باتت تشبه فيتنام… لقد تحولت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة الآن إلى حرب عالمية ضد المقاومة!

المقاومة الفلسطينية باتت تشبه بفيتنام… لقد تحولت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة الآن إلى حرب عالمية ضد المقاومة!

بقلم إميل ألكلاي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

إن المصطلحات المستخدمة بشكل عام اليوم حول الوضع في فلسطين خاصة غزة، لا تعبر بدقة عما يحدث بالفعل على الأرض، فمصطلحات مثل “الاستعمار الاستيطاني” و”الفصل العنصري” و”التطهير العرقي” وحتى “الإبادة الجماعية” ليست كافية لوصف الأعمال الوحشية التي تواصل إسرائيل، باعتبارها رأس الرمح الإمبريالي الأمريكي، ارتكابها مع إفلات كامل من العقاب!

إن لم يكن لدينا حتى المصطلحات الكافية لوصف الواقع في غزة، فكيف لنا أن نأمل في الانخراط في أي صراع حقيقي من أجل التغيير خاصة في الولايات المتحدة، في ظل إعلام يعمل على تخدير الناس واحتكار سياسي ثنائي راسخ؟!

في مقالته “صدمة بلا رهبة: الصهيونية ورعبها”، يصف المنظر السياسي الفلسطيني عبد الجواد عمر هذه اللحظة بوضوح، فيقول: “اليوم، لا تأمل إسرائيل أن ينسى العالم قريباً هذه المرحلة الحالية من الصراع، كما أن إسرائيل لا تسعى إلى تشجيع العالم على الاعتراف بنفسها في صورتها المزروعة بعناية باعتبارها ديمقراطية ليبرالية وحيدة تكبح جماح بحر من البرابرة العرب والمسلمين، بل تأمل إسرائيل بدلاً من ذلك بأن يلتحق العالم قريباً بوحشيتها الصارخة ويعزز موقفها”.

الحقيقة أن هذا ما يحدث بالفعل في مختلف أنحاء العالم، بدءاً من تدريب إسرائيل لقوات الشرطة في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان وصولاً إلى حملات القمع التي تشنها الهند في كشمير، وفي كل مكان تقريباً تستطيع أن ترى النموذج الأمني ​​الإسرائيلي “الذي تم اختباره في المعركة”، فهو نموذج عالمي للسيطرة ويضع الحكومات في مواجهة شعوبها. 

لقد سبق للمحلل فادي قرعان أن وصف السجن بأنه شكل عالمي من أشكال السيطرة الاجتماعية، مع تمييز أنظمة السجون الإسرائيلية والفلسطينية عن الأنظمة الأخرى على مستوى العالم بسبب ثلاث خصائص رئيسية، وهي “القلق الوجودي والعجز التعليمي وثقافة الخيانة المجتمعية”.

في الولايات المتحدة اليوم، أصبحت مستويات الخيانة التي يشعر بها العديد من المواطنين اليوم كبيرة جداً، خاصة مع قيام إدارة ترامب بتمزيق الدستور من أجل تدليل دولة أجنبية تؤمن بالتفوق اليهودي ويساوي عدد سكانها تقريباً عدد سكان ولاية نيوجيرسي!

وعي جمعي

لم يكن هذا الشعور بالخيانة عميقاً منذ عام 1971، عندما نظمت مجموعة تسمى قدامى المحاربين في فيتنام ضد الحرب مظاهرة في واشنطن، حيث اصطف المئات من قدامى المحاربين في الجيش لإلقاء ميدالياتهم الحربية على درجات سلم الكابيتول.

أدت هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام عام 1975 إلى تغييرات جذرية في العقيدة العسكرية الأمريكية، ففي السنوات التي تلت ذلك، كانت حروب الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى وأماكن أخرى تُخاض سراً، وتغير هذا الأمر مرة أخرى مع حرب الخليج الأولى عام 1990

ورغم كون هذه الحركة الاحتجاجية، التي أطلق عليها اسم ديوي كانيون 3، من بين أكثر الأعمال الجماعية تطرفاً وتأثيراً مما قام بها جنود سابقون، إلا أن العديد من الأمريكيين ليس لديهم أي فكرة عن حدوثها على الإطلاق، فهي محفوظة فقط من خلال الروايات الشخصية والصور الفوتوغرافية وعدة دقائق من الأفلام الوثائقية.

في كتابه “الحرب ضد الشعب” الصادر عام 2015، يصف عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي الإسرائيلي، جيف هالبر، التحول الشامل والممنهج الذي اشتد بعد أحداث 11 سبتمبر و”الحرب على الإرهاب”، ومن خلال ما يسميه “المجمع الصاروخي المتكامل: الجيش والأمن الداخلي والمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية وإنفاذ القانون”، يوضح كيف تم ما يمكن تسميته بـ “فلسطنة” الفضاء العالمي من خلال “التهدئة” و”الأمننة” على أساس النموذج الإسرائيلي. 

