وسط إدانات حقوقية واسعة.. الإمارات تثبت أحكام السجن المؤبد بحق 24 شخصًا في محاكمة جماعية مثيرة للجدل 

أيدت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات العربية المتحدة، الخميس، أحكام السجن المؤبد بحق 24 شخصًا، بعد إدانتهم مجددًا بتهم تتعلق بـ”الارتباط بالإرهاب”.

وتتعلق الأحكام بقضية جماعية سبق أن أثارت انتقادات حقوقية واسعة في ظل اتهامات باستهداف الأصوات المعارضة وتقويض المجتمع المدني.

وذكرت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) يوم الجمعة إن “الدائرة الجنائية بالمحكمة الاتحادية العليا قضت بإلغاء جزء من الحكم الصادر عن دائرة أمن الدولة بمحكمة الاستئناف الاتحادية في أبوظبي، وإعادة إدانة 24 متهمًا”، في خطوة ترفع عدد المدانين في القضية إلى 83 من أصل 84 أُحيلوا إلى المحاكمة.

وقالت الوكالة أن الحكم بالسجن مدى الحياة صدر على المتهمين بتهمة “التعاون مع منظمة العدالة والكرامة الإرهابية، وتقديم أموال إلى جماعة الإصلاح”، وهي جماعة محلية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في الإمارات.

يذكر أن الذين خضعوا للمحاكمة يمثلون جزءاً من 84 متهمًا تم تقديمهم إلى محاكمة جماعية بدأت في يوليو/تموز 2023، وقالت منظمات حقوقية إن غالبيتهم كانوا قد سُجنوا أصلًا عقب محاكمة جماعية أخرى عام 2013 شملت ما عُرف بـ”الإمارات 94″، والتي وصفتها منظمات دولية حينها بأنها “محاكمة غير عادلة على الإطلاق”.

وبحسب “وام”، فقد حُكم على 67 شخصًا من المجموعة بالسجن مدى الحياة، في حين تم تبرئة شخص واحد فقط من الإدانة.

غير أن منظمة هيومن رايتس ووتش وصفت المحاكمة الأخيرة بأنها “جائرة” و”تفتقر لأدنى معايير العدالة”.

وقال جوي شيا، الباحث المتخصص في شؤون الإمارات لدى المنظمة أنه “تم تبرير ثاني أكبر محاكمة جماعية في الإمارات تحت ستار مكافحة الإرهاب، لكنها في الواقع جزء من جهود الدولة الحثيثة لمنع إعادة ظهور أي شكل من أشكال المجتمع المدني المستقل داخل البلاد”.

“الحكم بالسجن المؤبد على نشطاء سلميين يظهر ازدراء أبوظبي التام لكل من النقد السلمي وسيادة القانون” – جوي شيا، باحث متخصص بشؤون الإمارات لدى منظمة هيومن رايتس ووتش – إرث “الإمارات 94”

وتعود جذور هذه القضية إلى محاكمة “الإمارات 94” عام 2013، التي جاءت في خضم موجة الانتفاضات العربية، حين اتُّهم عشرات من المحامين وأساتذة الجامعات والنشطاء والطلاب بمحاولة قلب نظام الحكم، بعد أن قدموا عريضة سلمية تطالب بإصلاحات ديمقراطية.

وأثارت تلك المحاكمة موجة استياء دولي، إذ وصفتها منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بأنها تفتقر إلى العدالة والشفافية، وتمثل “نقطة تحول في قمع الحريات السياسية والمدنية داخل الإمارات”.

وفي مارس/آذار الماضي، رفضت المحكمة الإماراتية العليا استئناف 53 من المتهمين في محاكمة يوليو/تموز 2023، ما أثار مخاوف جديدة لدى المراقبين حول استغلال القضاء لأهداف سياسية.

وكانت محكمة الاستئناف الاتحادية قد ألغت في وقت سابق إدانات صادرة بحق 24 متهمًا، إلا أن النائب العام طعن على هذا القرار، مدعيًا أن “الحكم معيب قانونيًا”، وهو ما أسفر عن إدانة المتهمين مجددًا أمام المحكمة العليا.

نشطاء بارزون ضمن المتهمين

وبحسب هيومن رايتس ووتش، فإن من بين المتهمين في محاكمة يوليو/تموز الماضي الناشط البارز أحمد منصور، والأكاديمي المعروف ناصر بن غيث، وكلاهما يقضي أحكامًا قاسية منذ سنوات على خلفية نشاطه السلمي.

وكان بن غيث قد تعرض لحكم بالسجن 10 سنوات في عام 2017 بعد نشره تغريدات على موقع تويتر (X حالياً) انتقد فيها الحكومة المصرية، وهي حليف استراتيجي للإمارات. 

وفي ذلك الوقت، أعلنت السلطات أن ما نشره بن غيث تضمن “صورًا ومقالات مسيئة لرموز الدولة وقيمها وسياساتها الداخلية والخارجية وعلاقاتها مع دولة عربية”، في إشارة واضحة إلى مصر.

وتفرض دولة الإمارات قيودًا صارمة على حرية التعبير، وتمنع أي خطاب قد يُفسَّر على أنه مسيء للحكام أو مخل بـ”الوحدة الوطنية” أو مثير للاضطرابات. 

كما أدرجت عشرات المواطنين والمقيمين المصريين ضمن قضايا تتعلق بتشكيل “خلايا سرية” مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبرها الإمارات منظمة إرهابية.

انتقادات مستمرة للقمع السياسي

هذا ووجّهت منظمات حقوق الإنسان، بما فيها مركز الخليج لحقوق الإنسان والمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، انتقادات حادة للنهج الذي تتبعه السلطات الإماراتية في قمع النشطاء، واعتبرت أن هذه الأحكام تمثل تصعيدًا خطيرًا في استهداف حرية الرأي والتعبير.

وحذرت هذه المنظمات من أن الإمارات تستخدم تهم “الإرهاب” بشكل فضفاض لتصفية معارضيها السياسيين أو لإسكات الأصوات الداعية للإصلاح، في ظل غياب الرقابة القضائية المستقلة وغياب الشفافية في مجريات المحاكمات.

وتأتي هذه التطورات في وقت تواصل فيه الإمارات تسويق نفسها دوليًا كدولة “تسامح واستقرار”، بينما تُتهم بتقويض الحقوق المدنية في الداخل، وبتفريغ الساحة من أي معارضة سياسية منظمة أو حتى أفراد يمارسون حقهم في التعبير السلمي.

مقالات ذات صلة