المحادثات النووية بين طهران وواشنطن: نافذة واقعية لاتفاق متبادل يجنّب الحرب ويعيد التوازن

بقلم سيد حسين موسويان

ترجمة وتحرير مريم الحمد

من المقرر أن تعقد الجولة الرابعة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة قريباً في عمان، بعد أن بدت الجولات الثلاث السابقة من المفاوضات في مسقط وروما بناءة، مما جعل الجانبين أقرب إلى أرضية مشتركة.

من جانبه، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ثقته في أنه “سيتم التوصل إلى اتفاق”، مشيراً إلى أن عمليات التفتيش يمكن أن تمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، وعلى حد قوله”عليك أن تتحقق 10 مرات”.

مصدر القلق الرئيسي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني يتلخص في مستويات التخصيب التي تبلغ 60%، والتي تقترب من مستوى تصنيع الأسلحة، ولذلك فإن خفض هذا المستوى إلى أقل من 5% كفيل بأن يعالج هذا القلق

لقد كان هذا الاتجاه السياسي والتقدم الذي أحرزته المحادثات سبباً في إثارة غضب إسرائيل، حيث أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن “النموذج الليبي” فقط سيكون مقبولاً، وهو المخطط الذي أدى إلى تفكيك البرنامج النووي للدولة ومهد الطريق للتدخل العسكري وتدمير البلاد.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، فإن قرار ترامب بإقالة مستشاره للأمن القومي، مايكل والتز، استند جزئياً إلى قرار الأخير بأن يناقش مع نتنياهو السيناريوهات المحتملة التي قد يتم فيها تنفيذ ضربات عسكرية على إيران.

في الوقت نفسه، أوضح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مقابلة متلفزة بأن إيران هي “الدولة الوحيدة غير الحائزة للأسلحة النووية في العالم والتي تقوم بتخصيب اليورانيوم”، وبالتالي يجب على طهران أن تتخلى عن برنامجها، وقد طالب ترامب منذ ذلك الحين بـ”التفكيك الكامل” لبرنامج إيران النووي، بحجة أن إيران لديها “الكثير من النفط” لدرجة أنها لا تحتاج إلى الطاقة النووية!

من الواضح أنه ومع الفوضى السياسية المستمرة في واشنطن، فإن فرص ترامب في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في تضاؤل، خاصة مع تعرض كل الأبواب أمام التقارب المحتمل لخطر الإغلاق.

لا تزال أمام ترامب فرصة تاريخية للتوصل إلى اتفاق، اتفاق يمكن أن يضمن عدم حصول إيران على قنبلة نووية أبداً ويمهد الطريق لتحسين العلاقات بين واشنطن وطهران، إلا أن مثل هذه النتيجة تتطلب فهماً واقعياً لأربع حقائق أساسية.

مرافق تخصيب اليورانيوم

أولاً، يجب أن يرتكز أي اتفاق نووي على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، حيث تؤكد المادة الرابعة من المعاهدة على “الحق غير القابل للتصرف لجميع الأطراف في المعاهدة في تطوير أبحاث وإنتاج واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية دون تمييز”، وتشير إلى أن على جميع الأطراف “التعهد بتيسير تبادل المعدات والمواد والمعلومات العلمية والتكنولوجية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ولهم الحق في المشاركة فيه”.

ثانياً، تمتلك العديد من الدول غير الحائزة على الأسلحة النووية والمنضمة إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، بما في ذلك اليابان والبرازيل وألمانيا، منشآت للتخصيب. 

ثالثاً، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي من وضعت الأسس للصناعة النووية الإيرانية قبل ثورة عام 1979، كما تصور الشاه أن يكون لديها 20 محطة للطاقة النووية بحلول عام 1994، وبالتالي، فإن الحجة القائلة بأن احتياطيات النفط الإيرانية تنفي الحاجة إلى الطاقة النووية هي حجة معيبة.

ومن الجدير بالذكر أن الإمارات، حليفة الولايات المتحدة ودولة رئيسية في إنتاج النفط ويبلغ عدد سكانها حوالي عُشر سكان إيران، تدير 4 مفاعلات نووية، في حين تدير إيران واحداً فقط، كما أن الولايات المتحدة تتفاوض مع السعودية حول صناعة التخصيب النووي رغم كون الأخيرة واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم.

