حظر الإخوان في الأردن: رضوخٌ لضغوط إقليمية أم تحولٌ بنيوي في النظام؟

ميدل إيست آي

ربما يكون قرار الأردن بحظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين رسميًا قد جاء بعد ضغوط منسقة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال لحظر أبرز جماعات المعارضة في البلاد.

ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، اتهم الأردن جماعة الإخوان المسلمين بالتخطيط لشن هجمات في البلاد وذلك بعد أسبوع من إعلان الأجهزة الأمنية اعتقال 16 شخصًا بحوزتهم أسلحة ومتفجرات.

وخلال الأسابيع التي سبقت إعلان يوم الأربعاء، اجتاحت المملكة الأردنية الهاشمية موجة من التحريض ضد جماعة الإخوان المسلمين، مدفوعة بشكل رئيسي بوسائل إعلام موالية للحكومة وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بأجهزة الأمن الأردنية القوية.

ومؤخراً، عندما أعلنت السلطات الأردنية عن اعتقال عناصر الخلية، رأى مراقبون ومحللون أن نبرة وتوقيت الإعلان يُمثلان ذروة حملة سياسية متصاعدة ضد جماعة الإخوان المسلمين، حيث نقلت وسائل إعلام رسمية عن متحدث باسم الحكومة قوله إن المشتبه بهم أعضاء في الجماعة كانوا يخططون “لنشر الفوضى”.

وفي وقت لاحق، بثّت وسائل الإعلام الرسمية الأردنية ما وصفته باعترافات ثمانية من المشتبه بهم، ستة منهم صرّحوا بانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين.

وبعد أسبوع واحد فقط، وقبل إحالة أيٍّ من المعتقلين إلى القضاء، أعلنت وزارة الداخلية حظرًا شاملًا على جماعة الإخوان المسلمين، متهمةً إياها بتصنيع وتخزين الأسلحة والتخطيط لزعزعة استقرار المملكة، وأضافت أنها فتحت تحقيقًا في المؤسسات التابعة للجماعة.

وفي الوقت نفسه، داهمت قوات الأمن مقر حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان، في خطوة رأى العديد من المراقبين فيها تمهيدًا لإلغاء ترخيص الحزب كليًا.

ويُعدّ حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر حزب معارض في الأردن، ويحوز على 31 عضوًا في البرلمان بعدما حصلت الجماعة على ما يقرب من ثلث الأصوات في انتخابات العام الماضي، مسجلةً بذلك أكبر انتصار انتخابي لها منذ تأسيسها عام 1992.

ورغم أن جماعة الإخوان كانت قد نفت أي صلة لها بالخلية والمؤامرة المزعومة، إلا أن ردها قد عمّق كما يبدو من أزمتها، فبدلاً من التعبير عن تضامنها مع المعتقلين الذين رفضوا الاتهامات وزعموا أن أفعالهم كانت تهدف فقط إلى دعم غزة نأت الجماعة بنفسها عنهم تمامًا.

وقد أدى هذا الموقف إلى نفور الرأي العام وإضعاف قدرة الإخوان على التصدي لحملة الحكومة لتفكيك إحدى أكثر قواهم السياسية نفوذاً.

وفي 23 أبريل/نيسان، وبينما أكد وزير الداخلية مازن الفراية علناً حظر الإخوان وحذّر وسائل الإعلام من نشر بياناتهم أو إجراء مقابلات مع أعضاء الجماعة، غادر الملك عبد الله في زيارة غير معلنة إلى المملكة العربية السعودية للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وأثار توقيت الزيارة تكهنات بأن الرياض هي من تقود حملة القمع التي قد تمتد قريبًا لتشمل جبهة العمل الإسلامي التي قد يتم حظرها في نهاية المطاف، وبهذا، بدا أن الدولة الأردنية تُعلن بداية عهد جديد في علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين.

قبل زيارة ترامب

ولطالما قادت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جهودًا لتقويض جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.

فقد دعمت الدولتان إطاحة الجيش المصري بالحكومة التي كان يقودها الإخوان عام 2013، واستمرتا في دعم حملة القمع التي تلت ذلك، والتي أسفرت عن سجن آلاف من أعضاء الجماعة.

ويعتقد بعض المحللين أن حملة الأردن تُنفذ تحت ضغط منسق من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال.

ويأتي هذا التصعيد في أعقاب أكثر من 18 شهرًا من الاحتجاجات شبه اليومية في الأردن دعمًا لحماس وإدانةً لعدوان الاحتلال على غزة، حيث توجهت المظاهرات بشكل متكرر نحو الحدود مع دولة الاحتلال واستهدفت سفارة تل أبيب في عمّان.

وقال صحفي أردني بأن توقيت الحظر قد يكون مرتبطًا أيضًا بالدبلوماسية الإقليمية، معتبراً أن “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ليستا بعيدتين عما يحدث في الأردن، واجتماع الملك عبد الله مع الأمير محمد بن سلمان يؤكد ذلك”.

