الولايات المتحدة تلوّح بالعقوبات الشاملة ضد المحكمة الجنائية لحماية إسرائيل

خلال اجتماع مؤخراً لجمعية الدول الأطراف، وهي الهيئة الإشرافية للمحكمة الجنائية الدولية، في نيويورك، أطلق مستشار قانوني كبير لوزارة الخارجية الأمريكية تهديداً واضحاً لهيئة الإشراف على المحكمة الجنائية الدولية، محذراً من أن “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة” إذا لم تقم المحكمة بإسقاط التحقيقات ومذكرات الاعتقال ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقد وجه ريد روبنشتاين، ممثل الولايات المتحدة، تهديده قائلاً: “سوف نستخدم جميع الأدوات الدبلوماسية والسياسية والقانونية المناسبة والفعالة لمنع تجاوزات المحكمة الجنائية الدولية، فالعقوبات الإضافية التي فرضناها في 5 يونيو يجب أن تؤكد عزمنا على ذلك”، وذلك في إشارة إلى التحرك الأخير الذي اتخذته الولايات المتحدة بفرض عقوبات على 4 قضاة في المحكمة الجنائية الدولية كانوا قد أصدروا أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت في نوفمبر الماضي.

وأضاف روبنشتاين في تهديده للمحكمة الجنائية الدولية قائلاً: “لكي نكون واضحين، نتوقع إنهاء جميع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد الولايات المتحدة وحليفتنا إسرائيل، أي جميع التحقيقات وجميع أوامر الاعتقال، وإن لم يحصل ذلك، فإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”.

يذكر أن جمعية الدول الأطراف كانت مجتمعة لمناقشة تعديل محتمل لنظام روما الأساسي، المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك لتوسيع اختصاص المحكمة على “جريمة العدوان”، حيث تتمتع المحكمة بسلطة قضائية في 125 دولة تعترف بسلطتها.

ومن شأن التعديل المذكور تمكين المحكمة من المحاكمة على جريمة العدوان إذا ارتكبت على أراضي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، كما هو الحال بالفعل مع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية.

ولا تعد كل من الولايات المتحدة ولا إسرائيل طرفاً في نظام روما الأساسي، وقد رفضتا منذ فترة طويلة سلطة المحكمة، ولكن سُمح لروبنشتاين بالحضور والتحدث في الاجتماع كمراقب.

تجدر الإشارة إلى أنه قد سبق للمحكمة أن حققت في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان، وهي إحدى الدول الموقعة على نظام روما الأساسي.

في تهديده، ادعى روبنشتاين بأن “المحكمة الجنائية الدولية انخرطت في أعمال غير مشروعة ولا أساس لها من الصحة تستهدف أمريكا وحليفتنا الوثيقة إسرائيل، وقد أساءت المحكمة استخدام سلطتها بشكل خاطئ، كما أن سلوكها الخبيث يهدد بانتهاك سيادة الولايات المتحدة وتقويض عملنا المهم في مجال الأمن القومي والسياسة الخارجية”.

من جهة أخرى، فقد تعرض روبنشتاين، مستشار وزارة الخارجية، لانتقادات واسعة النطاق في الولايات المتحدة لادعائه على وسائل التواصل الاجتماعي في فبراير عام 2024 بأن إدارة بايدن لديها “برنامج ضخم للإطاحة بالحكومة الإسرائيلية”.

وفي معرض الطعن في منصبه خلال جلسة استماع لمجلس الشيوخ حول العلاقات الخارجية في مارس الامضي، قال روبنشتاين: “خلال إدارة أوباما، كانت وزارة الخارجية تدير الأموال لتمويل عملية مناهضة للحكومة داخل إسرائيل، وقد عاد العديد من نفس الأشخاص، الذين شاركوا في وزارة الخارجية في إدارة أوباما، في عهد الرئيس بايدن، ويبدو لي، بناءً على رسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها من خلال قانون حرية المعلومات والتي قرأناها، أنه تم تطبيق نفس قواعد اللعبة”.

لقد دعت تصريحات روبنشتاين إلى تعليق السيناتور جين شاهين آنذاك، عليها باعتبار تصريحاته أقرب لـ “نظريات المؤامرة”

زيادة العقوبات الأمريكية

يذكر أن رسالة روبنشتاين إلى جمعية الدول الأطراف جاءت قبل يوم واحد من إعلان إدارة ترامب أنها سوف تفرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين.

وتأتي العقوبات في أعقاب تقرير ألبانيز في 30 يونيو الماضي، والذي ذكرت فيه أكثر من 60 شركة، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت، في سياق تورطها في “تحويل اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي إلى اقتصاد للإبادة الجماعية”.

علق وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قائلاً: “حملة الحرب السياسية والاقتصادية التي تشنها ألبانيز ضد الولايات المتحدة وإسرائيل لن يتم التسامح معها بعد الآن”.

بموجب ذلك، سوف تجمد العقوبات أي أصول تمتلكها ألبانيز، وهي مواطنة إيطالية، في الولايات المتحدة ومن المرجح أن تقيد قدرتها على السفر إلى الولايات المتحدة. 

إذا ما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة باعتبارها مؤسسة، فإن هذا من شأنه أن يمنع البنوك وشركات البرمجيات من التعامل معها، وهو ما قد يشكل تهديداً وجودياً للمحكمة الجنائية الدولية، لأنه قد يدمر قدرتها على العمل

من جانبه، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى “الإلغاء الفوري” للعقوبات المفروضة على ألبانيز قائلاً:  “الهجمات والتهديدات ضد المكلفين بولايات الإجراءات الخاصة، وكذلك المؤسسات الرئيسية مثل المحكمة الجنائية الدولية، يجب أن تتوقف”.

وتواجه المحكمة الجنائية الدولية تضييقات ومحاصرة متصاعدة، حيث يعتقد العديد من الخبراء بأن المحكمة نفسها يمكن أن تستهدف قريباً من قبل العقوبات الأمريكية إذا لم يتم إسقاط مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت.

من الجدير بالذكر أن خان، كبير المدعين البريطانيين، الذي أصدر مذكرات الاعتقال في إجازة حالياً بعد فشل محاولات إيقافه عن العمل، وفي انتظار تحقيق الأمم المتحدة في مزاعم الاعتداء الجنسي ضده، وهو ما ينفيه، وكان خان قد ذهب في إجازة في شهر مايو بينما كان يقوم بإعداد مذكرات اعتقال جديدة بحق الوزيرين الإسرائيليين اليمينيين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بسبب ترويجهما للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة.

“طلقة تحذيرية أخيرة”

في حديث له مع إذاعة “كان” الإسرائيلية، صرح محامي الدفاع البارز في المحكمة الجنائية الدولية، نيكولاس كوفمان، بأن العقوبات الأمريكية الأخيرة على 4 قضاة في المحكمة الجنائية الدولية “كان المقصود منها تشجيع إسقاط أوامر الاعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع السابق غالانت”.

وأضاف كوفمان: “بناء على ذلك، يعتقد معظم المعلقين أن فرض العقوبات هو بمثابة طلقة تحذيرية أخيرة، إذا جاز لي أن أضع الأمر على هذا النحو، قبل معاقبة نواب المدعين الذين تولوا الآن مهام كريم خان، الذي خرج في إجازة مفروضة على نفسه بسبب مزاعم سوء السلوك الجنسي”.

من ناحية أخرى، كشف موقع ميدل إيست آي في 16 يونيو الماضي بأن الحكومة البريطانية كانت تضغط على الولايات المتحدة ضد فرض عقوبات على المحكمة نفسها، حيث أوضحت مصادر دبلوماسية بأن الولايات المتحدة أبلغت حلفاءها أنه ولتجنب مواجهة المزيد من العقوبات، يتعين على المحكمة أن توقف بشكل دائم جميع الإجراءات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

أعلنت الولايات المتحدة أيضاً بأن على المحكمة الجنائية الدولية الالتزام بعدم استهداف المواطنين الأمريكيين وحلفاء الولايات المتحدة الذين لم يوافقوا على اختصاص المحكمة.

إذا ما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة باعتبارها مؤسسة، فإن هذا من شأنه أن يمنع البنوك وشركات البرمجيات من التعامل معها، وهو ما قد يشكل تهديداً وجودياً للمحكمة الجنائية الدولية، لأنه قد يدمر قدرتها على العمل.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة