بقلم حميد دباشي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
إن إنكار الإبادة الجماعية الحاصلة بحق الفلسطينيين يجب أن تصبح جريمة جنائية في جميع أنحاء العالم، تماماً كما يتم تجريم إنكار المحرقة أو الإبادة الجماعية للأرمن في بعض البلدان.
خلال الحرب العالمية الأولى، قُتل أكثر من مليون أرمني على يد العثمانيين، وقام أجيال من الباحثين بتوثيق هذه الفظائع وجعلها في متناول الجمهور.
وخلال الحرب العالمية الثانية، قامت حكومة ألمانيا النازية بذبح 6 ملايين يهودي أوروبي بشكل متعمد وممنهج، وهذه حقيقة تاريخية مروعة ترتكز على تاريخ طويل من معاداة السامية الأوروبية، وهي حقيقة لا يمكن لأي شخص إنكارها، ومنذ ذلك الحين، قامت عدد من الدول بتجريم إنكار المحرقة.
هناك إجماع تقريباً من قبل المنظمات الرائدة والباحثين على أن المذبحة التي ترتكبها إسرائيل في غزة تتوافق مع التعريف التقليدي للإبادة الجماعية
في منتصف التسعينيات، أنكر كاره الإسلام والصهيوني برنارد لويس الإبادة الجماعية بحق الأرمن وواجه بسبب ذلك إجراءات قضائية مدنية في فرنسا، وبعد سنوات، سخر الرئيس الإيراني السابق السخيف محمود أحمدي نجاد من شخصيته الكارتونية عندما استضاف في عام 2006 مهرجاناً من المجانين ومعادي السامية لإنكار المحرقة في طهران، الأمر الذي كان محط إدانة عالمية وقتها.
وفي يوليو عام 2024، قدرت مجلة لانسيت الطبية المرموقة بأن الوحشية الإسرائيلية في غزة ربما تسببت في مقتل ما يصل إلى 186 ألف شخص، وهو أعلى بكثير من العدد الرسمي، وقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي المزيد من الفلسطينيين كل يوم منذ ذلك الحين!
قد لا يُعرف أبداً الحجم الكامل للإبادة الجماعية للفلسطينيين بعد ما حصل، ومن هنا تنبع أهمية التوثيق الكامل لهذه الفظائع كمشروع مستمر.
لقد كان التقرير الأكثر تفصيلاً عن أعمال البلطجة الإجرامية التي ترتكبها إسرائيل حتى الآن، تحت عنوان “تشريح الإبادة الجماعية”، تقرير قدمته المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز، حيث عرضت فيه أدلة لا تقبل الجدل على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، ويجب أن تظل هذه الوثيقة الأساس لمزيد من التحقيقات.
إجماع واسع
وفي وثيقة تاريخية أخرى، رفعت جنوب إفريقيا قضية أمام محكمة العدل الدولية، اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في فلسطين، وانضمت أكثر من 12 دولة إلى جنوب إفريقيا في هذه القضية، مما دفع صهاينة الإبادة الجماعية الذين يدورون حول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاحقاً إلى اتهام جنوب إفريقيا بارتكاب “إبادة جماعية” ضد الأفارقة البيض وهي كذبة تم كشفها بالكامل!
هناك إجماع تقريباً من قبل المنظمات الرائدة والباحثين على أن المذبحة التي ترتكبها إسرائيل في غزة تتوافق مع التعريف التقليدي للإبادة الجماعية، حيث أشارت دراسة أجرتها صحيفة “إن آر سي” الهولندية، نقلاً عن 7 من الباحثين المشهورين في مجال الإبادة الجماعية، إلى أنهم “بدون استثناء يرون أن الأعمال الإسرائيلية تعد إبادة جماعية “.
وعلى الجانب الآخر، تقود صحيفة نيويورك تايمز وسائل الإعلام الأمريكية الأخرى في إخفاء أو رفض هذه الحقيقة، حتى عندما أعلنت منظمة العفو الدولية بأن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية!
