بقلم جو جيل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد قصفت الولايات المتحدة أكثر من 1000 موقع في اليمن حتى الآن،
حيث كشفت تسريبات من نقاش خاص في مجموعة في تطبيق سيجنل قبل أسابيع عن تخطيط إدارة ترامب للحرب في الشرق الأوسط، فكانت “الخطة” هي شن حرب على اليمن لحماية إسرائيل والشحن الغربي في البحر الأحمر، وجعل الحكومات العربية والأوروبية تدفع ثمنها.
كان مستشار الأمن القومي مايك والتز، والذي تمت إزالته الآن بعد التسريبات، قد ذكر في سيجنل: “كما سمعت ذلك، كان الرئيس واضحاً، هناك ضوء أخضر لقصف اليمن، وسرعان ما سنوضح لمصر وأوروبا ما نتوقعه في المقابل”.
كانت مجلة أتلانتيك هي أول من كشفت عن الشخص الذي يبدو أنه مستشار ترامب ستيفن ميلر في المحادثة تحت اسم “إس إم”، والذي قال: “إذا نجحت الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة بتكلفة كبيرة، فيجب أن يتم الحصول على المزيد من المكاسب الاقتصادية في المقابل”.
بالنسبة لأوباما، كان اليمن نموذجاً لخوض الحروب دون إرسال قوات وتوفير الأسلحة والخدمات اللوجستية والنقل والأموال للقوات المحلية بالوكالة
يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دائماً أن يدفع الآخرون ثمن ما تفعله أمريكا، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل بالطبع، فهي الوحيدة التي تملك شيكاً موقعاً على بياض من قبل واشنطن للقيام بحرب لا نهاية لها، وحتى حملة القصف الأمريكية ضد اليمن مرتبطة بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والتي تعارضها حكومة أنصار الله اليمنية من خلال الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر والضربات الصاروخية على إسرائيل.
بحسب ما ورد، لم يبدِ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حرصاً على الفكرة التي اقترحها ترامب والتي تنص على أن الشحن الأمريكي يمكن أن يحصل على مرور مجاني عبر قناة السويس بحجة أن الولايات المتحدة تشن حرباً لاستعادة حرية الملاحة عبر البحر الأحمر، فترامب لا يقاتل الحوثيين من أجل مصر بل من أجل إسرائيل في نهاية المطاف.
لقد أوضح الحوثيون أن إنهاء الإبادة الجماعية التي تدعمها الولايات المتحدة هو وحده ما سوف يؤدي إلى إنهاء الحصار البحري الذي يفرضونه دعماً للفلسطينيين.
تاريخ ترامب في قصف اليمن
لدى ترامب تاريخ في قصف اليمن، فلا زلت أذكر صورة نورا العولقي، ابنة المواطن الأمريكي اليمني أنور العولقي البالغة من العمر 8 سنوات، والتي قتلت في 29 يناير عام 2017 في غارة كوماندوز أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت مبكر من ولايته الأولى.
كانت الصورة، التي تظهر يديها تحت وجهها المبتسم، مع قوس أحمر كبير فوق رأسها، دليلاً على أن ترامب لم يكن مختلفاً عن أسلافه في استخدام العنف العسكري ضد السكان العرب، وكأن انتخابك رئيساً للولايات المتحدة يعني بطبيعة الحال مشاركتك في القتل الجماعي للمدنيين الأجانب خاصة في العالم العربي.
لقد تسببت عقود من التجريد من الإنسانية في جعل عمليات القتل هذه بالنسبة للطبقة السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة مجرد جزء من عمل الحكومة، سواء في فلسطين أو اليمن أو العراق أو أي مكان آخر.
لقد قتلت نوار في اليوم الذي قُتل فيه 25 مدنياً في نفس القرية، فضلاً عن 14 مقاتلاً، وقد نفى جدها، وهو وزير سابق في الحكومة، أن تكون القرية التي تقيم فيها حفيدته معقلاً لتنظيم القاعدة كما زُعم، بل هي موطن لأعمامها الذين كانوا يقاتلون حكومة أنصار الله في اليمن.
