بعد سقوط الأسد: دمشق تستقبلني بالأمل والصمود رغم الخراب

بقلم ديانا دارك

ترجمة وتحرير مريم الحمد

منذ عام 2014، تم إدراجي على القائمة السوداء لدى نظام الأسد وذلك بسبب معارضتي الصاخبة المستمرة، ولكن بعد أن هبطت في مطار دمشق الدولي  مؤخراً شعرت بارتياح كبير لدخول سوريا الجديدة. 

من الواضح أن قِلة من النساء البريطانيات يسافرن بمفردهن إلى دمشق هذه الأيام، وذلك لأسباب ليس أقلها أن حكومة المملكة المتحدة ما زالت تصنف البلد بأكمله باعتباره منطقة “حمراء” وتنصح بعدم السفر وبالتالي إبطال أي تأمين للسفر.

بعد شراء التأشيرة، واجهت مشكلة في مكتب الهجرة في دمشق، حيث ظهر اسمي في القائمة السوداء على نظام الكمبيوتر، مما يعني أنه لا يمكنني الحصول على ختم جواز السفر والسماح لي بالدخول مثل أي شخص آخر. 

في عهد الأسد، تم رفض جميع طلباتي للحصول على التأشيرة بعد عام 2014، لكنني تمكنت من الدخول عام 2018 “تحت الرادار” إذا جاز التعبير كجزء من مجموعة دعتها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بموجب تأشيرة جماعية.

لقد كانت الزيارة في إبريل عام 2025 هي المرة الأولى التي أزور فيها سوريا منذ إبريل عام 2018، وعلى إثر ورود اسمي في القائمة السوداء تم نقلي إلى جزء آخر من المطار لإجراء مقابلة مع مسؤول أمني طلب التحقق من وجودي على قائمة الإنتربول، فضحكت بصوت عالٍ عندما فكرت في أنني قد أعتبر مجرمة دولية.

 في النهاية، سمح لي بالدخول بعد حوالي ساعة من التأخير، لكن المسؤول طلب مني الاتصال بمكتبه عند المغادرة للتأكد من حل الأمر بشكل نهائي.

طوال فترة إقامتي في دمشق، بقيت في المنزل الذي اشتريته في المدينة القديمة عام 2005، وقد جمع المنزل نصيبه العادل من قذائف الخرطوش الفارغة في الفناء، لكن المنزل لم يكن متضرراً، فمدينة دمشق القديمة، على عكس حمص وحلب، لم تتعرض للقصف الجوي من قبل نظام الأسد والقوات الجوية الروسية المتحالفة معه قط.

خلال السنوات القليلة الأولى من الحرب، كان منزلي بمثابة ملاذ لخمس عائلات لاجئة بعد أن دمرت منازلهم في الضواحي، وفي عام 2014، تمت سرقته مثل العديد من المنازل في جميع أنحاء سوريا من قبل الانتهازيين الجشعين الذين استغلوا أصحاب العقارات الغائبين، ولكني تمكنت من استعادته.

المتاحف مفتوحة ولكنها مهملة

لقد كانت انطباعاتي عن زيارتي الأخيرة انطباعات عن مدينة أنهكتها الحرب، ملوثة وقذرة ومختنقة بحركة المرور، مدينة كانت بنيتها التحتية في حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار، ومع ذلك، كان مزاج جميع أصدقائي إيجابياً جداً، فالأصدقاء الذين غادروا كلاجئين واستقروا في تركيا في عام 2012 بدؤوا يعودون مع عائلاتهم ويرون أن من واجبهم المساعدة في إعادة بناء البلاد، حيث تكثر فرص الاستثمار للمشاريع الصغيرة التي لا تعيقها العقوبات. 

عند زيارة المواقع الثقافية في دمشق، سواء في المدينة القديمة أو خارجها، وجدتها كلها مفتوحة تماماً كما كانت قبل الحرب، كما كانت المصاحف القيمة الموجودة في متحف النقوش العربية لا تزال مخزنة في قبو المتحف الوطني حيث تم نقلها لحفظها أثناء الحرب.

أما المتحف الوطني نفسه، فلم يفتح سوى أقسامه الكلاسيكية والهلنستية، رغم أنه قيل لي أنه سيتم إعادة فتح مناطق أخرى في الأسابيع المقبلة.

