تشهد سوريا موجة غير مسبوقة من الانتقادات الموجهة إلى الحكومة الجديدة، في ظل تصاعد هجمات الاحتلال الجوية على أهداف إيرانية عبر الأجواء السورية، وسط صمت رسمي مطبق أثار استياء السوريين الذين يطالبون بتحرك دبلوماسي لحماية سيادة البلاد.
ولليوم الخامس على التوالي، يراقب السوريون السماء بقلق، فيما تحلق الطائرات الحربية التابعة لجيش الاحتلال فوق الغيوم، ويتردد دوي الانفجارات في الأرجاء، في مشهد بات مألوفًا في سماء الجنوب السوري.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن شظايا الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي اعترضت أنظمة الدفاع الأمريكية بعضها تسقط على الأحياء السكنية، مثيرةً الذعر والخوف بين السكان.
ويقول عماد البصيري، وهو ناشط من محافظة درعا: “الناس في حالة توتر شديد، الانفجارات مرعبة، وهناك طائرات بدون طيار تحطمت فدُمرت منازل، واندلعت حرائق في الأراضي الزراعية”.
وكانت الهجمات التي شنتها دولة الاحتلال في 13 يونيو/حزيران واستهدفت مواقع عسكرية ونووية في إيران، قد أسفرت عن مقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري وعلماء نوويين، إلى جانب سقوط مئات المدنيين.
وردًا على ذلك، أطلقت طهران مئات الطائرات المسيرة والصواريخ التي ضربت تل أبيب وحيفا، وأسفرت عن دمار واسع ومقتل العشرات.
سماء الجنوب ساحة حرب والحكومة غائبة
وباتت الأجواء السورية، بحكم موقعها الجغرافي، ساحة رئيسية لهذا التصعيد العسكري، حيث تساقطت الشظايا والحطام مرارًا في محافظتي درعا والقنيطرة المتاخمتين لهضبة الجولان المحتلة.
ويقول البصيري: “هناك خوف مستمر من تساقط مخلفات الحرب، نحن نشعر بالعجز، فالحكومة لا تُدين ولا تُعلّق ولا تتحرك”.
وفي وقت تقدمت فيه العراق بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ضد انتهاك مجالها الجوي من قبل دولة الاحتلال، لم تصدر دمشق أي إدانة رسمية لا لتلك الهجمات ولا لرد إيران عبر أراضيها.
“على الحكومة أن تتحرك”
ويؤكد البصيري أن سكان درعا والقنيطرة يطالبون الحكومة الجديدة، التي تشكلت بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بحماية حدود البلاد والسيادة الوطنية.
وأضاف: “المجال الجوي والحدود السورية غير محمية، وأقرب نقطة للجيش السوري تبعد 9 كيلومترات عن الحدود مع دولة الاحتلال، نريد من الحكومة أن تفرض السيطرة”.
في المقابل، لم تتوقف انتهاكات جيش الاحتلال، الذي يواصل إرسال دوريات إلى الأراضي السورية، وقد اعتقل العشرات وقتل مواطنًا واحدًا الأسبوع الماضي فقط.
وفي سياق متصل شدد فاضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تصريحات لموقع ميدل إيست آي على ضرورة تحرك الحكومة السورية عبر القنوات القانونية والدبلوماسية.
وأضاف: “يجب على الحكومة تقديم شكوى إلى مجلس الأمن بموجب المادتين 35 و51 من ميثاق الأمم المتحدة، وعليها أن ترفض عسكرة مجالها الجوي، وتطالب بممر جوي إنساني، وتؤكد حيادها”.
ويصف عبد الغني رد الحكومة حتى الآن بأنه “غير كافٍ على الإطلاق”، مؤكدًا أن الموقف يتطلب تنسيقًا مع الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي لوضع استراتيجية شاملة تحمي المصالح الوطنية لسوريا.
“صمت مريب وغير مبرر”
وتتفق سامار أبو رسلان وهي مهندسة معمارية من السويداء مع هذا الطرح، وتقول: “تبدو سوريا مريضة وعاجزة، وأنا كمواطنة أريد حماية سمائي وأرضي ومياهي من جميع أشكال العدوان”.
أما لينا، وهي صحفية من دمشق رفضت الكشف عن اسمها الكامل، فترى أن امتناع الحكومة الجديدة حتى عن إصدار بيان رمزي يُعدّ بمثابة اصطفاف ضمني مع أحد أطراف النزاع.
وقالت: “الحكومة لا تصدر حتى بيانات تحتفظ فيها بحق الرد، وهي العبارة التي استخدمها نظام الأسد مرارًا، هذا الصمت يعني أن سوريا لم تعد محايدة”.
وفي ظل غياب موقف رسمي، تستمر الطائرات في التحليق، والشظايا في التساقط، فيما يبقى المواطن السوري وحده في مواجهة خطر لا يعترف بالحدود، وصمت لا يليق بمظلومية وطن يُمزق من الجو.