بقلم فيحاء شلش
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
لم يعد عايد غفري يسمح لأطفاله باللعب في فناء المنزل، إذ بات عنف المستوطنين يُطارد سكان قرية سنجل الفلسطينية الواقعة شمال رام الله في الضفة الغربية.
تحيط خمس مستوطنات بالقرية من الشرق إلى الغرب، وهي عادة ما تكون هدفًا لاعتداءات المستوطنين، بما في ذلك الحرق العمد ورشق الحجارة، غير أن الهجمات اشتدت في الأشهر الأخيرة، مما أجبر بعض العائلات على الفرار، بينما لزمت أخرى منازلها خوفًا على سلامتها.
وقال غفري لموقع ميدل إيست آي: “الهجمات يومية ومتكررة وذلك لأن المستوطنة بُنيت بجوار منازلنا، ولم يعد بإمكاننا ترك أطفالنا يلعبون في الخارج بمفردهم خوفًا على سلامتهم”.
ومطلع الشهر الماضي، قامت مجموعة من المستوطنين برفقة مسؤول استيطاني برشق منزل غفري بالحجارة، وهددوا بقتله بسبب محاولته الوصول إلى أرضه برفقة نشطاء حقوق الإنسان.
وفي 21 أبريل/نيسان، واجه المستوطنون مجدداً غفري بعنف حين اقترب مع مجموعة من القرويين من منطقة أقام فيها المستوطنون مؤخرًا بؤرة استيطانية جديدة.
وقال غفري: “كنا مجموعة من النشطاء والمتطوعين، وبمجرد وصولنا، هاجمنا المستوطنون. ثم أطلق الجنود قنابل الغاز المسيل للدموع، وأصابتني إحداها مباشرة في رأسي مما تسبب في حروق في فروة الرأس والوجه، وعانيت من صعوبة في التنفس”.
وفي اليوم نفسه، أطلق الجنود الغاز المسيل للدموع على السكان الذين حاولوا حماية ممتلكاتهم التي أضرم المستوطنون النار فيها، وقد استشهد وائل ابن عم عايد غفري وصديقه المقرب، اختناقًا بعد تعرضه لاعتداء من الجنود، وأصيب شاب آخر بجروح خطيرة.
لا خيار سوى الرحيل
يقع منزل غفري على أرضٍ استولى المستوطنون على أجزاء منها لصالح مستوطنة معاليه ليفونا، التي أقيمت عام 1983 على أراضي تابعة لعدد من قرى رام الله من بينها سنجل التي يبلغ عدد سكانها 7500 نسمة.
ومنذ أكتوبر 2023، صادر جيش الاحتلال 70 دونمًا إضافيًا من أراضي غفري وجيرانه، بذريعة استخدامها لأغراض عسكرية، إلا أن السكان يتهمون الجيش بتسهيل التوسع الاستيطاني تحت ستار الأمن.
وبعد فقدانهم الوصول إلى أراضيهم الزراعية، بدأ السكان بزراعة المحاصيل في ساحات منازلهم لإعالة أنفسهم، ولكن حتى هذه الأراضي المؤقتة دُمرت، حيث ورد أن المستوطنين جلبوا أبقارًا إلى المنطقة لرعيها.
وفي عام 2023، أغلق جيش الاحتلال بالسواتر الترابية الطريق المؤدي إلى حي المزيرعة، حيث يسكن الغفري، مما أدى إلى عزله فعليًا عن بقية البلدة.
وقال الغفري: “إذا احتجنا لشراء الخبز، على سبيل المثال، علينا السير سبعة كيلومترات إلى أقرب بقالة”، موضحاً أن الهجمات المتكررة من قبل المستوطنين والجنود منذ ذلك الحين دفعت العديد من السكان إلى النزوح، مما مهد الطريق للاستيلاء على مزيد من الأراضي.
وقد اضطر سكان 14 منزلًا في المنطقة إلى تركها، خوفًا من إمكانية الاستيلاء عليها في أي لحظة تحت تهديد العنف المستمر، حيث أوضح الغفري: “لقد واجهنا عشرات الهجمات، اقتحمت أبواب المنازل وتعرضت النساء والأطفال للضرب، فلم يكن أمامنا خيار سوى نقل عائلاتنا”.
