“مخيمات نزع التطرف” في غزة: مؤشرات على ترحيل جماعي تحت غطاء إنساني

اقترحت “مؤسسة غزة الإنسانية”، المدعومة من الولايات المتحدة والمثيرة للجدل، إنشاء ما أسمته “مناطق عبور إنسانية” داخل قطاع غزة، وذلك بغرض إيواء الفلسطينيين و”اجتثاث التطرف” منهم، وفق ما نقلته وكالة رويترز يوم الاثنين.

طُرح الاقتراح، الذي أُدرج ضمن خطة شاملة تهدف إلى إنهاء سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع، في وثائق قُدمت إلى إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وناقشته جهات داخل البيت الأبيض مؤخراً، بحسب الوكالة.

وبحسب الخطة، فإن هذه “المناطق الإنسانية” ستكون مخيمات “واسعة النطاق” و”طوعية”، يُفترض أن تتيح للفلسطينيين “الإقامة المؤقتة، ونزع التطرف، وإعادة الاندماج، والاستعداد للانتقال إن رغبوا في ذلك”.

كما ورد في مجموعة شرائح استعرضتها رويترز أن هذه المنشآت يمكن أن تُستخدم لـ”كسب الثقة مع السكان المحليين” ودعم “رؤية ترامب لغزة”.

غير أن وكالة رويترز لم تتمكن من التحقق من الوضع الفعلي للخطة بشكل مستقل، بينما نفت المؤسسة الأميركية علاقتها المباشرة بالوثائق، وقالت إن الشرائح “ليست وثيقة صادرة عن مؤسسة غزة الإنسانية”.

وأضافت أنها تدرس “مجموعة من الخيارات النظرية لإيصال المساعدات الإنسانية بأمان إلى غزة”، لكنها “لا تخطط أو تنفذ مناطق عبور إنسانية”.

في المقابل، يثير هذا الطرح قلقاً واسعاً، لا سيما أن حكومتي دولة الاحتلال والولايات المتحدة أشارتا مراراً في تصريحات رسمية وغير رسمية إلى خيار “نقل سكان غزة”، وهي خطوة يصفها خبراء ومنظمات حقوقية بأنها قد ترقى إلى مستوى التطهير العرقي.

وفي السياق ذاته، كانت دولة الاحتلال قد أوقفت دخول أي مساعدات إلى قطاع غزة لمدة ثلاثة أشهر عقب إنهاء وقف إطلاق النار الأحادي الجانب مع حماس في مارس/آذار الماضي.

وقد أُنشئت “مؤسسة غزة الإنسانية” بدعم من واشنطن وتل أبيب لتحل محل آليات التنسيق التي كانت تقودها الأمم المتحدة، لكن منذ انطلاقها في مايو/أيار الماضي، وُصفت عملياتها بـ”الفوضوية” و”غير المنضبطة”.

وتفيد التقارير بأن جيش الاحتلال قتل أكثر من 600 فلسطيني وجرح نحو 4000 آخرين أثناء إطلاق النار على حشود من الفلسطينيين كانوا يسعون للحصول على المساعدات من مواقع توزيع تابعة للمؤسسة.

وفي بيان أرسلته إلى موقع ميدل إيست آي، نفت مؤسسة غزة الإنسانية بشدة صحة ما ورد في تقرير رويترز، ووصفت المعلومات الواردة فيه بأنها “كاذبة ومضللة”.

وقالت المؤسسة: “إن العرض الذي استشهدوا به ليس وثيقة صادرة عنا، ولا يمت بصلة إلى منظمتنا أو إلى مهمتنا الإنسانية”.

وأضاف المتحدث باسم المؤسسة، تشابين فاي: “من المقلق أن يتم نقل معلومات مضللة بهذه الطريقة، على الرغم من نفيها المتكرر، نحن لا نخطط، ولم نخطط أبدًا، لإنشاء مناطق عبور إنسانية الآن أو في المستقبل”.

وأكد فاي أن التركيز الوحيد للمؤسسة ينصب حاليًا على “توسيع نطاق عمليات توزيع المساعدات الغذائية لتلبية الاحتياجات العاجلة والهائلة للسكان في قطاع غزة”، في ظل الوضع الإنساني الكارثي الذي تعيشه المنطقة.

غير أن تحقيقًا صحفيًا أجرته صحيفة فاينانشيال تايمز كشف عن تفاصيل مثيرة بشأن تورط إحدى الشركات الاستشارية المتعاونة مع مؤسسة غزة الإنسانية في إعداد نموذج خطة ترمي إلى “نقل” الفلسطينيين من القطاع، وقد وُصف هذا التعاون بأنه تم بتمويل ملايين الدولارات من داعمين إسرائيليين.

وأظهر التحقيق أن الشركة وضعت نماذج مالية لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، وأن أحد هذه النماذج تضمّن سيناريو “النقل الطوعي” للفلسطينيين، مقترحًا تقديم “حزم إعادة توطين” بقيمة 9,000 دولار لكل فرد لتحفيز نحو نصف مليون فلسطيني على مغادرة غزة.

وتشير الوثائق إلى أن ربع سكان غزة من المفترض أن يقبلوا بالرحيل بموجب هذا السيناريو، في حين يُتوقع ألا يعود ثلاثة أرباعهم إلى القطاع مرة أخرى.

كما بيّنت الحسابات أن تكلفة “ترحيل” الفلسطينيين ستكون أقل من تكاليف دعمهم داخل غزة بفارق يصل إلى 23,000 دولار للفرد.

ورغم أن مجموعة بوسطن الاستشارية التي أعدت هذا النموذج نفت علم إدارتها العليا بالتفاصيل، فإن الوقائع تعكس توجهاً مقلقاً في السياسات الممولة من أطراف أميركية وإسرائيلية تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع السكاني والسياسي في غزة تحت غطاء إنساني.

ويرى مراقبون أن هذه الخطط، سواء أُعلن عنها بشكل رسمي أو جرى التنصل منها لاحقاً، تنسجم مع أجندة أوسع لدولة الاحتلال تستهدف تقويض الوجود الفلسطيني في القطاع، سواء عبر الحصار الخانق أو عبر آليات “إعادة الإعمار” المشبوهة التي يتم طرحها بين حين وآخر.

مقالات ذات صلة