وصل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد يوم الجمعة حيث التقى رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف.
وجاءت الزيارة بعد يوم واحد من زيارة مماثلة أجراها الجبير للعاصمة الهندية نيودلهي يوم الخميس التقى خلالها وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار.
وتتمثل المهمة الطموحة للغاية لوزير الخارجية السعودي في تهدئة التوترات بين باكستان والهند، ففي زيارتيه حث الجبير الجارين النوويين الذين يقفان على شفا الحرب على التوصل إلى حل سلمي، فيما لا يرغب أيٌّ من الطرفين في الظهور بمظهر المبادر بالتراجع.
وكانت الهند قد شنت هجومًا قاسياً على الأراضي الباكستانية صباح الأربعاء، وقالت باكستان إنه أسفر عن مقتل 36 شخصًا على الأقل، بينهم مدنيون.
في المقابل، أعلنت الهند أن الرد الباكستاني بالقصف أسفر عن مقتل 16 شخصًا على الأقل، بينهم مدنيون، في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، واستمرت الاشتباكات عبر الحدود منذ ذلك الحين، حيث تعهدت باكستان بالرد على الهجوم الهندي.
وخلال الليلة الماضية تصاعدت الاشتباكات بين قوات البلدين، حيث واجهت عدة مدن هندية انقطاعًا للتيار الكهربائي، واتهمت الحكومة الهندية باكستان بشن هجمات فاشلة على البنية التحتية المدنية الهندية في 15 موقعًا مختلفًا.
غير أن باكستان نفت بشدة أي تورط لها في هذه الهجمات، في حين أعلن الجيش الباكستاني إنه قتل ما بين 40 و50 جنديًا هنديًا في قتال عبر الحدود.
الولايات المتحدة تتنحى جانبًا
بدأت التوترات بهجوم يشتبه بأن متمردين قاموا بشنه على سياح هنود في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير في 22 أبريل/نيسان، وقد ألقت نيودلهي باللائمة عن الهجوم على إسلام آباد التي نفت أي تورط لها في الهجوم.
ومع تصاعد التوترات، باتت دول الشرق الأوسط من بين الدول التي تلعب دورًا دبلوماسيًا للتهدئة، بعدما كانت الولايات المتحدة تلعب سابقاً محورًا رئيسيًا في جهود خفض التصعيد، بما في ذلك عندما اندلع الصراع في عامي 2016 و2019.
غير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشار إلى أن إدارته تُفضّل نهجًا أكثر هدوءًا، وقال يوم الأربعاء مُستخفًا: “آمل أن ينتهي الصراع بسرعة كبيرة”، وأن البلدين يتقاتلان منذ “قرون” (تأسست كلتاهما عام 1947).
وكان نائب ترامب، جيه دي فانس، صريحًا يوم الخميس عندما أصرّ على أن الصراع “ليس من شأننا في الأساس”، علماً بأن الولايات المتحدة حليف للهند، بينما تُعدّ الصين الداعم الرئيسي لباكستان، وقد أسقطت طائرات مقاتلة صينية الصنع طائرتين حربيتين هنديتين على الأقل يوم الأربعاء.
إسرائيل وتركيا
واتخذت معظم الدول، بما في ذلك دول الشرق الأوسط، موقفًا محايدًا حازمًا ودعت إلى تهدئة الأعمال العدائية، لكن هناك استثناءين بارزين هما دولة الاحتلال وتركيا.
فقد دعمت الأولى الهند بقوة بعد الهجوم الأول في أبريل/نيسان، حيث وعد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بأن تقف دولته “إلى جانب الهند في حربها ضد الإرهاب”.
وبعد الهجوم الهندي على باكستان يوم الأربعاء، صرح سفير نتنياهو لدى الهند، رؤوفين عازار، بأن تل أبيب “تدعم حق الهند في الدفاع عن نفسها” حيث تتمتع الهند بعلاقات عسكرية واسعة مع الدولة العبرية.
وأعلن الجيش الباكستاني أنه أسقط 25 طائرة مسيرة من طراز هاروب التي تصنعها دولة الاحتلال، بعدما أطلقتها الهند على باكستان يوم الخميس، حيث أكد مصدر حكومي هندي لموقع ميدل إيست آي أن باكستان أسقطت طائرة مسيرة واحدة من صناعة الاحتلال على الأقل.
في كفة الميزان الأخرى، دعمت تركيا باكستان صراحةً يوم الأربعاء، وأدانت الهند لاتخاذها “خطوات استفزازية” ضد البلاد وبحق الدنيين فيها، بل إن وزارة الخارجية التركية اتهمت الهند “باستهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية”.
ويوم الخميس، أيّد الرئيس رجب طيب أردوغان دعوة باكستان لإجراء تحقيق “محايد” في هجوم أبريل/نيسان على السياح الهنود، وهي دعوة رفضتها الهند.
ومثل الهند وتل أبيب، تربط باكستان وتركيا علاقات عسكرية قوية، حيث هبطت طائرة تركية من طراز C-130 في باكستان في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقالت أنقرة إنها كانت للتزود بالوقود فقط.
كما وصلت سفينة حربية تركية إلى ميناء كراتشي أواخر الأسبوع الماضي، ووصفت أنقرة ذلك بأنه بادرة حسن نية.
ويوم الجمعة، زعم الجيش الهندي استخدام ما بين 300 و400 طائرة تركية مُسيّرة لمهاجمة مدن هندية يوم الخميس، وهي مزاعم نفتها باكستان، فيما قال متحدث باسم الجيش الهندي إن التحليل الجنائي الأولي للطائرات المُسيّرة التي أُسقطت أظهر أنها طائرات تركية الصنع من طراز Asisguard Songar.
ومن المعروف أن أسطول الطائرات المُسيّرة الباكستاني يضم طائرات من تركيا، بالإضافة إلى طائرات صينية وأخرى من إنتاج مصنّعين محليين.
وحذرت باكستان من أنها ستهاجم الهند في الوقت الذي تراه مناسبًا، ومن المرجح أن تُستخدم طائرات مُسيّرة تركية الصنع.
السعودية كوسيط
وأمام هذه الحالة من الاستقطاب، تجنبت دول أخرى في المنطقة الظهور بمظهر المنحاز في الأزمة، غير أن إحجام الولايات المتحدة عن القيام بدور الوساطة فتح الباب أمام السعودية للدخول إلى دائرة الضوء، وفي هذا السياق جاءت زيارة الجبير للدولتين.
فقد صرح مصدر حكومي باكستاني رفيع المستوى لشبكة CNN يوم الجمعة أن “باكستان تُفسح المجال للدبلوماسية” بتأجيلها هجومًا على الهند، كما حثت الإمارات العربية المتحدة وقطر الجانبين على ضبط النفس.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية يوم الأربعاء أن أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، “أعرب عن دعمه الكامل لحرب الهند ضد الإرهاب وجميع إجراءاتها لتقديم الجناة إلى العدالة”.
لكن وزارة الخارجية القطرية دعت في بيان رسمي إلى “حل الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية”، وشددت على “الحاجة الملحة لإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين الهند وباكستان”.
وتتمتع دول الخليج بعلاقات اقتصادية قوية مع الهند، وتحتضن جاليات مهاجرة كبيرة من جنوب آسيا، ولهذا السبب فإن لها مصلحة راسخة في تهدئة التوترات في هذه المنطقة.
كما تشارك دول الخليج قوى إقليمية أخرى هذا الاهتمام بما فيها إيران التي تجاور باكستان لكنها تتمتع بعلاقات أكثر دفئًا مع الهند.
ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، زار وزير الخارجية الإيراني كلًا من إسلام آباد ونيودلهي لعرض المساعدة الإيرانية في جهود خفض التصعيد.
كما حثت منظمة التعاون الإسلامي، المؤلفة من دول ذات أغلبية مسلمة، على خفض التصعيد، لكنها دعمت موقف باكستان بشأن كشمير.
وبعد هجوم الهند على باكستان يوم الأربعاء، أصدرت منظمة التعاون الإسلامي بيانًا أعربت فيه عن “قلقها العميق إزاء تدهور الوضع الأمني في جنوب آسيا”، ووصفت مزاعم الهند ضد باكستان بأنها “بلا أساس”.
ومن اللافت للنظر أن منظمة التعاون الإسلامي أكدت أن النزاع المستمر حول كشمير هو جوهر القضية، حيث تسبب الصراع على هذه الولاية الأميرية السابقة المقسمة في ثلاث حروب بين الهند وباكستان في أن تتهم كل دولة الأخرى باحتلال المنطقة الواقعة تحت سيطرتها.
إذ تُصرّ الهند حاليًا على أن المنطقة “جزء لا يتجزأ” من سيادتها، بينما تدعو باكستان إلى إجراء استفتاء يشمل الجزء الخاضع لسيطرتها من كشمير لمنح الكشميريين حق تقرير المصير.
وأيدت منظمة التعاون الإسلامي الموقف الباكستاني بإعلانها أن الكشميريين “لا يزالون محرومين من حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير”.
لكن الهند ردت بشدة على هذا الموقف، حيث قال متحدث باسم الحكومة “هذه محاولة أخرى من جانب باكستان، الدولة التي انخرطت منذ فترة طويلة في الإرهاب عبر الحدود، للتلاعب بمنظمة التعاون الإسلامي وتضليلها لإصدار بيان يخدم مصالحها الذاتية”.