بقلم سين ماثيوز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
خلال زيارته الحالية، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعمل على إنشاء متجر في منطقة الخليج الغنية بالنفط، حاملاً بضاعته من الأسلحة عالية التقنية ورقائق الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا النووية.
تركز زيارة ترامب على الصفقات التجارية ولذلك تم تأطيرها على أنها اقتصادية أكثر من كونها جيوسياسية، فنهج ترامب القائم على الصفقات في التعامل مع السياسة الخارجية يسلط الضوء على حقيقة أعمق حول النظام العالمي الحالي.
في ظل الاقتصاد العالمي الهش، تتدافع البلدان للحصول على الاستثمارات وتقاتل من أجل كل قرش يمكنها الحصول عليه، فقبضة الولايات المتحدة الخانقة على التكنولوجيا المتقدمة من الأسلحة إلى الذكاء الاصطناعي لم تعد كما كانت من قبل.
في مقابلة له مع ميدل إيست آي، أوضح سفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية، تشاس فريمان، بأن “الحقيقة الأساسية هي أنه في العديد من مجالات التكنولوجيا، بما في ذلك الدفاع، التي تعتقد الولايات المتحدة أنها تقودها، لم نعد نفعل ذلك”.
وقال: “على سبيل المثال، لم تعد الولايات المتحدة هي المنتج الأكثر تقدماً للطائرات بدون طيار، بل أصبحت الصين، فاحتكار التكنولوجيا المتقدمة الذي تقول واشنطن أنها يجب أن تدافع عنه لم يعد موجوداً كما كان من قبل”.
وفقاً لمعهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، فإن الولايات المتحدة باتت تتنازل عن ريادتها في التكنولوجيات الحيوية مثل الدفاع والفضاء والطاقة للصين، حيث ذكر تقرير المعهد الذي صدر في أغسطس عام 2024، أنه بين عامي 2003 و2007، تقدمت الولايات المتحدة في 60 نوع تكنولوجيا من أصل 64، لكن مكانتها تقلصت بسرعة لتتصدر 7 أنواع من التكنولوجيا فقط بين عامي 2019 و2023، مع تقدم الصين في الريادة في 57 نوع تكنولوجيا من أصل 64.
رغم ذلك، تظل هناك مخاوف حول نهج ترامب المتمثل في العمل أولاً في واشنطن، فعلى سبيل المثال، ضغط مجلس الأمن القومي التابع لترامب للتقليل من أهمية توقفه في الإمارات، كما لا يزال المسؤولون الأمريكيون يشعرون بالإحباط بسبب العلاقات الاقتصادية والعسكرية للإماراتيين مع الصين، حسبما قال مصدر أطلعه مجلس الأمن القومي لموقع ميدل إيست آي.
“هذه الإدارة ترتكز بالكامل على المعاملات، فترامب يفكر في الصفقات التي يمكنه إبرامها والتي تعزز وظائف التصنيع وتزيد من صافي أرباح الولايات المتحدة” – مسؤول أمريكي لموقع ميدل إيست آي
من جانب آخر، يشعر بعض مسؤولي الدفاع والمخابرات الأمريكيين بالقلق من أن ترامب، في اندفاعه لإبرام الصفقات، ربما يتجاهل المخاوف حول كيفية تأمين التكنولوجيا الكامنة وراء أنظمة الأسلحة الأمريكية والذكاء الاصطناعي من الصين التي لديها شراكة اقتصادية وثيقة مع دول الخليج.
على سبيل المثال، لم تحل إدارة بايدن أبداً الخلافات مع الإمارات حول بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35، مشيرة إلى مخاوف حول علاقات الإمارات مع بكين، لكن محللين ومسؤولين أمريكيين سابقين أشاروا إلى أن هذه الصفقة قد تعود إلى الطاولة، حيث يبحث الرئيس الأمريكي عن أوامر من شأنها تعزيز أعداد الوظائف الأمريكية.
