أثارت صورة كيس قهوة أُرسل إلى جنود الاحتلال في قطاع غزة، ويحمل رسالة تتضمن دعوة لاغتصاب الفلسطينيين، صدمة واسعة في أوساط المتابعين.
غير أن المشهد الذي يكشف عن عمق التحريض والعنف الممنهج ضد الفلسطينيين قوبل بتأييد مقلق من جمهور الاحتلال على الإنترنت.
وتمت صياغة الرسالة الصادمة بطريقة تُحاكي كتابة طفل، وحملت توقيعًا باسم “ميكال، الصف الثاني”، وكتب فيها: “اغتصبوهم في مؤخراتهم بقضيب حديدي صدئ حتى يخرج الدم، شكرًا لكم على حمايتنا”.
ونُشرت صورة الكيس عبر حساب الصحفي الإسرائيلي المستقل دانيال أمرام على منصة إنستغرام، مشيرًا إلى أن الجنود استلموا القهوة بالفعل، إلا أن المنشور حُذف لاحقًا.
وبالرغم من أن موقع ميدل إيست آي لم يتمكن من التحقق من صحة الصورة أو تفاصيلها بشكل مستقل، فإن المنشور لاقى رواجًا كبيرًا قبل حذفه.
فقد تفاعل المستخدمون في دولة الاحتلال مع الرسالة بشكل صادم، حيث كتب أحدهم: “يا له من تعليم، يا لها من لغة، تعجبني”، بينما قال آخر: “هكذا سأربي أطفالي”، وتفاخر ثالث بأن “كل يهودي يجب أن يُربى منذ الصغر على كرههم”، في إشارة إلى الفلسطينيين.
ويضع مضمون الرسالة وتفاعل جمهور الاحتلال معها الرأي العام في الدولة العبرية ومؤسساته التربوية في دائرة الاتهام بالتورط في تغذية ثقافة الكراهية والعنف الجنسي ضد الفلسطينيين، بما يتجاوز ساحات القتال إلى البيوت والمدارس ووعي الأطفال.
فمنذ بداية الحرب على غزة، اعتادت منظمات المجتمع المدني والمدارس في دولة الاحتلال إرسال طرود دعم للجنود تتضمن أغذية ورسائل مكتوبة من الأطفال، في محاولة لرفع معنويات الجنود في أطول حرب تخوضها دولة الاحتلال.
غير أن هذه المبادرات أخذت منحى مروّعًا حين تحولت إلى أدوات لتحريض جنسي سافر ضد المدنيين تحت الاحتلال، ما يعكس انحدارًا أخلاقيًا وإنسانيًا خطيرًا.
ولا تمثل هذه الحادثة استثناءً، بل تتماشى مع نمط واسع من العنف الجنسي الذي وثّقته تقارير دولية وحقوقية بحق الفلسطينيين.
ففي حادثة مروعة العام الماضي، اقتحم عشرات المتظاهرين اليمينيين مركز اعتقال “سدي تيمان”، بعد اتهام عدد من الحراس العسكريين باغتصاب معتقل فلسطيني باستخدام أداة حادة أدخلت إلى جسده، مما تسبب له بإصابات بالغة.
ورغم فداحة الجريمة، لقي المتهمون دعمًا سياسيًا من داخل الكنيست، حيث قاد الاقتحام عضو البرلمان تسفي سوكوت، في مشهد يعكس التواطؤ العلني مع جرائم التعذيب والاغتصاب.
ولا تزال محاكمة الحراس الخمسة المتورطين مستمرة أمام محكمة عسكرية، وسط تضامن صريح من أوساط يمينية إسرائيلية معهم.
ووصف أحد جنود الاحتياط الذين خدموا في المركز المشهد بكلمات مروعة: “سدي تيمان، كما يعرف كل من زارها، هي معسكر تعذيب سادي، دخلها عشرات المعتقلين أحياء وخرجوا منها في أكياس”.
وفي ظل غياب المساءلة الدولية الحقيقية، يتواصل التعذيب داخل سجون الاحتلال، حيث استشهد أكثر من 70 معتقلاً فلسطينيًا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفقًا لما وثقته منظمات حقوق الإنسان.
وفي مارس/آذار الماضي، أصدرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة تقريرًا صادمًا أكد أن قوات الاحتلال مارست بشكل ممنهج العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتعرية القسرية، ضد المعتقلين الفلسطينيين منذ بداية الحرب.
وأوضح التقرير أن أشكال العنف الجنسي باتت جزءًا من الإجراءات التشغيلية الاعتيادية لقوات الاحتلال، سواء من خلال تهديدات مباشرة بالاغتصاب أو ممارسات فعلية بحق نساء ورجال وأطفال.
كما أشار إلى أن هذه الأفعال تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يفتح الباب أمام مساءلة دولية للمسؤولين عنها.
وحتى نهاية مايو/أيار، لا يزال 2790 فلسطينيًا، من بينهم نساء وكبار سن وأطفال، محتجزين في سجون الاحتلال، 660 منهم في مركز “سدي تيمان” سيئ السمعة.
وقد تم اعتقال معظم القابعين في سدي تيمان من قطاع غزة دون أدلة على ضلوعهم في أي نشاط مسلح، وفق ما كشف عنه موقع هامكوم العبري.
وفي ضوء هذه الانتهاكات، تتصاعد الدعوات إلى تحرك دولي عاجل لمحاسبة المسؤولين في دولة الاحتلال، ليس فقط على جرائم القتل والتجويع والتدمير، بل على الجرائم الجنسية التي باتت تُمارس كوسيلة لإذلال الفلسطينيين وتفكيك نسيجهم الاجتماعي والنفسي.
ولم يعد من المقبول الصمت عن هذه الانتهاكات، والاكتفاء بالتنديد بها، لا سيما في ظل تصاعد جرائم الكراهية والاعتداءات التي تُغذى من داخل المؤسسات التعليمية والسياسية في دولة الاحتلال، والتي تستبيح الجسد الفلسطيني بوقاحة مطلقة.