كان والد نوار متحدثاً كاريزمياً مؤيداً للجهاديين، وكان قد قُتل في غارة أمر بها سلف ترامب باراك أوباما في عام 2011، وبعد أسبوعين، وفي غارة أخرى بطائرة بدون طيار ضد مواطن أمريكي، قُتل ابنه عبد الرحمن البالغ من العمر 16 عاماً فيما وُصف لاحقاً بأنه “خطأ”، مما أثار الغضب في اليمن.
منذ بداية ولايته الثانية، واصل ترامب استهداف اليمن، وكان آخرها قتل ما لا يقل عن 68 شخصاً، كثير منهم مهاجرون أفارقة، في غارة على مركز احتجاز في صعدة شمال اليمن، كما أدى هجوم آخر في وقت سابق على منشأة نفطية حيوية إلى مقتل 74 شخصاً.
زعمت القيادة المركزية الأمريكية بأن ضرباتها تستهدف المقاتلين الحوثيين “لتقليل المصدر الاقتصادي لقوة الحوثيين”، لكنها في الحقيقة قتلت العديد من المدنيين ودمرت البنية التحتية المدنية، كما هو الحال مع إسرائيل، التي استهدفت اليمن أيضاً رداً على الضربات التي نفذها الحوثيون تضامناً مع غزة.
لا شك بأن تأثير هذه الحملة هو تدمير اقتصاد اليمن الهش، الذي دمرته بالفعل حرب استمرت 10 سنوات شنتها السعودية، فقد كانت تلك الحرب على وشك الانتهاء تبادل الأسرى عام 2022!
الحروب الغربية على اليمن
منذ عقود، يشن الغرب وحلفاؤه حرباً ضد اليمن، بأشكال عدة، ففي نوفمبر عام 2000، هاجم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية السفينة “يو إس إس كول” قبالة سواحل اليمن، مما أسفر عن مقتل 17 شخصاً، وفي عام 2002، أصيب 6 رجال كانوا يقودون سيارة سيدان بصاروخ هيلفاير أطلق من طائرة أمريكية بدون طيار من طراز بريداتور، ولكن لم تصبح هجمات الطائرات بدون طيار على اليمن متكررة إلا في عهد إدارة أوباما وبلغت ذروتها في عهد ترامب.
لا تذكر وسائل الإعلام الغربية الحقيقة المتمثلة في أن الدول ملزمة بموجب القانون الدولي بإنهاء التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها، وفقاً لرأي قانوني أصدرته محكمة العدل الدولية العام الماضي، وبهذا المعنى فإن اليمن هو في الواقع من يمتثل لالتزاماته القانونية الدولية بمعارضة الإبادة الجماعية، والتاريخ لن ينسى هذا!
من جهة أخرى، وفي عام 2004، شنت الحكومة اليمنية المدعومة من الغرب أولى حروبها ضد حركة الحوثيين في المنطقة الحدودية الشمالية لليمن مع السعودية، حيث استمرت الحروب حتى عام 2010، في حين أدى الدعم السعودي للقوات الحكومية إلى توغل الحوثيين في السعودية.
لقد أدت ضربة سعودية في ديسمبر عام 2009 إلى مقتل 54 شخصاً، وهو ما كان نذيراً لما حدث في عام 2015، عندما أطلق وزير الدفاع الجديد محمد بن سلمان حملة قصف على اليمن لدعم حكومته.
في يناير عام 2018، قمت بزيارة الحدود اليمنية العمانية، والتقيت بيمنيين كانوا يتلقون العلاج الطبي في المستشفيات العمانية في صلالة، وقد تحدث اليمنيون الذين يعيشون ويعملون في عمان عن تضامنهم مع إخوانهم تحت الحرب في بلادهم، فقال تاجر يمني في صلالة: “سوف أساعد أصدقائي لأن اليمنيين هنا شعب واحد، ونحن نساعد بعضنا البعض”.
أما أوباما، فقد مكن السعودية من شن حربها ضد أنصار الله بعد استيلائها على السلطة عام 2014، وهو ما كان في حد ذاته نتيجة لسقوط الرئيس علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد لفترة طويلة، والذي أطيح به في أعقاب الانتفاضات العربية عام 2011.
كان الحوثيون قد طردوا نائب الرئيس صالح الذي اختارته السعودية، عبد ربه منصور هادي، والذي ظل الزعيم المعترف به دولياً رغم حكمه من المنفى في الرياض، حتى هزم الحوثيون السعوديين في نهاية المطاف، واغتالوا الرئيس السابق المكيافيلي في ديسمبر عام 2017.
لم تتوقف الحرب رغم ذلك، فقد شكلت الإمارات تحالفات مع مجموعات في عدن وأقامت دويلة في ما كان يُعرف سابقاً بجنوب اليمن، لمنحهم السيطرة على الساحل الاستراتيجي لليمن ومنطقة مأرب المنتجة للنفط، وقد كلفت تلك الحرب والحصار الاقتصادي المفروض على شمال اليمن مئات الآلاف من الأرواح.
بالنسبة لأوباما، كان اليمن نموذجاً لخوض الحروب دون إرسال قوات وتوفير الأسلحة والخدمات اللوجستية والنقل والأموال للقوات المحلية بالوكالة، ففي هذه الحالة تخوض حروبها عن طريق دول الخليج وحلفائها من المرتزقة وهو النموذج الذي تم استنساخه في سوريا أيضاً.
بلد مقسم
إن السياسة اليمنية ليست واضحة، فقد تم تقسيم البلاد حسب التاريخ والدين والاستعمار، حيث تم حكم شمالها لعدة قرون من قبل إمامة شيعية حتى الثورة الجمهورية عام 1962، والتي تمثل أسلاف الحوثيين الذين يحكمون اليوم، فيما كان الجنوب محمية بريطانية من أربعينيات القرن 19 حتى عام 1967، وكانت عدن ميناءً رئيسياً في الإمبراطورية البريطانية على الطريق البحري الاستراتيجي من الهند عبر البحر الأحمر.
أما الشمال الجبلي، فهو القسم الوحيد الذي لم يتم استعماره قط، وهو يبرز اليوم في العالم العربي باعتباره الكيان السياسي الوحيد الذي لا يشكل جزءاً من النظام الإقليمي المتحالف مع الغرب، وهذا هو السبب الأساسي لحرب الغرب الأبدية ضد اليمن.
منذ أن شنت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على غزة في أكتوبر عام 2023، لم تقدم سوى جماعة أنصار الله في اليمن وحزب الله اللبناني، دعماً مباشراً لفلسطين، وذلك من خلال الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، حيث أدت الضربات الجوية الإسرائيلية المدمرة وغزو لبنان إلى وقف إطلاق النار مع حزب الله في أواخر عام 2024.
أما اليمنيون، فقد ظلوا في حالة تحدٍ، حيث ردوا على كل موجة من الضربات التي تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة المتحدة بمسيرات حاشدة ضمت الملايين في صنعاء ومدن أخرى، إلا أن الولايات المتحدة تسعى الآن إلى تدمير قدرة اليمن على تهديد الشحن في البحر الأحمر، وهي استراتيجية أنصار الله لضرب الاقتصاد الإسرائيلي.
لا يزال البحر الأحمر طريقاً تجارياً مهماً، حيث يمثل 15% من التجارة العالمية، ولا يزال الشحن في البحر الأحمر منخفضاً بنسبة 50% حتى من قبل بدء الحوثيين حملتهم في نوفمبر عام 2023، وفقاً لقائمة لويدز.
لم نشهد بعد نتائج هذه الحملة العسكرية الغربية الأخيرة، ولكن يبقى الحال أن اليمن لم يتنازل قط عن دعمه لفلسطين، في حين وقفت حكومات العالم العربي السُنّي موقف المتفرج وتركت غزة دون مساعدة خلال 18 شهراً من الإبادة الجماعية.
لا تذكر وسائل الإعلام الغربية الحقيقة المتمثلة في أن الدول ملزمة بموجب القانون الدولي بإنهاء التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها، وفقاً لرأي قانوني أصدرته محكمة العدل الدولية العام الماضي، وبهذا المعنى فإن اليمن هو في الواقع من يمتثل لالتزاماته القانونية الدولية بمعارضة الإبادة الجماعية، والتاريخ لن ينسى هذا!
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)