أخيراً، وفيما يتعلق باقتراح روبيو بأن إيران يمكنها ببساطة استيراد الوقود النووي، فهنا أذكر أني عندما شاركت في المحادثات النووية مع الدول الأوروبية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كانت إيران في تلك الفترة على استعداد للتخلي عن طموحاتها النووية واسعة النطاق والامتناع عن التخصيب إذا قدمت الولايات المتحدة وقود المفاعلات واحترمت الدول الأوروبية عقودها التي أبرمتها قبل الثورة لتوفير المفاعلات والوقود، إلا أن الولايات المتحدة رفضت العرض، الأمر الذي دفع إيران نحو الاكتفاء الذاتي من الوقود النووي.

اتفاق نووي واقعي

إن الحل الواقعي اليوم لابد أن يتكون من عدة محددات، فمصدر القلق الرئيسي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني يتلخص في مستويات التخصيب التي تبلغ 60%، والتي تقترب من مستوى تصنيع الأسلحة، ولذلك فإن خفض هذا المستوى إلى أقل من 5% كفيل بأن يعالج هذا القلق.

 ينبغي لطهران وواشنطن أن تتفقا على التفاوض حول أجندة شاملة لرفع كافة العقوبات الأمريكية مع المضي نحو معاهدة نووية ثنائية رسمية تؤكد مكانة إيران كدولة غير نووية وتعاون اقتصادي ووساطة أمريكية لحل التوترات بين إسرائيل وإيران والحوار لحل النزاعات الإقليمية على أساس الاعتراف المتبادل بالمصالح المشروعة 

أما القضية الرئيسية الثانية فتتعلق بتعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أن تنفيذ البروتوكول الإضافي، الذي يوفر أدوات محددة للتحقق، شوف يزيد من قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ضمان الاستخدام السلمي لكل المواد النووية في إيران.  

أما مصدر القلق الثالث، فيتمثل في مخزون إيران من أكثر من 270 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي لصنع 6 قنابل نووية، ولذلك فإن موافقة إيران على تصدير هذا المخزون أو تحويله يمكن أن يخفف المخاوف، كما أنه من الممكن أن تتفق إيران والولايات المتحدة على أن تحتفظ إيران بالوقود النووي المنتج للاستهلاك المحلي فقط وتصدير أي فائض.

وفي الجولة الرابعة المقبلة من المحادثات، إن حصلت بالفعل، فمن المحتمل أن تتفاوض الولايات المتحدة وإيران على تمديد بعض القيود المفروضة على برنامج التخصيب النووي الإيراني، والمعروفة باسم “أحكام الغروب”،لمعالجة المخاوف حول قدرة إيران المحتملة على الحصول على الأسلحة النووية، شريطة أن ترد الولايات المتحدة بالمثل بتخفيف حقيقي للعقوبات.

وتستند بعض الضغوط التي يتعرض لها ترامب إلى فكرة مفادها أنه يتعين عليه أن يعقد صفقة أفضل من تلك التي توصل إليها الرئيس السابق باراك أوباما، والحقيقة هي أنه من خلال انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018، فقد تسبب ترامب في أضرار بمليارات الدولارات لإيران، وفي أي صفقة جديدة عادلة، سوف يتم التعويض عن هذه الأضرار رغم أن الولايات المتحدة في الغالب لن توافق على مثل هذه البنود.

ومن المقرر أن يقوم الرئيس ترامب بزيارة إلى السعودية وقطر والإمارات في منتصف شهر مايو، في الوقت الذي سيدعو فيه محمد بن سلمان قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست لاجتماع مشترك مع ترامب، كما سيشمل اللقاء دعوة قادة إقليميين آخرين لمناقشة أمن هذه المنطقة.

علاوة على ذلك، وعلى هامش هذا الاجتماع، يمكن لبن سلمان أيضاً تنسيق لقاء بين الرئيس ترامب والرئيس الإيراني بيزشكيان، يمكن من خلاله توقيع الرئيسين على المبادئ المتفق عليها في 3 جولات من المحادثات النووية بين مبعوثيهما عباس عراقجي وستيف ويتكوف.

في نهاية المطاف، ينبغي لطهران وواشنطن أن تتفقا على التفاوض حول أجندة شاملة لرفع كافة العقوبات الأمريكية مع المضي نحو معاهدة نووية ثنائية رسمية تؤكد مكانة إيران كدولة غير نووية وتعاون اقتصادي ووساطة أمريكية لحل التوترات بين إسرائيل وإيران والحوار لحل النزاعات الإقليمية على أساس الاعتراف المتبادل بالمصالح المشروعة وخريطة طريق نحو خفض التصعيد الإقليمي وإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية.

هذا المسار، إن تم وفق التوصيف أعلاه، فسوف يزيد من فرص النجاح في الدبلوماسية ويساعد في منع الولايات المتحدة من الانجرار إلى حرب مدمرة أخرى في المنطقة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة