بقلم محمد أبو رمان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
تعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية مؤخراً والمتمثلة بحظر جماعة الإخوان المسلمين إجراءات غير مسبوقة، وتمثل مرحلة جديدة في العلاقة بين الجانبين، إلا أن ذلك لا يعتبر قضاءً على الحركة الإسلامية.
لا تزال جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، تحتفظ بوضعها البرلماني القانوني، مؤكدة على أنها سوف تواصل المشاركة بنشاط في الحياة السياسية والعامة في البلاد، فماذا الذي يعنيه هذا التحرك ضد الإخوان وما هي العواقب المحتملة لذلك؟
هناك ضرورة إلى بلورة رؤى واضحة وقواعد جديدة للعبة السياسية من أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي، خاصة وسط تكالب الأصوات التي تدعو إلى اتباع سياسات قمعية في التعامل مع المعارضة السياسية وقضايا حقوق الإنسان داخل الأردن
يمثل الحظر من الناحية الإجرائية تنفيذاً لحكم قضائي سابق ضد الجماعة، والذي خلص إلى أنه ليس لديها أي أساس قانوني للوجود في الأردن، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين لم تمتثل لهذا الحكم وواصلت العمل سراً.
وفي الآونة الأخيرة، تغير الوضع خاصة بعد اتهام أعضاء من الجماعة بالتخطيط لهجمات داخل المملكة، إلى جانب مزاعم بتهريب الأسلحة إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
إن مخاوف الأردن حول ما قد يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل البلاد دفعته إلى اتخاذ إجراءات صارمة، وسط مخاوف من ارتباطات الإخوان المسلمين بحماس وإيران، الأمر الذي يراه الأردن تهديداً يزعزع الاستقرار الداخلي.
وتأتي الأزمة بعد أشهر قليلة من مساعدة الأردن للولايات المتحدة ودول أخرى في صد هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، كانت قد شنته إيران رداً على اغتيالات إسرائيل لقادة حماس وحزب الله والحرس الثوري، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية مع استمرار حرب إسرائيل على غزة.
تعمق الصدع
خلال عقد منذ انطلاق الربيع العربي، أخذ الصدع بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين بالتوسع والتعمق بشكل مطرد، حتى وصل إلى أدنى مستوياته بعد 7 أكتوبر عام 2023 ، ثم الانتخابات البرلمانية الأردنية في سبتمبر عام 2024، والتي حقق فيها حزب جبهة العمل الإسلامي مكاسب كبيرة.
لقد أدى الصدام بين الإخوان والدولة في الشوارع، والذي كان مدفوعاً باحتجاجات متكررة، إلى تغذية ما اعتبر نمواً للخلايا المسلحة، والذي أصبح بدوره مبرراً للحظر
هذا لا يعني بالضرورة أن الأردن يكرر نماذج عربية أخرى، حيث تم تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية وسجن أعضائها، أو أنه يتجه نحو الإقصاء الكامل للإسلام السياسي من العملية السياسية في البلاد، ولكن يبدو أن الحكومة تفرق بين جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة والتي، من وجهة نظر الدولة، فقدت وضعها القانوني، وحزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يواصل الانخراط في الأنشطة السياسية والبرلمانية حتى اللحظة.
وتفتح هذه التفرقة بين الجماعة والحزب الباب أمام قادة جبهة العمل الإسلامي لإعادة تقييم مسار الحزب وعلاقته بالدولة، كما أنها توفر فرصة للحزب لتطوير رؤية استراتيجية مختلفة وتجنب المسار الذي قاد جماعات الإخوان في الدول العربية الأخرى نحو السجن والنفي.
ويعد هذا أمراً مهماً بالنظر إلى بقاء الإسلاميين في الأردن تاريخياً كحركة سلمية ضمن الإطار السياسي للدولة الأردنية، فرغم الأزمات المتكررة، إلا أن الجانبين لم يصلا قط إلى نقطة المواجهة الشاملة كما حدث في أماكن أخرى، لأنهما سمحا للبراغماتية والواقعية السياسية بتوجيههما في لحظات الأزمة.
ديناميكيات داخلية
في الوقت الذي حاول فيه بعض المعلقين المقربين من جماعة الإخوان المسلمين في الخارج ربط الأحداث الأخيرة بأجندات دولية وإقليمية، زاعمين أن ضغوطاً خارجية مورست على الأردن، إلا أن هذا غير دقيق، فقد رفض الأردن تاريخياً مثل هذه الضغوط وقاوم دعوات الحلفاء العرب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية.
في الوقت نفسه، سعت بعض وسائل الإعلام العربية إلى الاستفادة من الحظر والمبالغة في تأثيره، بل وتصوير ذلك كدليل على أن الأردن يسير على خطى الدول العربية الأخرى من خلال استهداف الإسلاميين، إلا أن كل هذه التفسيرات تتجاهل الديناميكيات الداخلية التي تشكل علاقة الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين.
لا يعني هذا بالضرورة أن الأزمة بين الدولة والإسلاميين الأردنيين سوف تنتهي في هذه المرحلة، ولكن من الممكن أن تتطور في الأيام المقبلة، فهناك ضرورة إلى بلورة رؤى واضحة وقواعد جديدة للعبة السياسية من أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي، خاصة وسط تكالب الأصوات التي تدعو إلى اتباع سياسات قمعية في التعامل مع المعارضة السياسية وقضايا حقوق الإنسان داخل الأردن.
في نهاية المطاف، لا ينبغي أن نقلل من خطورة وأهمية الأزمة بين الدولة الأردنية والإسلاميين باعتبارهم قوة المعارضة الرئيسية في البلاد، فالأمر يمثل منعطفاً حاسماً في السياسة الأردنية، يمكن أن يأخذ منحىً سلبياً نحو التراجع التدريجي عن أجندة الإصلاح الديمقراطي في البلاد، أو يمكن أن يشكل خطوة ضرورية نحو تطوير الإطار السياسي الأردني نحو إطار يعتمد على تفاهمات داخلية أكثر وضوحاً وتماسكاً.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)