إن ذكرى الإبادة الجماعية الفلسطينية لا يجب أن تكون سبباً لتحريك نزعة قومية عرقية كما هو الحال مع ما قامت إسرائيل باستغلاله في الحديث عن المحرقة، بل يجب أن تكون بمثابة منصة لانتفاضة عالمية ضد أي شكل من أشكال التطهير العرقي
إن إنكار الإبادة الجماعية في غزة يجب أن تصبح جريمة جنائية، وخاصة في دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة، حيث يرفض المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام الرائدة باستمرار الإبادة الجماعية أو يقللون من شأنها أو يسخرون منها حتى.
ينبغي اضطهاد الجناة قانونياً حيثما كان ذلك ممكناً وفضحهم علناً عندما لا يكون ذلك ممكناً، ولا بد من محاسبة أي فرد أو مؤسسة إعلامية أو وكالة حكومية تنكر الإبادة الجماعية الحاصلة بحق الفلسطينيين.
إن المذبحة الممنهجة للفلسطينيين والتي بدأت بعد 7 أكتوبر عام 2023، والمستمرة على قدم وساق حتى يومنا هذا، تمثل ذروة مراحل مرت من الإبادة الجماعية، والتي وصفها المؤرخ الإسرائيلي البارز إيلان بابيه بأنها إبادة جماعية تدريجية.
لقد رأينا ذلك في لحظات مثل مسيرة العودة الكبرى في عامي 2018 و2019 عندما قتلت القوات الإسرائيلية مئات الفلسطينيين أثناء احتجاجهم بالقرب من سياج غزة، وهناك أمثلة أخرى لا حصر لها على العنف الإسرائيلي العشوائي ضد المدنيين الفلسطينيين.
ذكرى النكبة
ينبغي تحديد يوم 15 مايو باعتباره يوم ذكرى الإبادة الجماعية الفلسطينية، حيث يتم إحياء الذكرى في جميع أنحاء العالم للتذكير بالإبادة الجماعية الممنهجة والتي لا تزال تتكشف بحق الشعب الفلسطيني على يد إسرائيل في وطنهم التاريخي.
يجب على العلماء والمؤرخين وأمناء المحفوظات وغيرهم من المهنيين أن يجتمعوا معاً لإنشاء متحف رقمي لتوثيق الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الفلسطيني، مع فهرسة سلسلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية.
ويجب أن يتضمن توثيق الإبادة الجماعية الفلسطينية التواطؤ العدواني من جانب الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وكندا، في تمكين إسرائيل وتسليحها وحمايتها دبلوماسياً، ولابد من مساءلة الولايات المتحدة وألمانيا بشكل خاص ووسائل الإعلام التابعة لهما، وفضحها علناً بسبب الأدوار التي تقوم بها، كما يجب على كليات الصحافة في العالم تحليل كل حالة من حالات إنكار الإبادة الجماعية في وسائل الإعلام الغربية.
في الولايات المتحدة، قام صهاينة الإبادة الجماعية المتجمعون في ما يمكن تسميته الديوان الملكي لترامب باستخدام معاداة السامية كسلاح، وبذلك فهم يساهمون باستمرار في وجود هذا الشكل الخبيث من العنصرية لتخويف وإسكات واضطهاد أي شخص يجرؤ على قول الحقيقة حول الإبادة الجماعية الفلسطينية.
يمكن التعلم من الطريقة التي استخدم بها صهاينة الإبادة الجماعية معاناة الشعب اليهودي كسلاح والمحرقة ومعاداة السامية التي حركتها، لتصبح حقيقة الإبادة الجماعية الفلسطينية المستمرة منصة للمعارضة العالمية لأي وجميع أعمال العنف الجماعي.
إن ذكرى الإبادة الجماعية الفلسطينية لا يجب أن تكون سبباً لتحريك نزعة قومية عرقية كما هو الحال مع ما قامت إسرائيل باستغلاله في الحديث عن المحرقة، بل يجب أن تكون بمثابة منصة لانتفاضة عالمية ضد أي شكل من أشكال التطهير العرقي، الأمر الذي ينشأ تحالفاً طبيعياً بين الضحايا والناجين من كل من الإبادة الجماعية للأرمن والمحرقة اليهودية والإبادة الجماعية الفلسطينية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)