وتعد إحدى الصفقات الأكثر حساسية والتي تتقدم بها إدارة ترامب هي مسعى مشترك بين شركة صناعة الأسلحة المملوكة للدولة في الإمارات “إيدج” وشركة “جنرال أتوميكس” الأمريكية، والتي ستشهد قيام الشركة الإماراتية بدمج صواريخها الدقيقة في منصة MQ-9B SkyGuardian، ورغم الترخيص بالصفقة، إلا أن العمل عليها لم يكتمل بعد، وقد يستغرق الأمر عاماً حسبما صرح مسؤول أمريكي لموقع ميدل إيست آي.
هل يهتم ترامب بالتفوق العسكري الإسرائيلي؟
في الوقت الذي يضع فيه ترامب أرقام المبيعات قبل الاعتبارات السياسية التقليدية، فإنه يثير بذلك غضب حلفائه التقليديين الذين اعتادوا على وجود حق النقض على المبيعات بحكم الأمر الواقع.
أشارت إدارة ترامب في إبريل الماضي إلى أنها تحولت من النظر إلى بيع التكنولوجيا النووية المدنية للسعودية كوسيلة لإغراء الرياض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلى النظر إليها كصفقة تجارية يمكن أن تمنح الشركات الأمريكية شريحة من 80 مليار دولار هي كلفة البرنامج النووي للسعودية.
ينطبق الشيء نفسه على بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى السعودية، فقد ذكرت وكالة رويترز أنه ولأول مرة، فإن الولايات المتحدة سوف تناقش بيع الطائرات المقاتلة المذكورة مع المملكة، وهي صفقة تثير أعصاب إسرائيل بطبيعة الحال، حيث أن أن بيع الطائرات المقاتلة الأكثر تقدماً في الولايات المتحدة كان بهدف ربط المملكة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في ظل إدارة بايدن، ولكن اليوم تم حذف التطبيع من جدول أعمال رحلة ترامب هذه!
من جهة أخرى، تتمتع إسرائيل منذ فترة طويلة بنفوذ كبير على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الدول العربية وتركيا، وذلك من خلال التزام الولايات المتحدة بما يسمى التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على جيرانها، وهو مكتوب في القانون الأمريكي ويعد حجر الأساس للشراكات بين البلدين منذ سبعينيات القرن العشرين.
في حديثه لميدل إيست آي، قال مدير قسم الشرق الأوسط في مجموعة DGA-Albright Stonebridge Group الاستشارية، بريم كومار: “لست متأكداً مما إذا كان ترامب ما يزال ملتزماً بالتفوق العسكري النوعي الإسرائيلي، لكن عليه أن يستجيب للكونغرس، فقد يكون هناك طرق يمكنه من خلالها المضي قدماً في مبيعات الأسلحة هذه مع حدود تكنولوجية لمعالجة المخاوف حول التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي”.
“وقف مبيعات الأسلحة”
سوف يتعين على ترامب الضغط إذا أراد تحقيق هدفه الذي فرضه على نفسه بالحصول على استثمارات بقيمة تريليون دولار من السعودية والإمارات وقطر، ومن الناحية النظرية، فإن تريليون دولار كانت القيمة الإجمالية للناتج المحلي الإجمالي للسعودية في عام 2024.
أكد مسؤول أمريكي شارك في الزيارة لموقع ميدل إيست آي بالقول: “هذه الإدارة ترتكز بالكامل على المعاملات، فترامب يفكر في الصفقات التي يمكنه إبرامها والتي تعزز وظائف التصنيع وتزيد من صافي أرباح الولايات المتحدة”.
إن الثمرة القريبة بالنسبة لترامب هي قطع صفقات الأسلحة، فقد شعرت دول الخليج بالإحباط من النهج البطيء الذي اتبعته إدارة بايدن في الموافقة على مبيعات الأسلحة، فيما وضع ترامب الأساس لزيارته بإصدار أمر تنفيذي الشهر الماضي يسعى لتبسيط عملية المبيعات العسكرية الأجنبية.