وأضاف الصحفي الذي تحدث لميدل إيبست آي وطلب عدم الكشف عن هويته: “ربما يسعى الأردن إلى استرضاء السعوديين على أمل الحصول على دعم مالي لتعويض خسارة المساعدات الأمريكية التي أوقفها ترامب”.

“تأتي هذه الحملة قبل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة إلى المنطقة، وقد تكون خطوة استباقية من الأردن لإقناع ترامب بإعادة المساعدات الأمريكية المعلقة” – صحفي أردني

دعم النظام الملكي

ويقول العديد من المراقبين في الأردن إن جماعة الإخوان المسلمين كانت ركيزة أساسية من ركائز الاستقرار في المملكة منذ تأسيس الدولة الأردنية عام 1946.

وقد يُرضي إقصاء الجماعة من الحياة السياسية الدول المجاورة، لكنه يُشكل أيضًا تهديدًا للاستقرار الداخلي، إذ كانت الجماعة جزءًا أساسيًا من النظام السياسي للبلاد على مدى ثمانية عقود بعدما تأسست عام 1945، وحضر الملك عبد الله الأول حفل افتتاح أول مقر لها.

ومنذ ذلك الحين، حصلت الجماعة على ترخيص واستمرت في العمل بشكل قانوني، بل وتم استثناؤها من المرسوم الذي أصدرته الحكومة الأردنية بحل الأحزاب السياسية عام 1957، وظلت نشطة في المجالين السياسي والاجتماعي.

ومنذ ذلك الحين، دعمت جماعة الإخوان المسلمين النظام السياسي ووقفت إلى جانب الملك خلال عدة أزمات خطيرة هددت بإسقاط النظام الملكي.

ففي عام 1957، انحازت الجماعة إلى جانب الملك حسين ضد محاولة انقلاب قامت بها حكومة سليمان النابلسي وحركة “الضباط الأحرار” بقيادة علي أبو نوار، حيث تلقى هؤلاء الضباط دعمًا من الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، لكن أخطر محاولة انقلاب ضد النظام الملكي الأردني باءت بالفشل، قبل عام واحد فقط، من نجاح انقلاب عسكري مماثل في الإطاحة بالنظام الملكي الهاشمي في العراق.

وفي عام 1970، وقعت أكبر مواجهة عسكرية بين الجيش الأردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية، والمعروفة باسم حرب أيلول والتي يطلق عليها الفلسطينيون اسم (أيلول الأسود) ، وشكلت أحد أكبر التهديدات للنظام الملكي الأردني.

الولاء لا يُكافأ

وعلى الرغم من مشاركة كتيبة من جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب قوات المقاومة الفلسطينية، إلا أن مقاتليها ألقوا سلاحهم ورفضوا الدخول في مواجهة مسلحة مع الجيش الأردني، وفقًا للمحامي وعضو مجلس النواب صالح العرموطي، الذي أدلى بهذا التصريح خلال خطاب برلماني ألقاه مؤخرًا.

كما وقف الإخوان المسلمون إلى جانب النظام الملكي خلال “انتفاضة أبريل” عام 1989 التي كادت أن تُسقطه بعد انهيار سعر صرف الدينار الأردني والارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية، مما أثار غضبًا واسع النطاق.

وبلغت الأزمة ذروتها بإعلان “الانتقال الديمقراطي” وإجراء انتخابات برلمانية في وقت لاحق من ذلك العام، عندما فاز الإخوان بثلث مقاعد البرلمان.

وفي عام 1996، دعم الإخوان المسلمون أيضًا النظام الملكي خلال ما سُمي “انتفاضة الخبز”، وهي لحظة أخرى من الاضطرابات الخطيرة.

واندلعت الاحتجاجات رداً على قرار حكومي برفع أسعار الخبز، وأدت إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء عبد الكريم الكباريتي.

وخلال الاحتجاجات، أشاد الملك حسين بجبهة العمل الإسلامي، مشيرًا إلى أنها لم تشارك في الاحتجاجات ولم توافق عليها، مما ساهم في تهدئة الوضع.

ويشهد الأردن تحولًا واضحاً في نظرة المؤسسة السياسية إلى جماعة الإخوان المسلمين التي باتت تراها كعبء، معتقدةً أن القضاء عليها قد يمهد الطريق لعلاقات أفضل مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال، كما تأمل أن تُقنع هذه الخطوة إدارة ترامب باستئناف المساعدات المالية للأردن.

وتواصل موقع ميدل إيست آي مع عدد من الشخصيات داخل جماعة الإخوان، بالإضافة إلى محللين وصحفيين مستقلين، لكنهم جميعًا رفضوا التعليق بسبب المرسوم الأخير الذي يحظر مناقشة جماعة الإخوان المسلمين، أو الدفاع عنها، أو الترويج لأفكارها، أو المشاركة في أي أنشطة تنظمها، أو نشر بياناتها ومواقفها على وسائل التواصل الاجتماعي.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة