بريطانيا وحماس: هل آن أوان إعادة النظر في التصنيف الإرهابي؟

بقلم آفي شلايم

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد أثار هجوم 7 أكتوبر في إسرائيل تسونامي من الغضب، حيث تسبب في تأجيج دعوات حادة للانتقام ومطالبات بالتطهير العرقي في غزة وإجماع وطني على دعم القضاء التام على حماس، فكانت النتيجة أطول حرب وأكثرها فتكاً وتدميراً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

تعد حماس حركة اجتماعية وتنظيماً سياسياً له جناح عسكري هو كتائب القسام، والذي صنفته الحكومة البريطانية كمنظمة إرهابية في مارس عام 2001.

بعد ذلك في نوفمبر عام 2021، أضافت وزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل الحركة بجناحها السياسي إلى قائمة الجماعات المحظورة، فكان ذلك القرار بمثابة تراجع مفاجئ عن سياسة الحكومة السابقة، التي ميزت بوضوح بين جناحي حماس السياسي والعسكري، وقد بررت باتيل التي تعد من أشد المؤيدين لإسرائيل، بأنك القرار السابق لم يكن مقنعاً برأيها فالتمييز بين الجناحين لم يعد قابلاً للاستمرار على حد قولها.

يذكر أنه في أغسطس عام 2017، وبصفتها وزيرة الدولة للتنمية الدولية، ذهبت باتيل في رحلة إلى إسرائيل برفقة اللورد بولاك، الرئيس الفخري لأصدقاء إسرائيل المحافظين وأحد القائمين على جمع التبرعات لحزب المحافظين، كما عملت سابقاً كمسؤولة في المجموعة البرلمانية لمجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين بين عامي 2011 و2014، وعقد بتلك الزيارات 12 اجتماعاً سرياً مع مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. 

عند عودتها، طلبت من مسؤوليها بحث إمكانية تحويل جزء من ميزانية المساعدات الخارجية لتمكين الجيش الإسرائيلي من القيام بأعمال إنسانية في مرتفعات الجولان المحتلة، ثم أُجبرت بعد ذلك على الاستقالة لإخفاء طبيعة رحلتها إلى إسرائيل والغرض منها.

جدلية لا أساس لها

في عام 2019، أعاد رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون تأهيل باتيل من خلال تعيينها وزيرة للداخلية، فشاركت جونسون وجهة نظرها عن الصراع في الشرق الأوسط، والذي ترى فيه أن إسرائيل تمثل قوى النور والفلسطينيون يمثلون قوى الظلام. 

لم تقف بريطانيا كمتفرج بريء على الإبادة الجماعية التي تتكشف أمام أعيننا في غزة، ولا يجب أن ننسى بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد تم صنعه في بريطانيا أصلاً

الملفت وقتها أنه لم يتم الإعلان عن تغيير السياسة تجاه حماس من قبل وزير الخارجية، بل من قبل وزيرة الداخلية آنذاك، حيث صرحت باتيل بأن تصنيف حماس بأكملها كمنظمة إرهابية يجب أن يُنظر إليه من خلال منظور محلي، وهذا سوف يساعد في حماية اليهود في هذا البلد، وهذه الحجة لا أساس لها من الصحة لأن حماس لا تنفذ عمليات خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وليس لها وجود في بريطانيا ولا تشكل أي تهديد لليهود البريطانيين في هذا البلد!

تميز “وثيقة المبادئ والسياسات العامة” الصادرة عن حماس لعام 2017 بوضوح بين اليهودية كدين والصهيونية كمشروع سياسي، وتؤكد على أن صراع حماس مع إسرائيل هو بسبب الاحتلال وليس الدين، وتنص على أنها سوف تقبل بإقامة دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967 دون الاعتراف بإسرائيل.

في ضوء ذلك، أصدرت حماس مؤخراً تعليماتها لشركة “ريفرواي” للمحاماة في لندن بتقديم طلب إلى وزير الداخلية لإزالة تصنيف الحكومة للحركة كمجموعة إرهابية محظورة والاعتراف بدورها المشروع كحركة مقاومة فلسطينية منخرطة في النضال من أجل تقرير المصير والتحرير.

وقد كنت أنا من بين 19 خبيراً يدعمون هذا التقديم القانوني من خلال تقارير حول تاريخ وسياق سلب ممتلكات الفلسطينيين، حيث يصف تقريري الدور المركزي الذي لعبته بريطانيا في تسهيل هذا السلب منذ وعد بلفور عام 1917 وحتى الوقت الحاضر. 

لقد اعتمدت وسائل الإعلام الغربية بشكل كبير على الرواية الإسرائيلية لأحداث 7 أكتوبر، بما في ذلك ادعاءاتها الكاذبة التي لا تعد ولا تحصى والافتراءات الصريحة مثل قصة  قطع رؤوس 40 طفل، بينما لم تتناول الجانب الفلسطيني من القصة بشكل كافٍ. 