لطالما تعرضت عمليات نقل الأسلحة الأمريكية للتدقيق، خاصة من قبل نشطاء حقوق الإنسان الذين يشعرون بالقلق إزاء كيفية استخدام الحكومات الأجنبية للأسلحة، ومن الموالين لترامب الذين يعتنقون قيم “أمريكا أولاً”.
بالنسبة لمجموعة الموالين، فقد تعرضت إسرائيل ومصر لانتقادات بسبب حصولهما على مليارات الدولارات من الأسلحة الممولة من دافعي الضرائب الأمريكيين، أما دول الخليج، فهي تدفع ثمن منتجاتها.
أكد مسؤول عسكري أمريكي يعمل على ملف العلاقات مع السعودية لموقع ميدل إيست آي بأن إحدى نقاط حوار ترامب في الرياض وعواصم الخليج الأخرى تشمل خطته لتسريع المبيعات العسكرية الأجنبية، كما ستعمل وزارة الدفاع الأمريكية على معالجة المخاوف حول الكشف الأجنبي عن التقنيات الحساسة وغيرها من الأمور بحلول الصيف.
لا يضيع ترامب الوقت أبداً، فقد قام بالفعل بتسريع سلسلة من الصفقات التي كانت متوقفة في ظل إدارة بايدن السابقة، حيث أكد أحد المسؤولين الأمريكيين لموقع ميدل إيست آي بالقول: “توقفت فترات التوقف عن مبيعات الأسلحة، والآن كل شيء على ما يرام”.
في مارس الماضي، أخطرت الولايات المتحدة الكونغرس حول بيع أنظمة أسلحة متطورة للقتل الدقيق إلى السعودية، وفي مايو الحالي، قدمت إدارة ترامب إشعاراً حول بيع صواريخ جو-جو متقدمة.
علاوة على ذلك، تعمل إدارة ترامب على تسريع عملية بيع طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper بقيمة 20 مليار دولار إلى السعودية، في صفقة كانت قيد المناقشة منذ عام 2018، ويتوقع أن يتم إبرامها في عهد ترامب.
في فبراير الماضي، صرح رئيس شركة جنرال أتوميكس، الشركة المنتجة لطائرات MQ-9، بأن الصفقة “سوف تؤدي إلى عشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة”.
دول الخليج تريد رقائق ذكاء اصطناعي
منذ التقى الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت بالملك السعودي عبد العزيز آل سعود عام 1945، كانت مبيعات الأسلحة والطاقة حجر الأساس لعلاقات الولايات المتحدة مع ملوك الخليج، حيث أسفر ذلك اللقاء التاريخي إلى شراكة النفط مقابل الأمن التي استمرت لعقود من الزمن.
والآن، تتطلع دول الخليج إلى الريادة في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وتصنيع أشباه الموصلات والمعادن المهمة، ففي الوقت الذي يتذبذب فيه الاقتصاد العالمي، يمكن لملوك الخليج أن يلجأوا إلى صناديق الثروة السيادية التي تمتلك تريليونات الدولارات للقيام باستثمارات.
تعمل المملكة على تقليص مشاريعها مثل نيوم، المدينة الصحراوية الضخمة، وبدلاً من الهدف المتمثل في أن يعيش هناك 1.5 مليون شخص بحلول عام 2030
وقد كشفت الولايات المتحدة عن عملية استثمار “سريعة المسار” لـ “الحلفاء” الذين حددتهم الولايات المتحدة، مؤكدة أن البوابة الجديدة سوف تسمح للمستثمرين الأجانب بتقديم معلوماتهم أمام لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة قبل أي صفقة.
وتحرص دول الخليج على الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات الأمريكية، فقد وضعت الإمارات نفسها في قلب الاندفاع العالمي لبناء مراكز البيانات، التي تضم أجهزة الكمبيوتر العملاقة والرقائق التي تدير الذكاء الاصطناعي، حيث تعهد مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد في مارس الماضي باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل.