مررنا بقمة جبل الشيخ المهيبة المغطاة بالثلوج، والتي أصبحت الآن تحت السيطرة الإسرائيلية وهذا يشكل تحدياً آخر يواجه القيادة السورية الجديدة، وهو الاحتلال الإسرائيلي المستمر والاستيلاء على الأراضي

كان المتجر الموجود عند مدخل المتحف يبيع نفس الكتب ومغناطيس الثلاجة والبطاقات البريدية التي تعرفت عليها قبل الحرب، فيما لم تتغير الحدائق ولا المقهى، أما قصر العظمن فقد كان رائعاً كما عهدته وقد تمت صيانته بشكل جميل وكانت ساحاته غنية برائحة الياسمين والورود.

وفي الجامع الأموي، لاحظت تغيراً داخل الفناء، فهناك الآن سلاسل تصل إلى الخصر تقسم المساحة إلى مناطق مخصصة للنساء وأخرى للرجال، حيث يتم توجيه النساء إلى زاوية بعيدة للدخول إلى قاعة الصلاة، بينما يمكن للرجال الدخول مباشرة من مدخل باب البريد الرئيسي. 

ومثل هذا التقسيم يعني أنني، بالمعنى الدقيق للكلمة، لا أستطيع الذهاب لرؤية لوحة بردى، أجمل وأشهر مجموعة فسيفساء في المسجد.

في حمص، زرت مسجد خالد بن الوليد الذي تم ترميمه حديثاً، حيث رفض حارس هناك السماح لي بالدخول إلى قاعة الصلاة على الإطلاق رغم عباءتي المغطاة بغطاء الرأس، وأجبرني بدلاً من ذلك على الدخول إلى منطقة صغيرة محجوبة مخصصة للنساء من الصعب فيها رؤية بقية المسجد، وكانت تلك المرة الاولى التي شعرت فيها بعدم الترحيب بدخول لمسجد في سوريا منذ عام 1978.

صمود لافت

قمت بزيارة ثلاث كنائس خلال زيارتي، كنيسة حنانيا حيث كان للقديس بولس “تحوله الدمشقي”، ودير صيدنايا الذي يحمل نفس اسمه السجن المجاور سيء السمعة، وكنيسة أم الزنار في حمص التي أعيد بناؤها بعد قصف مكثف. 

تزامنت الزيارتان الأخيرتان مع أحد الشعانين، لذلك كانت الكنائس مزينة بسعف النخيل الحقيقي، كما تم الترحيب بأصدقائي المسلمين وإعطائهم أكياس البخور للبركة، وفي أم الزنار، شربوا الماء المقدس كما كان السلوك الطبيعي منذ فترة طويلة في سوريا، حيث كانت العلاقات الإسلامية المسيحية وثيقة تقليدياً.

ويعج سوق حمص اليوم بالنشاط بعد عودة اللاجئين الذين نزحوا إلى إدلب في عام 2014، حيث بدؤوا بترميم منازلهم وإعادة فتح متاجرهم.

في كنيسة حنانيا، كان هناك قداس في الكنيسة عند قدومنا، حيث تناوب رجل وامرأة من جماعة صغيرة مكونة من حوالي 15 شخصاً في قيادة الصلاة من أجل سلامة مجتمعهم ومستقبل سوريا.

ما زالت التقاليد متجذرة في هذه المجتمعات القلقة، فقد وُلِد العديد من الباباوات الأوائل في سوريا كما قام البابا يوحنا بولس الثاني بزيارة دمشق في عام 2001، حتى أنه دخل المسجد الأموي، وقد كان البابا الوحيد الذي عبر عتبة مسجد على الإطلاق.

عند مغادرتي في المطار، تلقيت تأكيداً بأن اسمي قد تمت إزالته رسمياً من القائمة السوداء مما يتيح لي العودة إلى سوريا في أي وقت.

بعد الإقلاع، مررنا بقمة جبل الشيخ المهيبة المغطاة بالثلوج، والتي أصبحت الآن تحت السيطرة الإسرائيلية وهذا يشكل تحدياً آخر يواجه القيادة السورية الجديدة، وهو الاحتلال الإسرائيلي المستمر والاستيلاء على الأراضي.

بعد سقوط الأسد، يبقى لنا أن نرى كيف ستبحر سوريا في المياه المتلاطمة المقبلة، ومن باب التفاؤل، فرغم المشاكل العديدة التي لا تزال تواجه البلاد، إلا أنني شعرت بالحماس والتفاؤل مع تفاؤل أصدقائي، الذين لديهم إرادتهم القوية للتوحيد وإعادة البناء، حيث يتمتع السوريون بقدرة ملحوظة على الصمود والقدرة على التكيف.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة