أيضًا دراسة مفهوم “جعل الغرب عظيمًا مجددًا”، فعندما بدأ ترامب رفع شعار “جعل أمريكا عظيمة مجددًا” قبل عقد من الزمان، ما الذي كان يدور في خلده تحديدًا؟ وماذا كان يدور في خلد ميلوني عندما وسّعت طموح ترامب ليشمل الغرب بأكمله؟

لم يعد من الممكن اعتبار الدور القيادي للغرب أمرًا مفروغًا منه، حيث تبدو الدول الغربية مرعوبة من هذا الاحتمال

ففي محافل مختلفة، تم شرح مفهوم الغرب كمفهوم سياسي-حضاري أكثر منه مفهوماً جغرافياً، إنه ببساطة مجموعة من الدول المرتبطة بـ “النظام العالمي القائم على القواعد” بقيادة الولايات المتحدة. 

وقد حل هذا المفهوم السياسي محل نظام القانون الدولي، الذي تم التخلي عنه شيئاً فشيئاً، لأنه يُجبر الدول الغربية على مواجهة فشلها في تطبيق القانون الدولي دون تمييز، وغزة هي المثال الأبرز.

ويُعتبر الغرب ركيزة ما يُسمى بالنظام العالمي القائم على القواعد، والذي يشمل سلسلة من الممارسات الجيدة المزعومة التي تتمحور حول الحرية مثل الانتخابات الحرة، التجارة الحرة، الصحافة الحرة، الحرية الدينية، وما إلى ذلك من قضايا تجعل الغرب عظيماً وفقاً لمناصريه، فما هو سبب السعي المُلحّ إلى “جعل الغرب عظيمًا مجددًا”؟ وما الذي يراه القادة الغربيون الذين يدّعون هذه الضرورة غائبًا عن صورتهم الذهبية للغرب؟ أي جزء منه في تراجع؟

مشكلة خطيرة

إن “عظمة” الغرب تتراجع تدريجياً في قيمه المزعومة وبالمناسبة فإن تمسك مؤيدي هذه القيم بها يتراجع أيضاً، ومرة أخرى تقدم غزة أوضح مثال على ذلك، لذا، يُعتبر الغرب “عظيمًا” إذا نجح في فرض آرائه ورواياته على العالم دون أي اعتراض، وتقلّ عظمته إذا بدأت قوته الناعمة بالتفكك، كما شهدنا في العقود الأخيرة.

ولا ينبغي أن يحتاج الكيان العظيم حقًا إلى القوة لإثبات وجوده، فعندما تتلاشى القوة الناعمة، يكون الخيار الأسهل هو اللجوء إلى القوة الصلبة، وهذا هو المسار الذي اختارته الولايات المتحدة خلال الربع الأخير من حقبة ما بعد الحرب الباردة.

في هذه الأثناء، ينشأ ببطء عالم جديد متعدد الأقطاب، مع العديد من الأمثلة المختلفة بعضها جيد وبعضها سيء، فهناك خيارات مختلفة على القائمة الآن، لم يعد هناك خيار واحد فقط، يبدو أن عصر “لا بديل” للغرب قد بدأ بالتراجع، ولم يعد من الممكن اعتبار الدور القيادي للغرب أمرًا مسلمًا به.

وتبدو الدول الغربية مرعوبة من هذا الاحتمال، فهي تعتقد أنها الوحيدة المخولة بقيادة البشرية، بينما يبدو أن معظم هذه الدول تفكر في خيارات أخرى.

وعندما تُبنى قوتك كلها على قيادة وهيمنة عالمية لا جدال فيها فإن عليك أن تواجه مشكلة خطيرة عندما تتلاشى قيادتك وهيمنتك تدريجياً، فهل يمكن للغرب أن يعود عظيمًا؟ عليه أولًا أن يتخلى عن استثنائيته، ثانيًا، عليه أن يتخلى عن استخدامه غير المشروع للقوة، وأن يعود بدلًا من ذلك إلى “قوة القدوة الحسنة”.

كل الذعر الذي تنشره النخب الغربية ووسائل إعلامها حول المعركة الوجودية المزعومة بين الديمقراطية والاستبداد هو هراء ومجرد حيلة خطابية تُستخدم لتخويف الناس العاديين، مع إدامة سباق تسلح غربي جديد نحو صراع أبدي.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة