هل ينجح نتنياهو في جرّ أمريكا إلى حرب مفتوحة مع إيران؟

بقلم سامي العريان

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

في 13 يونيو/حزيران 2025، شنت دولة الاحتلال هجوماً عسكرياً مفاجئاً وغير مبرر على إيران، استهدفت فيه أكثر من 100 موقع، من بينها منشآت نووية ومراكز عسكرية وقادة كبار. 

وأسفرت الغارات عن مقتل رئيس أركان الجيش الإيراني وقائد الحرس الثوري وعدد من كبار علماء البرنامج النووي، قبل يومين فقط من انطلاق الجولة السادسة من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران.

ومنذ بدء الهجوم، اغتيل 14 عالماً نووياً عبر ضربات جوية وعمليات تفجير، رغم أن إيران أكدت التزامها بمعاهدة حظر الانتشار النووي، التي تتيح لها تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

غير أن دولة الاحتلال مازالت تعارض حتى مجرد امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية، وتصرّ على تفكيك كامل للبرنامج، رغم أن تل أبيب تمتلك ترسانة نووية منذ الستينيات وترفض الانضمام لمعاهدة حظر الانتشار.

وقد جاء الهجوم بعد سنوات من عمليات تخريب واغتيالات سرية وانتهاكات للسيادة الإيرانية، ظل المجتمع الدولي صامتاً إزاءها. 

ورغم أن البيت الأبيض نفى أي تورط مباشر في الهجوم، إلا أن كبار قادة الكونغرس أُبلغوا عنه مسبقاً، وعلّق الرئيس دونالد ترامب قائلاً إن الضربات كانت “ناجحة”، وإن الولايات المتحدة “تعرف كل شيء” عنها.

ويسعى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو لتوسيع دائرة الصراع، مستغلاً الدعم الغربي وسط حرب الإبادة التي يشنها جيشه في غزة، ليجرّ واشنطن إلى مواجهة مباشرة مع إيران، في حين يتحدث مسؤولون صهاينة علناً عن اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي، وإسقاط النظام في طهران.

لكنّ تحقيق هذا الهدف يتطلب تدخلاً أمريكياً مباشراً، إذ لا تستطيع دولة الاحتلال تدمير البنية النووية الإيرانية المحصّنة دون دعم عسكري أمريكي كامل.

جذور المشروع.. الهيمنة الإقليمية عبر واشنطن

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اعتُبرت طهران حجر عثرة أمام الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، كما شكلت تهديداً لهيمنة دولة الاحتلال في المنطقة. 

ولهذه الأسباب تبنّت واشنطن استراتيجية توازن القوى، بدعم متضارب للعراق في حربه مع إيران في الثمانينيات، ثم اعتماد سياسة “الاحتواء المزدوج” بعد غزو الكويت عام 1990، ضد كل من العراق وإيران.

وفي حقبة ما بعد الحرب الباردة، ومع انفراد واشنطن بالهيمنة، وجدت القوى المؤيدة لدولة الاحتلال في أمريكا فرصتها لتعزيز مشروعها في الشرق الأوسط. 

وفي عام 1996، نُشرت ورقة استراتيجية بعنوان “قَطيعة واضحة: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة” والمقصود بـ”المملكة” هنا ليس الولايات المتحدة، بل الدولة العبرية.

وفي عام 2003، كشف الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك أن المحافظين الجدد في إدارة بوش صاغوا خطة شاملة لإعادة رسم خريطة المنطقة، تضمنت تفكيك سبعة بلدان هي العراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال وإيران.

وفي كتابهما الشهير اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية، يؤكد ميرشايمر ووالت أن قوى الضغط المؤيدة لدولة الاحتلال كانت حاسمة في دفع إدارة بوش لغزو العراق.

ومنذ ذلك الحين، عملت واشنطن وتل أبيب على إسقاط أي نظام لا يتماشى مع مصالحهما، وكان أصعب هذه الأنظمة مراساً هو النظام الإيراني، الذي تمكن رغم الحصار والعقوبات من الحفاظ على تماسكه واستقلاله السياسي.

الطريق إلى الحرب.. نتنياهو يستغل المناخ الأمريكي

ومنذ وصوله إلى الحكم في أواخر التسعينيات، تبنّى بنيامين نتنياهو نهجاً متشدداً ضد إيران، مقدّماً نفسه كقائد لا يلين في مواجهة “التهديد الإيراني”، بل إنه نجح في تعبئة الرأي العام الأمريكي ضد طهران، مستخدماً خطاباً متكرراً في الكونغرس عن “خطر إيران النووي”.

وفي عام 2002، كان نتنياهو من أبرز المحرّضين على غزو العراق، مدّعياً أمام الكونغرس أن “إسقاط صدام سيُحدث تأثير دومينو ديمقراطي في المنطقة”، وحتى بعد الغزو، لم يعترف بخطئه، بل اتّجه مباشرة نحو التحريض ضد إيران.

ومع توقيع الاتفاق النووي الإيراني في 2015، شنّ نتنياهو حملة شعواء لإفشال الاتفاق، متحدّياً إدارة أوباما، ومحاولاً إسقاط الاتفاق عبر الكونغرس، رغم أن الاتفاق لقي دعماً واسعاً من المجتمع الدولي.

وفي عهد ترامب، حصدت دولة الاحتلال مكاسب استراتيجية ضخمة ليس أقلها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان السوري المحتل وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات قصوى عليها.

تصعيد محكوم بالفشل؟

واليوم، يسعى نتنياهو إلى تصدير أزمته الداخلية الخانقة، نتيجة فضائح الفساد والاحتجاجات ضد حكومته المتطرفة، عبر مغامرة عسكرية ضد إيران، لكنه يفتقر إلى القدرة العسكرية الكاملة لخوض حرب شاملة، ويريد من واشنطن أن تتحمّل عبء المواجهة.

غير أن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، ذلك أن إيران أثبتت قدرتها على الصمود والمناورة، وامتلاكها لشبكة إقليمية قوية تمتد من اليمن إلى لبنان، قادرة على إشعال أكثر من جبهة في آن واحد.

كما أن الشارع الأمريكي منهك من الحروب، وأولوياته باتت داخلية، فيما كانت إدارة بايدن تلقى نفسها في مأزق بين دعم دولة الاحتلال واحتواء أي تصعيد إقليمي قد يهدد الأمن العالمي.

وما يحدث الآن هو تكرار مقلق لنمط معروف تقوم دولة الاحتلال وفقه بمبادرة عسكرية استفزازية، ثم تحاول جرّ واشنطن إلى التدخل العسكري المباشر تحت ذريعة “الدفاع عن الحليف”.

لكن السؤال الأهم: هل ستسمح النخبة الأمريكية، أو ما تبقى من عقلائها، بجرّ الولايات المتحدة إلى حرب كارثية جديدة؟ أم أن وقت المحاسبة قد حان، ليس فقط لمغامرات دولة الاحتلال، بل أيضًا لتحالفات عمياء جرّت المنطقة والعالم إلى الخراب؟

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة