بقلم أندرو فاينستاين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يبدو أن حكومة ستارمر على وشك شن هجوم على الحريات المدنية لم تشهده المملكة المتحدة في العصر الحديث، وذلك بعد حظر حركة بالستاين آكشن أو مجموعة النضال من أجل فلسطين باعتبارها مجموعة إرهابية.
من خلال القيام بذلك، يكاد يكون من المؤكد أن حكومة ستارمر سوف تدعو إلى المراقبة الروتينية لقطاعات كبيرة من الجمهور المنخرط سياسياً وحتى المعارضين السياسيين لحزب ستارمر، مما يوفر، في أسوأ السيناريوهات، الأدوات اللازمة لتجريم جيل جديد من المرشحين السياسيين المناهضين للإبادة الجماعية والحرب والتقشف، الأمر الذي يهدد كبار أعضاء حكومة ستارمر وحتى ستارمر نفسه.
لقد تم انتقاد قرار حظر حركة بالستاين آكشن من قبل جميع منظمات حقوق الإنسان والحريات المدنية الرئيسية في البلاد، من منظمة ليبرتي إلى منظمة العفو الدولية، باعتباره هجوماً مباشراً على الحريات السياسية الأساسية
هذه هي سياسة روسيا فلاديمير بوتين أو المجر فيكتور أوربان، فستارمر يسير بخطى ثابتة نحو تلطيخ التاريخ التقدمي لحزب العمال،
فأنا أذكر النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وقد تم تجنيدي في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في الثمانينيات فأصبحت في نظر حكومة جنوب إفريقيا متعاطفاً مع الإرهابيين.
ذهبت إلى المنفى لأن النظام الاستبدادي كان يستخدم القانون لسحق حركة عالمية مناهضة للعنصرية من أجل السلام والعدالة، ولذلك فأنا أرى أن حظر حركة بالستاين آكشن ينذر بخطر وصفي ووصف الحركة العالمية التي تدعم الحركة بالتعاطف مع الإرهاب!
عندما أعلنت مارجريت تاتشر بأن نيلسون مانديلا إرهابي، كنا نعلم في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأن قواعد حزب العمال تدعمنا، وكان هذا التضامن على وجه التحديد هو الذي دمر نظام الفصل العنصري الدنيء في نهاية المطاف.
لقد تم انتقاد قرار حظر حركة بالستاين آكشن من قبل جميع منظمات حقوق الإنسان والحريات المدنية الرئيسية في البلاد، من منظمة ليبرتي إلى منظمة العفو الدولية، باعتباره هجوماً مباشراً على الحريات السياسية الأساسية، حتى قيل أن موظفي الخدمة المدنية في وزارة الداخلية اندهشوا من القرار وطابعه السياسي الواضح.
لا يخفى على أي شخص يتمتع ولو بقدر بسيط من البصيرة أن الحظر يعد سابقة خطيرة يمكن أن يستخدمها اليمين المتطرف المتمرد في هذا البلد لتجريم مقاومة الاستبداد والعنصرية ونهب البيئة.
علاوة على ذلك، فلأول مرة في تاريخ المملكة المتحدة، سوف يتم اتهام حركة سلمية محلية بالإرهاب ومن يدعمها بأنه إرهابي، وذلك يعني النظر إلى الناشطين على أنهم مجموعة أشبه بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي يقطع رؤوس الأسرى أمام الكاميرات، أو بوكو حرام، التي استخدمت عهدها الإرهابي لاختطاف 2000 امرأة وفتاة وقامت إما باغتصابهن أو بيعهن كعبيد للجنس!
معارضة جريمة الإبادة الإسرائيلية
ما هي جريمة حركة بالستاين آكشن؟ الاحتجاج على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وهل هذا غريب؟! فهي إبادة جماعية تُبث مباشرة وتُعرض يومياً وبدقة عالية على هواتفنا نرى فيها أحشاء أطفال في أكياس بلاستيكية.
عندما تسير جنباً إلى جنب مع مئات الآلاف من المتظاهرين الآخرين الذين يسيرون سلمياً في شوارع لندن للمطالبة بإنهاء الإبادة الجماعية، هل ستتم مراقبتك؟! هل يجب علينا ونحن نعارض الإبادة الجماعية وهذا الحظر الظالم أن نقلق حول طرق الباب في منتصف الليل؟!
لقد تسببت هذه الإبادة الجماعية بواقع أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ، إبادة جماعية تسقط القنابل على خيام اللاجئين وتحرق المرضى والجرحى أحياء، إبادة راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأطفال، إبادة جماعية أدت في عام واحد إلى خفض متوسط العمر المتوقع في غزة من 75 إلى 40 عاماً وهو الأدنى في العالم.
لقد تم تمكين الإبادة الجماعية بفضل أسلحة الحرب التي تواصل حكومتنا بيعها ورحلات المراقبة التي نواصل إطلاقها، ومع ذلك، لا تتورع حكومة ستارمر عن حظر حركة بالستاين آكشن باعتباره تصرفاً يصب في مصلحة الأمن القومي!
رغم التشهير الذي تعرضت له، إلا أن حركة بالستاين آكشن لا تعرض القانون، فأعضاؤها هم أكثر المدافعين عن القانون الدولي، فهم لا يقاومون الاعتقال، هم ينفذون ما يقومون به من أعمال احتجاجية وهم يعلمون أنهم سوف يتعرضون للمساءلة القانونية.
هم يتخذون قراراً واعياً بالمخاطرة بحريتهم تضامناً مع شعب غزة، وهم يفعلون ذلك ليس لأنهم يرفضون القانون، بل لأنهم يريدون تطبيقه على ممثلي حكومة الإبادة الجماعية الذين يسافرون سراً للقاء وزير الخارجية البريطاني وعلى شركات الأسلحة التي تساعد وتحرض على ارتكاب جرائم الحرب وعلى الساسة البريطانيين المتواطئين بالإبادة الجماعية.
لقد أثبت نشطاء بالستاين آكشن مراراً بأنهم غير مذنبين وبات السبب واضحاً أمام المجتمع، وهو أن سجن الأفراد باستخدام أساليب غير عنيفة لعرقلة إبادة شعب بأكمله يسيء إلى العدالة الطبيعية.
تهديد للديمقراطية
ماذا عن عواقب القرار على الديمقراطية البريطانية؟ فليس سراً أن حركة بالستاين آكشن تحظى بدعم كبير بين الجمهور البريطاني، وليس سراً أنها تحظى بتقدير كبير من قبل عدد كبير من التقدميين بما في ذلك الناخبين الشباب وشخصيات بارزة في حزب الخضر والعديد من الصحفيين، وليس سراً أن التقدميين، الذين يسعون جاهدين لمحاربة الظلم من خلال التضامن، سوف يشعرون بالغضب والرعب بسبب الحظر الظالم الواضح، وليس سراً أنهم سوف يميلون إلى التحدث علناً.
كل هؤلاء الأفراد والجماعات، الذين دافعوا سابقاً عن بالستاين آكشن، سوف يصبحون الآن أهدافاً للمراقبة من قبل شرطة مكافحة الإرهاب، وبناء على ذلك، هل نتوقع أن يكون هناك شرطي بملابس مدنية يدون ملاحظاته عما قيل عندما يلقي جورج مونبيوت كلمة في مهرجان أدبي مثلاً؟
هل سيتم تخصيص موارد الشرطة لمراقبة قسم التعليقات عندما يقوم أوين جونز مثلاً بالبث المباشر على موقع يوتيوب؟ أم هل يتوقع احتجاز سالي روني واستجوابها في المطار من قبل شرطة مكافحة الإرهاب بسبب ما كتبته في صحيفة الغارديان؟
هل سيتعين على زارا سلطانة عندما تجتمع مع ناخبيها أن تتساءل عما إذا كانت تتحدث إلى أحد سكان كوفنتري ساوث أو عميل محرض؟ أم هل مرشحي حزب الخضر مثل زاك بولانسكي القلق مما يقولون خلال اجتماعات الحزب؟
عندما تسير جنباً إلى جنب مع مئات الآلاف من المتظاهرين الآخرين الذين يسيرون سلمياً في شوارع لندن للمطالبة بإنهاء الإبادة الجماعية، هل ستتم مراقبتك؟! هل يجب علينا ونحن نعارض الإبادة الجماعية وهذا الحظر الظالم أن نقلق حول طرق الباب في منتصف الليل؟!