في السابق، فرضت إدارة بايدن قيوداً على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، لكن إدارة ترامب أشارت إلى استعدادها لتخفيف القواعد، وتعد الشركات الأمريكية مثل AMD وNvidia وMicrosoft وGoogle وOpenAI رائدة في هذا المجال، وقد أبرم العديد منها صفقات مع دول الخليج.
الصراع من أجل الاستثمارات
المفارقة هي أنه حتى ملوك الخليج يعانون من ضغوط شديدة، حيث يرى الخبراء بأن دول الخليج، خاصة السعودية، سوف تحتاج إلى حوافز جدية لاستثمار مئات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة، وقد يعود ترامب إلى واشنطن بوعود ورقية أكثر من صفقات حقيقية.
أثارت زيارة ترامب إلى قطر جدلاً حول أنباء عن اعتزامه قبول طائرة بوينغ فاخرة من طراز 747 سوف يتم تحديثها لاستخدامها كطائرة للرئاسة ويحتفظ بها ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض
تحاول السعودية يائسة إقناع المستثمرين الأجانب بالانضمام إلى رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، بل بالعكس فقد انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر للمملكة العام الماضي إلى أدنى مستوى له منذ عام 2020 خلال جائحة كوفيد.
وفي أكتوبر الماضي، أعلن محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، بأنه يعتزم خفض استثمارات المملكة الخارجية بشكل كبير والتركيز على السوق المحلية.
تعمل المملكة على تقليص مشاريعها مثل نيوم، المدينة الصحراوية الضخمة، وبدلاً من الهدف المتمثل في أن يعيش هناك 1.5 مليون شخص بحلول عام 2030، يتوقع المسؤولون السعوديون الآن أقل من 300 ألف ساكن، كما سوف يتم الانتهاء من 2.4 كيلو متر فقط من “لاين سيتي” البالغ طولها 170 كيلومتراً بحلول عام 2030.
من ناحية أخرى، فقد انخفضت أسعار النفط نحو 14% هذا العام، حيث دفع ترامب السعودية وأوبك+ إلى خفض أسعار الطاقة في وقت سابق من هذا العام، وفي إبريل الماضي، أعلن تحالف الطاقة عن خفض مفاجئ، حيث أرادت السعودية معاقبة أعضاء التحالف الذين تجاوزوا حصص الإنتاج الخاصة بهم، وبذلك يعد الانخفاض هذا فوزاً بالنسبة لترامب خلال زيارته للرياض.
ويخلق انخفاض أسعار النفط مشاكل للسعودية، فقد جرى تداول خام القياس العالمي برنت مرتفعاً 1.46% مؤخراً عند 64.84 دولاراً للبرميل، أي ما يقرب من نصف القيمة التي تحتاجها المملكة لموازنة ميزانيتها.
إضافة إلى ذلك، فقد أعلنت أرامكو بأنها سوف تخفض أرباحها بمقدار 10 مليارات دولار، ولتعويض النقص في الإيرادات، اتجهت السعودية إلى إصدار مبالغ ضخمة من الديون.
بالنسبة لرئيس يجعل كل السياسة شخصية، فقد حقق ترامب بالفعل بعض النجاح مع الحديث عن زيارته للمنطقة، حيث أثارت زيارة ترامب إلى قطر جدلاً حول أنباء عن اعتزامه قبول طائرة بوينغ فاخرة من طراز 747 سوف يتم تحديثها لاستخدامها كطائرة للرئاسة ويحتفظ بها ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض.
إضافة إلى ذلك، فقد دعمت شركة عقارية تديرها الحكومة القطرية خطة منظمة ترامب لبناء منتجع جولف فاخر بالقرب من الدوحة، وفي مايو الحالي، أكد إريك، نجل ترامب، بأن العائلة الحاكمة في الإمارات وافقت على استخدام عملة مستقرة تدعمها شركة عائلة ترامب لإجراء صفقة بقيمة ملياري دولار.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)