عزل البلدة
كانت دولة الاحتلال قد شرعت في سبتمبر/أيلول 2024 ببناء جدار حديدي حول سنجل يمتد بطول 1500 متر وارتفاع 4.5 متر، وهو مصمم لفصل البلدة عن الطريق السريع رقم 60، وهو طريق سريع رئيسي يمتد من الشمال إلى الجنوب ويربط ست مدن فلسطينية رئيسية.
وسيعزل الجدار ما يقارب من 8000 دونم من الأراضي الزراعية المملوكة للقطاع الخاص، مما يهدد بعزل السكان عن ممتلكاتهم، فيما تواجه العديد من المنازل خطر العزل أو الهدم، مما يحاصر البلدة فعليًا ويقيد بشدة حرية تنقل السكان.
وقال معتز طوافشة، رئيس بلدية سنجل، لموقع ميدل إيست آي أن الجدار يشكل تهديدًا خطيرًا لحياة سكان البلدة وسبل عيشهم، مشيراً إلى أن بناءه أدى بالفعل إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، واقتلاع حوالي 300 شجرة منها 135 شجرة زيتون معمرة وهدم جدران استنادية.
وأضاف طوافشة: “هذا الجدار جزء من مخطط استيطاني يهدف الاحتلال من خلاله إلى عزل البلدة عن المناطق الفلسطينية المحيطة وسيمتد بمحاذاة الجدار طريق أمني تحرسه دوريات جيش الاحتلال بانتظام”.
يذكر أن قوات الاحتلال شددت القيود على بلدة سنجل عبر إغلاق مداخلها الرئيسية، وإقامة بوابة عسكرية عند المدخل الجنوبي، وإقامة حواجز عسكرية مؤقتة على مداخل أخرى، حيث وحذر طوافشة من أن الجدار يزيد من حصار البلدة.
ووصف طوافشة الطريق المخطط له بأنه “ذو عواقب وخيمة” على سنجل، مشيرًا إلى أنه سيعزل العديد من السكان ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية، كما سيعيق الوصول إلى المدن المجاورة مثل رام الله ونابلس، مما يجعل السكان يعتمدون على بوابة عسكرية ويضطرون إلى سلوك طرق بديلة طويلة.
“يفرض الجدار عقابًا جماعيًا على سكان سنجل، ويحول البلدة إلى جيب محاصر، محاط بالمستوطنات وجدران الفصل والبوابات العسكرية المغلقة” – معتز طوافشة، رئيس بلدية سنجل.
استراتيجية الكاوبوي
بينما تزعم دولة الاحتلال أن الجدار يُبنى لأسباب أمنية، يقول السكان إنه جزء من استراتيجية أوسع لتشديد سيطرتها على حياة الفلسطينيين.
فقد حذّر محمد الغفري، صاحب الأرض المهددة، من أنه في حال اكتمال بناء الجدار، ستُفقد هذه المناطق نهائيًا على غرار الأراضي التي عزلها جدار الفصل العنصري في أماكن أخرى من الضفة الغربية.
ويعزز وجود العديد من البؤر الاستيطانية التي أقامها المستوطنون بالفعل مخاوف السكان الذين يعتقدون أن الهدف هو ربط هذه البؤر الاستيطانية، وإنشاء حزام استيطاني يفصل شمال الضفة الغربية عن مركزها.
وقال الغفري أن المستوطنين يتبعون استراتيجية “رعاة بقر” (الكابوي) للاستيلاء على الأراضي حيث يطلقون الماشية للرعي في الأراضي الزراعية الفلسطينية، مدعين أنها غير مأهولة.
وقال: “لم نتمكن من الوصول إلى أراضينا منذ أشهر، لقد استغل المستوطنون هذا الوضع، فرعوا أبقارهم وأتلفوا محاصيلنا الموسمية”.
ويعيش حوالي 700,000 مستوطن في حوالي 300 مستوطنة غير شرعية في أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، وجميعها بُنيت منذ احتلال الأراضي الفلسطينية في حرب عام 1967، حيث يعد بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة غير قانوني بموجب القانون الدولي.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، أنشأ المستوطنون 60 بؤرة استيطانية جديدة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وفقًا لبيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية والتي أفادت أيضًا أن النشاط الاستيطاني والعنف المرتبط به أدى إلى تهجير 29 تجمعًا فلسطينيًا خلال الفترة نفسها.
وشملت عمليات الهجرة تلك 311 عائلة، يبلغ مجموع أفرادها زهاء 2000 نسمة، أُجبروا على مغادرة منازلهم بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونهاية عام 2024.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)