من المستهدف التالي؟!
هناك بعد قبيح آخر لهذه القضية، فقرار حظر حركة بالستاين آكشن سوف يؤدي بلا شك إلى مراقبة المرشحين المناهضين للحرب والتقشف والمؤيدين لغزة والذين يهددون الآن العديد من كبار وزراء حكومة ستارمر.
في عام 2022، حظر حزب العمال الخاضع لسيطرة ستارمر سلسلة من المجموعات ومن المثير للدهشة أن الحظر تم تطبيقه بأثر رجعي، حيث أصبح بالإمكان طرد أشخاص بسبب إعجابهم بتغريدة منظمة ما قبل سنوات من اعتبار ذلك جريمة!
على سبيل المثال، هناك ويس ستريتنج، الوريث المفترض لستارمر، والذي يحظى بأغلبية 500 صوت مهددة من قبل ليان محمد وهي مستقلة في العشرينيات من عمرها ولا تتزعزع في التزامها بمعارضة الجرائم في غزة ومحاربة الإمبريالية وهزيمة التقشف.
يمكن النظر مثلاً إلى وزير المالية شبانة محمود، الذي بالكاد تمكن من الاحتفاظ بأحد مقاعد حزب العمال الخمسة الأكثر أماناً في البلاد في برمنغهام، حيث اشارت استطلاعات الرأي الأخيرة بأن 5% فقط من الناخبين في برمنغهام من المرجح أن يصوتوا لصالح حزب العمال في الانتخابات المحلية العام المقبل.
ولو نظرنا إلى كير ستارمر نفسه، الذي كنت في مواجهته في الانتخابات الأخيرة وتقلصت أغلبيته إلى النصف، وأنا هنا لا أفترض أن المجتمع التقدمي في هولبورن وسانت بانكراس سوف يختارني لخوض الانتخابات العامة المقبلة لكنني أعلم على وجه اليقين أنهم سوف يختارون مرشحاً يمكنه دفع ستارمر إلى حافة الهاوية.
لو تجولت في منطقة كامدن وتحدثت إلى الناس سوف تكتشف غضبهم الحقيقي من فشل عضو البرلمان الخاص بهم في الوقوف في وجه الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في وقت يحرم فيه كبار السن والمعاقين من مزايا معينة.
ما الذي قد يحدث في الفترة التي تسبق الانتخابات المقبلة، عندما يتعرض العشرات من أعضاء البرلمان من حزب العمال للتهديد من قِبَل مجموعة ناشئة حديثاً من التقدميين على يسارهم وبعضهم مستقل وبعضهم ينتمي إلى حزب الخضر؟ هل يواجههم الحزب بعدالة؟ أم أن الحزب سيفعل ما فعله مع أمثال فايزة شاهين وعدد لا يحصى من اليساريين الآخرين وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم للعثور على أي شيء قد يشبه مخالفة ويستخدمه ضدهم؟!
اعذروني على إثارة المخاوف، ولكن المخاوف مبررة، ففي عام 2022، حظر حزب العمال الخاضع لسيطرة ستارمر سلسلة من المجموعات ومن المثير للدهشة أن الحظر تم تطبيقه بأثر رجعي، حيث أصبح بالإمكان طرد أشخاص بسبب إعجابهم بتغريدة منظمة ما قبل سنوات من اعتبار ذلك جريمة!
لقد قام الحزب بتغيير كتاب قواعده، ففي السابق، كان كتاب القواعد ينص على أن مبادئ العدالة الطبيعية تنطبق على حالات مثل الحظر، والآن تم حذف ذلك، فقد حذف حزب العمال حرفياً العدالة الطبيعية من كتاب قواعده.
في عام 2022، ادعى حزب العمال أنه يحظر الجماعات لمحاربة معاداة السامية، ولكن في الواقع، فقد تم استخدام الحظر كأداة لطرد الأشخاص الذين وجدت القيادة أنهم غير ملائمين سياسياً ولا يوجد جرائم أخرى لإلصاقها بهم، وبتلك الطريقة قام الحزب بطرد المخرج الشهير كين لوتش.
من خلال هذه الآلية أيضاً، قام الحزب بطرد مجموعة كبيرة من اليهود اليساريين والمناهضين للصهيونية، حتى أن حزب العمال استخدم الحظر لطرد اليهود باسم مكافحة معاداة السامية! واليوم، تقوم حكومة حزب العمال بحظر حركة بال آكشن غير العنيفة دفاعاً عن القانون!
ربما لن تستخدم هذه الحكومة، التي تكافح في صناديق الاقتراع، سلطة الدولة لملاحقة خصومها السياسيين، وربما لن يفعلوا بالضبط ما فعلوه لتدمير معارضتهم في حزب العمال، ولكن يمكننا أن نتفق جميعاً على أن هذا لا ينبغي أن يكون ممكناً في ظل ديمقراطية فاعلة!
نواب حزب العمال لا تصمتوا!
في عام 1996، استدعاني نيلسون مانديلا إلى مكتبه وأخبرني بأنه سوف يتم “إرسالي” إلى أول برلمان في جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري، وباعتباري يهودي وابن أحد الناجين من المحرقة، فقد كان شرفاً لي أن أقدم أول اقتراح على الإطلاق في برلمان جنوب إفريقيا للاعتراف بالمحرقة ولذلك أعرف ما الذي يعنيه الوقوف في البرلمان واتخاذ القرارات حول مستقبل بلدك.
لذا، أريد أن أغتنم هذه الفرصة لمخاطبة أعضاء حزب العمال البالغ عددهم 411 نائباً والذين سوف يصوتون على الحظر،ففي المستقبل القريب، سوف يكون هناك متاحف ونصب تذكارية لهذه الإبادة الجماعية.
سوف يعترف الجميع قريباً وسيسألك أصدقاؤك وعائلتك وأولادك وأحفادك قريباً عما فعلت عندما كانت إسرائيل تقصف أطفال غزة؟ بماذا تعتقد أنهم سوف يردون عندما تخبرهم أنك، بدلاً من الدفاع عن الشعب الفلسطيني، قمت بالتصويت لجعل رش طلاء طائرة تحلق فوق غزة جريمة إرهابية أو تخريب ملعب الجولف الخاص بدونالد ترامب أو تعطيل آلة الحرب الإسرائيلية ببعض المطارق والشجاعة الشخصية؟
في منتصف الليل، عندما تعجز عن النوم، سيتعين عليك أن تجيب على نفسك عما ستفعله في التصويت، فماذا ستكون إجابتك؟ في لحظة الأزمة هذه، هل وقفت إلى جانب الإبادة الجماعية أم هل كانت لديكم الشجاعة للدفاع عن الأبرياء في غزة وحماية الديمقراطية البريطانية والوقوف في وجه قادتكم؟
هل ستصوت بأن حركة بالستاين آكشن هم إرهابيون؟ اختر بحكمة، فالعالم وناخبوكم يراقبون.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)