وتؤكد حماس أنها مستعدة للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وأي طرف ثالث محايد في إجراء تحقيق مستقل وشفاف في أحداث ذلك اليوم، وهو موقف يتناقض بشكل كبير مع منع إسرائيل دخول الصحفيين إلى غزة ورفضها السماح بإجراء تحقيق مستقل في الفظائع وجرائم الحرب التي ترتكبها قواتها.

من المهم وضع هجوم 7 أكتوبر في سياقه الصحيح، فهو لم يأتِ من فراغ، فقد حدث كردة فعل على خلفية عقود من الاحتلال العسكري الوحشي والخانق، كما أن الفلسطينيين كشعب يعيشون تحت احتلال عسكري غير قانوني ولذلك لهم الحق في المقاومة بما فيها المقاومة المسلحة.

وتعد الحرب على غزة اليوم المرحلة الأخيرة والأكثر قسوة في هذا المسار الاستعماري طويل الأمد لتهجير الشعب الفلسطيني وسلب ممتلكاته وتطهيره عرقياً

الحقيقة أن وصف قادة حماس السياسيين بأنهم إرهابيون يمنح إسرائيل حرية إلحاق الموت والدمار بغزة دون إخضاعها للمساءلة، كما يقف التأطير الإرهابي أيضاً في طريق فهم أكثر توازناً ودقة لتاريخ حماس ودوافعها وسياساتها ومبادئها.

سياق مهم

إن جانب حماس من هذه القصة نادراً ما يُسمع في الغرب، إلا أنه يشكل سبباً مقنعاً لإزالة جناحها السياسي من قائمة المنظمات المحظورة، وفيما يلي بعض الحقائق المهمة جداً.

في يناير عام 2006، حققت حماس نجاحاً كان واضحاً في انتخابات نزيهة وحرة في عموم فلسطين وشرعت في تشكيل الحكومة، ولكن رفضت إسرائيل الاعتراف بهذه الحكومة ولجأت إلى سلسلة من الإجراءات الصارمة لتقويضها بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

في مارس عام 2007، شكلت حماس حكومة وحدة وطنية مع منافستها فتح، إلا أن إسرائيل رفضت التفاوض معهم، وبدلاً من ذلك، شجعت إسرائيل والولايات المتحدة حركة فتح على تنظيم انقلاب لطرد حماس من السلطة، فاستبقت حماس انقلاب فتح بالاستيلاء على السلطة في غزة، الأمر الذي أدى إلى قيام إسرائيل بفرض حصار على القطاع كشكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يحظره القانون الدولي، وقد ظل سارياً لمدة 16 عاماً قبل هجوم أكتوبر عام 2023. 

لطالما كان التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري لحماس أمراً مهماً على الدوام، فقد كان قرار باتيل بحظر حماس برمتها بمثابة خطوة ذات دوافع سياسية تتجاهل الطريق الديمقراطي الذي سلكته حماس إلى السلطة واعتدالها السياسي المتنامي بمجرد وصولها إلى السلطة.

علاوة على ذلك، فإن تصوير حماس برمتها كمنظمة إرهابية قد ساهم في تعزيز موقف إسرائيل المتشدد ورفضها للتفاوض واعتمادها على القوة العسكرية الغاشمة، بل في الواقع، فإن الحظر الذي فرضته بريطانيا والقوى الغربية الأخرى كان بمثابة تأييد لرفض إسرائيل وضع استعداد حماس للتوصل إلى تسوية على الطاولة كفكرة حتى. 

على الأرض، يصف جنرالات إسرائيل الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة في غزة منذ عام 2008 بأنها عمليات “جز عشب”، وتحت هذا العنوان القاتم هناك دائماً احتمال لحرب قادمة قريبة، حتى وصلنا إلى جريمة الإبادة الجماعية بعد 7 أكتوبر. 

من جانبها، لم تقف بريطانيا كمتفرج بريء على الإبادة الجماعية التي تتكشف أمام أعيننا في غزة، ولا يجب أن ننسى بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد تم صنعه في بريطانيا أصلاً، حيث كانت بريطانيا هي القوة الاستعمارية التي مكنت الحركة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية من الشروع في الاستيلاء الممنهج على فلسطين. 

وتعد الحرب على غزة اليوم المرحلة الأخيرة والأكثر قسوة في هذا المسار الاستعماري طويل الأمد لتهجير الشعب الفلسطيني وسلب ممتلكاته وتطهيره عرقياً، فحماس شريحة حيوية من المجتمع الفلسطيني وطليعة مقاومته للاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، ولذلك فإن توصيف الجناح السياسي لحماس مهم في تشكيل خطوة صغيرة نحو تصحيح خطأ تاريخي هائل.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة