الاحتلال يرحّل ناشطتين أوروبيتين وثّقتا عنف المستوطنين في مسافر يطا

مؤخراً، تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ترحيل نشطاء دوليين كانوا يوثقون عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في مسافر يطا جنوب الضفة الغربية المحتلة.

في 31 مايو الماضي، اعتقلت المواطنة السويدية سوزان بيورك والمواطنة الأيرلندية ديردري ميرفي في قرية خلة الضبعة، حيث كانتا تصوران هجمات المستوطنين ضد سكانها الفلسطينيين، وقد وصلت كل من الناشطتين المقيمتين في المملكة المتحدة، بعد أسابيع من هدم الجرافات الإسرائيلية للقرية الصغيرة، فيما وصفه السكان بأنه “أكبر عملية هدم” شهدتها القرية على الإطلاق. 

بعد فترة وجيزة، داهم المستوطنون القرية وأجبروا العائلات على الخروج من منازلهم وأقاموا بؤرة استيطانية غير قانونية على أطراف التجمع، ومنذ ذلك الحين، يتعرض بقية سكان القرية لهجمات المستوطنين اليومية.

“كنا سائحتين نوثق جرائم حرب فقط، وعندما سألت أحد الجنود عن سبب كونهم ملثمين، قال (إذا لم نكن ملثمين، فسيكون من الصعب علينا السفر إلى الخارج)، فهم يعترفون بارتكاب جرائم حرب” – سوزان بيورك- ناشطة سويدية

في حديثها لميدل إيست آي، تقول بيورك: “كان النساء والأطفال يخرجون من منازلهم بسبب المضايقات، ثم يأتي المستوطنون بأغنامهم ويطوفون على المنازل لترويع الأهالي”.

وفي 30 مايو، أثناء محاولتها توثيق ذلك، تعرضت بيورك للاعتداء من قبل المستوطنين الذين سرقوا هاتفها، فقالت: “كنا نصورهم ونتابعهم لساعات، ثم هاجمني اثنان منهم وسرقوا هاتفي” قبل وصول الشرطة الإسرائيلية برفقة الجيش إلى المكان، فأخذوا أقوالهما.

أمضت الناشطتان الليل في القرية، وفي صباح اليوم التالي، حوالي الساعة 6:30 صباحاً، أيقظهم 3 جنود ملثمون يطرقون الباب حيث أمروهم بالمغادرة لأنهم كانوا في “منطقة إطلاق النار”، وفي هذا تقول بيورك: “لقد أعطونا 10 ثوانٍ للخروج”، حيث أخذ الجنود جوازات سفرهما وأمروهما بجمع أمتعتهما ومغادرة المنزل الذي يقيمان فيه.

اضطرت الناشطتان للامتثال لتلك الأوامر بمغادرة القرية حتى يتمكنا من الذهاب إلى مركز الشرطة، وأثناء محاولتهم المغادرة، أوقفهما رجل يقود مركبة مدعياً أنه جندي ولكن دون أن تظهر شارة رسمية للقوات الإسرائيلية على ملابسه.

تقول بيورك: “لم يُعرِّف عن نفسه، ولذلك لم نمنحه جوازات سفرنا، لكنه لم يسمح لنا بمواصلة مغادرة منطقة إطلاق النار، لم يسمح لنا بالعودة إلى الجنود، ولم نكن نعرف من هو، لذلك اتصلت بالشرطة مرة أخرى”.

سياح يوثقون جرائم حرب!

وصلت الشرطة واقتادتهما إلى المركز حيث تم احتجازهما واستجوابهما، وتقول بيورك: “قالوا إننا لم نظهر هوياتنا عندما سئلوا، وبأننا لم نغادر المنطقة ولم نلتزم بالتعليمات”، وأثناء التحقيق معهما، تم إحضار صبيين فلسطينيين إلى المخفر، وهما مكبلي الأيدي ومقيدين، وفي وصف ذلك تقول بيورك: “سألناهم: ماذا تفعلون؟ هؤلاء أطفال، فقالوا: لا، إنهم إرهابيون، إنهم يركضون بسرعة كبيرة”.

تم إطلاق سراح بيورك ومورفي في تلك الليلة، ولكن طُلب منهما الحضور إلى سلطة الهجرة في مطار بن غوريون في اليوم التالي لحضور جلسة استماع، وفي المطار، قيل لهما أنهما إذا وافقتا على المغادرة طوعاً، فسوف يتم نقلههما عبر الحدود إلى الأردن لكنهما رفضتا لأنه لن يكون هناك أي أثر ورقي رسمي.

تم تهديدهم على إثر ذلك بالاحتجاز لمدة 72 ساعة قبل ترحيلهما، فقالت بيورك: “لقد كانوا قد اتخذوا قرارهم بالفعل حول الترحيل”، فتم استجوابهما وقيل لهما أنهما “قاما بترهيب وإذلال رجال الشرطة والجنود”، الأمر الذي علقت عليه بيورك بالقول: “قال لي ضابط الهجرة: أنا لا أصدق أي شيء تقولينه”.

“لقد تُرك الفلسطينيون لوحدهم، فهناك حاجة حقيقية إلى توفير بعض الحماية الدولية لهذه المجتمعات، فهم يتعرضون للمضايقة والاعتداء كل يوم، وبمجرد أن يتضامن معهم شخص ما ويحاول توثيق ذلك، يتم إقصاؤنا أيضاً” – سوزان بيورك- ناشطة سويدية

بعد ذلك، تم إخطار بيورك بأن تأشيرتها قد ألغيت، وأنها كانت هناك بشكل غير قانوني وأنها محتجزة الآن، فاختارت بيورك مغادرة الرحلة الأولى، فيما لا تزال مورفي محتجزة من أجل الطعن في الأمر.

تقول بيورك: “لقد أرادت مورفي البقاء رهن الاحتجاز لأننا لم نرتكب أي خطأ، فقد كان تقرير الشرطة مليئاً بمعلومات غير الدقيقة، وهي تريد تسليط الضوء على الظلم الذي ينطوي عليه الأمر برمته”.

بعد أيام من اعتقال بيورك ومورفي، أفاد باسل عدرا، المخرج المشارك في فيلم “لا أرض أخرى” والحائز على جائزة الأوسكار بأن الجنود الملثمين منعوا الصحفيين الدوليين من دخول خلة الضبعة.

أضافت بيورك بالقول: “هذا مجرد تكتيك يستخدمه الاحتلال لمنع أي شخص من محاولة توثيق ما يحدث لهذه المجتمعات، فقد كنا سائحتين نوثق جرائم حرب فقط، وعندما سألت أحد الجنود عن سبب كونهم ملثمين، قال (إذا لم نكن ملثمين، فسيكون من الصعب علينا السفر إلى الخارج)، فهم يعترفون بارتكاب جرائم حرب”.

سياسة جديدة

لقد واجهت قرية خلة الضبعة سنوات من عنف المستوطنين، فهي واحدة من 19 قرية فلسطينية تواجه خطر الهدم في مسافة يطا، والتي تم تحديدها “منطقة إطلاق نار” للتدريبات العسكرية في الثمانينيات.

في مايو عام 2022، ورغم الطعون المقدمة من قبل السكان، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن الفلسطينيين لا يعتبرون مقيمين دائمين، وبذلك أزالت المحكمة آخر العوائق القانونية التي كانت تحول دون ترحيلهم القسري، ومنذ ذلك الحين، تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدم المباني بحجة البناء غير القانوني في المنطقة التي يسكنها أكثر من 1000 ساكن فلسطيني.

منذ شن الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر عام 2023، تصاعدت هجمات المستوطنين وعمليات الهدم المدعومة من قبل الدولة بشكل كبير في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، في حين انتشرت البؤر الاستيطانية غير القانونية.

علاوة على ذلك، فقد استهدفت السلطات الإسرائيلية النشطاء الدوليين في الضفة الغربية المحتلة بترحيلهم خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، حتى أنه في عام 2024، أنشأ وزير الأمن الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير فرقة عمل خاصة “للتعامل مع الفوضويين الذين يضرون بأمن الدولة”. 

وقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية بأن فرقة العمل تشكلت رداً على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على المستوطنين وبؤرهم الاستيطانية غير القانونية.

وفقاً لمسؤول أمني مجهول نقلاً عن موقع الأخبار الإسرائيلي واينت، فإن “الفوضويين” المستهدفين يشملون “مواطنين أجانب يأتون إلى هنا من جميع أنحاء العالم مباشرة إلى الأراضي الفلسطينية ويقومون باستفزازات” ضد الجنود الإسرائيليين.

لقد كانت بيورك تسافر إلى الضفة الغربية المحتلة بانتظام على مدى العقد الماضي، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها الاعتقال والترحيل، فتقول: “لقد صُدمنا للغاية ويبدو أن هذه سياسة جديدة، ففي السابق، لم أحصل على منع من دخول الضفة الغربية المحتلة”.

ويأتي اعتقال مورفي وبيورك في أعقاب اعتقال جانيت أديري، وهي ناشطة بريطانية أخرى تم اعتقالها خلال تواجدها في قرية التواني في مسافر يطا، بعد أن ادعت الشرطة الإسرائيلية أنها دخلت “منطقة عسكرية مغلقة”.

وقد أشار تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأنه وأثناء استجوابها “تبين أنها نشرت مشاعر معادية للجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي وأنها تنتمي إلى منظمة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل”، ثم تم ترحيل أديري بعد فترة وجيزة.

وقد حذرت بيورك من أن اعتقال النشطاء ومنع الصحفيين من الوصول إلى الضفة الغربية المحتلة سوف يقلل من التدقيق في التهجير المتصاعد والمضايقات التي يتعرض لها الفلسطينيون هناك، فتقول: “لقد تُرك الفلسطينيون لوحدهم، فهناك حاجة حقيقية إلى توفير بعض الحماية الدولية لهذه المجتمعات، فهم يتعرضون للمضايقة والاعتداء كل يوم، وبمجرد أن يتضامن معهم شخص ما ويحاول توثيق ذلك، يتم إقصاؤنا أيضاً”.

مقالات ذات صلة