رغم أن هناك العديد من الطرق الممكنة لمعرفة الكيفية التي وصلنا بها إلى ما وصلنا إليه، فإن الطريق الأكثر مباشرة قد يكون أن ينظر الأمريكيون إلى أنفسهم من خلال عيون أولئك الذين هم الطرف المتلقي للسياسات الأمريكية.

على سبيل المثال، لم يخدم استخدام الولايات المتحدة للقنبلة الذرية ضد اليابان في عام 1945 أي غرض عسكري حقيقي فيما يتعلق بإنهاء الحرب، بل كان بالأحرى بمثابة رسالة حول علاقات القوة في فترة ما بعد الحرب، وإعلان مؤكد من جانب واشنطن عن حصانتها غير المقيدة من العقاب واستعدادها لاستخدام أي وسيلة لتحقيق أهداف الهيمنة. 

سرعان ما أعقب ذلك قيام الولايات المتحدة بتجنيد أعداد كبيرة من الألمان واليابانيين من القطاعات العسكرية والاستخباراتية والعلمية، والذين اعتبر العديد منهم مجرمي حرب من قبل خصومهم السابقين.

ومع تحول مكتب الخدمات الاستراتيجية إلى وكالة الاستخبارات المركزية، تدخلت الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم بكل السبل التي يمكن تصورها، في حين عملت الدولة ظاهرياً على “احتواء الشيوعية”، وهي ذريعة لتعزيز الهيمنة الأمريكية والتحريض على حرب أبدية.

لحظة محورية

لقد كانت شراسة المقاومة في حرب فيتنام، على الأرض في فيتنام وفي الداخل الأمريكي، سبباً في دفع الولايات المتحدة إلى تكثيف تركيزها على الشرق الأوسط، حيث شكلت حرب يونيو عام 1967 نقطة محورية، وعلى حد تعبير الكاتبة ميلاني مكاليستر فإن “إسرائيل أصبحت بمثابة المسرح الذي أعيدت عليه الحرب في فيتنام وانتصرت هذه المرة”. 

لقد أصبح المواطنون الأمريكيون منغمسين في أشكال أعمق من الدعاية المحلية والعمليات الاستخباراتية، وقد اتُهمت حركات الحقوق المدنية، نظراً لارتباطها بنضالات التحرير في العالم الثالث، بـ “معاداة السامية” لدعمها الفلسطينيين.

من ناحية أخرى، فقد اتهم الحاخام مئير كاهانا، مؤسس رابطة الدفاع اليهودية وحزب كاخ الإسرائيلي، بالعمل جنباً إلى جنب مع أجهزة المخابرات الأمريكية، حيث ساهم كاهانا في تطوير سياسات الهوية المتلاعبة، مما أدى إلى دق إسفين بين المجتمعات اليهودية والأمريكية الإفريقية لتعزيز الهوية اليهودية مع إسرائيل.  

علاوة على ذلك، فقد أدت هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام عام 1975 إلى تغييرات جذرية في العقيدة العسكرية الأمريكية، ففي السنوات التي تلت ذلك، كانت حروب الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى وأماكن أخرى تُخاض سراً، وتغير هذا الأمر مرة أخرى مع حرب الخليج الأولى عام 1990.

لقد خضعت التغطية الإعلامية للصراعات لتغييرات جذرية، حيث أصبح المراسلون مندمجين مع القوات الأمريكية، مما يسمح للجيش بإخفاء الطبيعة الحقيقية للمذبحة على الأرض بسهولة أكبر، كما أن الدمار الهائل الذي جلبته العقوبات على العراق، والذي أدى إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى، لا يمكن اختزاله في صورة بسهولة.

في غزة اليوم، من الصعب أيضاً العثور على كلمات أو صور لتمثيل حجم المعاناة، ولعل الأمر الأكثر إثارة للانزعاج في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ هو تورط إسرائيل، بدعم كامل من الولايات المتحدة، في إضفاء الطابع الأمني ​​على المدنيين وتهدئتهم من قِبَل حكوماتهم في بلدان في مختلف أنحاء العالم. 

في ضوء إطار التواطؤ هذا، ما الذي يمكن فعله لوقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين؟ فهل يعتقد أحد حقاً أن “القانون الدولي”، من دون القوة العسكرية اللازمة لفرضه، قادر على الوقوف في طريق هذا الطاغوت الخارج عن القانون، أو أن الاستيلاء على المزيد من الأراضي وضمها وتهجير المزيد من الفلسطينيين وتدمير المسجد الأقصى، ليست على جدول الأعمال؟!

هل يمكن أن يتمتع المزيد من المواطنين في “العالم الحر” بالشجاعة، كما أظهر البعض بالفعل، لخوض مجازفات أعظم فأكبر مثل منع شحنات الأسلحة لتعطيل سير الأمور كالمعتاد، إلى أن يتم وضع حد لهذه المذبحة التي لا تصفها الكلمات؟!

مقالات ذات صلة