بقلم دانيا العقاد
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
لم تكن ديما، الممرضة الفلسطينية الأردنية التي تقيم في ألمانيا، تتخيل أن حبها لفلسطين ومشاركتها في تظاهرات مرخصة ستنتهي بها إلى فقدان حضانة ابنها الرضيع، فبينما كانت تعد حقيبة العودة من زيارة عائلية قصيرة إلى الأردن، أبلغتها السلطات الألمانية بأن طفلها البالغ من العمر عامًا واحدًا ممنوع من العودة إلى بيته – لأنه يمثل “تهديدًا أمنيًا”.
قد تبدو الجملة خيالية، لكنها واقع مرير، ديما، التي قدمت إلى ألمانيا في عام 2017 للعمل كممرضة، واستقر بها المقام مع زوجها، كانت تظن أنها تبني مستقبلًا آمنًا لأسرتها في بلد يرفع راية حقوق الإنسان.
استقبل الزوجان مولودهما الأول في عام 2023، وعندما بلغ عامه الأول، قرروا السفر إلى الأردن كي يرى الجدّان حفيدهما لأول مرة.
لكن العودة إلى ألمانيا تحوّلت إلى كابوس، إذ قالت السفارة الألمانية في عمّان في البداية إن مسألة دخول الطفل هي مشكلة “بيروقراطية بسيطة”، إلا أن الأمر لم يكن كذلك، فقد تلقت ديما بعد أسابيع رسالة رسمية تُبلغها بأن رضيعها لا يُسمح له بدخول ألمانيا لأنه “يشكّل تهديدًا أمنيًا”.
تقول المحامية إبرو أسيلتورك التي تمثل ديما: “اعتقدتُ أن هناك خطأ في الأوراق، لكن مع الوقت، أدركنا أن المشكلة ليست في الطفل، بل في ديما نفسها”، فقد كشفت رسالة لاحقة أن جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني بدأ تحقيقًا مع ديما، بسبب نشاطها في تنظيم فعاليات مؤيدة لفلسطين، وارتباطها المزعوم بمجموعة “صامدون”، التي حظرتها ألمانيا في نوفمبر 2023.
ديما: “ابني ينادي أي شخص في الشارع بـ “بابا”
في لحظة مفصلية في حياتها كأم، انفصلت ديما عن رضيعها، لقرابة تسعة أشهر، تناوبت هي وزوجها على البقاء إلى جانبه في الأردن، تاركين خلفهم عملهم، ووطنهم الثاني، وحياتهم في ألمانيا.
“طفلي كان لا يزال يرضع عندما افترقنا”، تقول ديما بصوت يختلط فيه الحزن بالغضب، “في هذا العمر، يبدأ الطفل في التعلّق العاطفي، لكنه الآن ينادي أي رجل في الشارع ‘بابا‘، وأي امرأة ‘ماما‘، لقد اختلطت عليه ملامح الأمان”.
وتؤكد ديما إنها لم تتجاوز أي حدود قانونية، فجميع المظاهرات التي شاركت فيها كانت مرخصة، وكانت تبلغ السلطات مسبقًا بأي نشاط تنوي المشاركة فيه، لكنها، في نظر الدولة الألمانية، تجاوزت “الخط الأحمر” غير المعلن: الدفاع عن فلسطين.
“حرية التعبير ليست حقيقية هنا، إنها فقط لأولئك الذين يقولون ما تريده الدولة”، تضيف ديما، التي باتت قضيتها تُنظر أمام المحكمة الإدارية العليا في برلين–براندنبورغ
استخدام قوانين الإقامة لإسكات التضامن
ويؤكد مركز الدعم القانوني الأوروبي (ELSC)، الذي يتابع القضية، أن ديما ليست الوحيدة، فقد وثق منذ عام 2019 أكثر من 22 حالة تم فيها استخدام قوانين الإقامة واللجوء ضد أفراد بسبب تضامنهم مع فلسطين.
وقال المتحدث باسم المركز:”إن وصف طفل رضيع بأنه تهديد أمني لا يعد عملا غير إنساني فقط، بل يكشف عن انزلاق خطير في استخدام القانون كأداة قمع”.
وتسعى المنظمة حاليًا لرفع طعن دستوري ضد تعامل المحكمة مع قضية ديما، في محاولة لوضع حد لاستخدام قوانين الإقامة لتفكيك العائلات، خاصة تلك التي تنتمي إلى مجتمعات مهمّشة أو مهاجرة.
“أشعر أنني زرت فلسطين هنا أكثر من أي وقت مضى”
بالنسبة إلى ديما، فإن القضية لا تتعلق فقط بحق العودة إلى بيتها مع طفلها، بل هي دفاع عن كرامة كل أم، وحقها في أن تكون إلى جانب طفلها دون أن تُعاقب بسبب مواقفها السياسية.
“لم أُولد في فلسطين، لكنها كانت دومًا حاضرة في قلبي، وعندما كنت أشارك في المسيرات في برلين، و أسمع الهتافات وأشاهد الأعلام، كنت أشعر أنني أقرب لفلسطين مما كنت عليه في أي وقت مضى”، ديما
وتضيف: “هذا هو الجزء الأصعب… أن يُحرَم المرء من أبسط أشكال القرب من وطنه، ومن حضن ابنه، فقط لأنه تجرّأ أن يحلم بالعدالة”.
ترقب لقرار المحكمة… وأمل لا ينكسر
حتى اللحظة، لم تبت المحكمة العليا في الطعن، ولا تزال الأسرة تعيش بين ألم الغربة وتمزّق الانفصال، ومع ذلك، تؤكد ديما أنها ماضية في المواجهة – لا لأجلها فقط، بل لأجل كل أم فلسطينية، وكل صوت حُرم من أن يُرفع.
وختمت ديما حديثها بالقول: “ربما أكون الأولى التي حصلت على الدعم الكافي للطعن في هذا الظلم، لكنني متأكدة من أنني لست الوحيدة، وسأبذل كل ما بوسعي كي لا تمر هذه الجريمة ضد الإنسانية بصمت”.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)