بقلم عزام التميمي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قريبة من تأمين وقف إطلاق النار لإنهاء حرب غزة ووقف الحصار اللاإنساني المفروض على شعبها الذي يتضور جوعاً وضمان إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس.
لقد تم التوصل إلى اتفاق أولي في الدوحة بين حماس ومحاور الإدارة الأمريكية، الأمريكي من أصل فلسطيني بشارة بحبح، بالفعل، فبالنيابة عن مبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، كان بحبح، الذي ترأس منظمة كانت تشجع الأمريكيين العرب على التصويت لصالح ترامب في الانتخابات الأخيرة، عنصراً أساسياً في المفاوضات السابقة التي ضمنت إطلاق سراح الأسير الأمريكي الإسرائيلي إيدان ألكسندر.
لقد مهد إطلاق سراح الإسكندر الطريق للمحادثات اللاحقة، فوفقاً لما نقله بحبح في مقابلة له على القناة 12 الإسرائيلية، أن ويتكوف اقترح في البداية قيام حماس بإطلاق سراح ألكساندر “كبادرة حسن نية” تجاه ترامب، الذي سوف يستخدم “نفوذه لوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات إلى غزة”.
أثبت فريق ترامب مرة أخرى بأنه غير جدير بالثقة وغير قادر على السيطرة على إسرائيل، حتى مع اعتماد الأخيرة بشكل شبه كامل على الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي الأمريكي، فيا لها من فرصة ضائعة!
وبعد فترة وجيزة من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الأولي، غير ويتكوف مساره وخرج بخطة معدلة قبلها الإسرائيليون، وبالتالي أعاد الكرة إلى ملعب حماس.
من الواضح أن ويتكوف لم يتمكن من إقناع الإسرائيليين بقبول ما تم الاتفاق عليه مع حماس في الدوحة، وبدلاً من ذلك تبنى اقتراح إسرائيل المضاد باعتباره اقتراحاً إسرائيلياً مضاداً، والذي بدا في نظر حماس مجرد استسلام.
يبدو أن الإسرائيليين وداعميهم من الولايات المتحدة كانوا يراهنون على أن حماس، بعد عدة أشهر من الحرب، قد تعرضت لضربة شديدة وأصبحت أضعف من أن ترفض الاقتراح، وهذه ليست المرة الأولى التي يثبت فيها خطأهم.
لقد اتخذ الأمريكيون الخطوة الصحيحة عندما اختاروا التفاوض مباشرة مع حماس، ففي وقت سابق من هذا العام، كان آدم بوهلر، مبعوث ترامب الخاص بالرهائن والذي قاد المحادثات المباشرة الأولى، واثقاً جداً من تفويضه لدرجة أنه رد علناً على الانتقادات الإسرائيلية بالقول: “نحن لسنا عملاء لإسرائيل”.
التفاوض مع “الإرهابيين”
لقد كان كل ذلك واعداً، فقد ثبت بأن فلسفة “عدم التحدث مع الإرهابيين” لم تكن أكثر من مجرد ذريعة لتجنب مسؤولية التعامل بشكل عادل وصادق مع جميع الأطراف.
منذ عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، ظلت جميع الإدارات الأمريكية، الديمقراطية والجمهورية، تصنف حماس كمنظمة إرهابية، وقد حذت الدول الأوروبية بما فيها بريطانيا حذوها، رغم أن حماس كانت قد انتخبت ديمقراطياً من قبل الشعب الفلسطيني في انتخابات حرة ونزيهة.
لطالما لجأت القوى الاستعمارية والقمعية إلى تصنيف أولئك الذين يقاومون طغيانها وهيمنتها على أنهم إرهابيون لا ينبغي التحدث معهم، فقد تم تصنيف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا ذات يوم على أنه منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تعهدت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر بعدم مقابلة زعيمه أبداً.
وبعد بضع سنوات فقط، تم انتخاب زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نيلسون مانديلا رئيسا للدولة في بلاده، وتم استقباله استقبال الأبطال عندما زار المملكة المتحدة.
الحقيقة هي أن “عدم التحدث إلى الإرهابيين” فكرة لم تصمد عبر التاريخ، ففي نهاية المطاف، جلس الفيتكونغ، الذين تعتبرهم الولايات المتحدة إرهابيين، على نفس طاولة المفاوضات مع الأمريكيين في باريس، وفي الآونة الأخيرة، عقدت حركة طالبان، التي تحكم أفغانستان الآن، محادثات مع الولايات المتحدة في الدوحة.
لقد اعتبر سماح ترامب بإجراء محادثات مباشرة مع حماس خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث يعتقد العديد من المراقبين أن ذلك يشير إلى أن ترامب كان جاداً في وقف الحرب، إلا أن التطورات اللاحقة بددت هذه الآمال وأثارت غضب بعض حلفاء واشنطن العرب الإقليميين.
يمكن القول أن إدارة ترامب قد أهدرت فرصة تاريخية للعب دور أكثر إيجابية وأقل تحيزاً في الشرق الأوسط، حتى أن ترامب صرح بنفسه مراراً وتكرارا بأنه يريد إنهاء الحروب.
لقد كانت هذه فرصة حقيقية لإدارته لتظهر للعالم أنها لن تكون بعد الآن طرفاً في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وجرائم الحرب التي ترتكبها في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، وبدلاً من استغلالها، أثبت فريق ترامب مرة أخرى بأنه غير جدير بالثقة وغير قادر على السيطرة على إسرائيل، حتى مع اعتماد الأخيرة بشكل شبه كامل على الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي الأمريكي، فيا لها من فرصة ضائعة!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)