“حقوق المرأة” على مقاس الاحتلال: نفاق النسوية الغربية في غزة

بقلم مريم الدوسري

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد عادت نسويات بريطانيا للظهور مجدداً، ناشطات نسويات صاخبات غضبهن انتقائي بقدر ما هو أدائي، ومن العجيب أن بوصلتهن الأخلاقية دائماً ما تتوافق مع قوة الدولة الغربية، فقد التزمن الصمت بينما تحترق غزة، ولكن يسارعن الهتاف لإسرائيل وحلفائها مهددات بتسوية إيران بالأرض ولعنة الضحايا المدنيين!

أثناء الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، وصفت الصحفية النسوية المتطرفة والمؤسسة المشاركة لمنظمة العدالة للنساء، جولي بيندل، النسويات اليساريات المناهضات للحرب بأنهن متعاطفات مع “فريق إيران”، وهو اتهام مضلل ويحمل بعداً أيديولوجياً خطيراً لكنه لم يكن مفاجئاً.

من المفترض أن الاحتجاج ضد عنف الدولة القائم على النوع الاجتماعي يعد أساساً في جوهر الحركة النسوية نفسها، فنفس الأصوات التي دافعت ذات يوم عن الحق في حرية التعبير والتشويه والتعطيل إن كان الموضوع الاحتلال الإسرائيلي، تتراجع الآن أمام لافتة تطالب ببساطة بالمساءلة عن العنف الاستعماري

إن ما نشهده يتجاوز النقد المنطقي، فهو استخدام ساخر للحركة النسوية كسلاح لدعم عنف الدولة، وتلك ليست حادثة معزولة بل هو نمط.

في أكتوبر عام 2023، كتبت بيندل عموداً في صحيفة تلغراف دافعت فيه عن حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على غزة باعتبارها “موقفاً لأجل الحضارة”، مع نشر دعاية ضد الفلسطينيين وتشويه سمعة أولئك الذين يدافعون عن إنسانيتهم، أما عندما يتم انتشال النساء الفلسطينيات من تحت الأنقاض أو تجويعهن في المستشفيات المحاصرة أو حرمانهن من الرعاية الإنجابية أو ولادتهن بجوار جثث أطفالهن، فإن صوت تلك النسويات يختفي رغم توثيق خبراء الأمم المتحدة لأعمال العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في غزة بما في ذلك الاغتصاب والتعري القسري والإذلال العلني.

لا تصريحات ولا هاشتاغات ولا وقفات احتجاجية، فنفس الشخصيات التي تطالب بالغضب العالمي من العنف القائم على النوع الاجتماعي ليس لديها ما تقوله عندما تُرتكب تلك الجرائم بقوة النيران الأمريكية والدعم البريطاني بحق الفلسطينيات!

تضامن مشوه

بينما تنزف النساء في غزة بصمت، فإن تلك النسويات يحتفظن بغضبهن فقط ضد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، حيث يصفنهم بالمتطرفين ويصفن التضامن بالإرهاب، بل ويحولن كل عمل من أعمال المعارضة إلى تأييد “للجهاد” ويستخدمن معاداة السامية كسلاح لسحق الانتقادات.

إن مثل هذا النفاق يعتبر استراتيجياً بقدر ما هو مخجل، فلا شيء يزعج النسويات في بريطانيا أكثر من العلم الفلسطيني، وهو الرمز الذي لا يتعاملن معه باعتباره صرخة تطالب بالعدالة بل باعتباره إهانة لقيمهن الأخلاقية العالية المعلنة.

عندما تنخرط جماعات مثل حركة بال آكشن في عصيان مدني سلمي، فترش شعارات باللون الأحمر على أسوار سلاح الجو الملكي وحتى طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني احتجاجاً على الإبادة الجماعية، فإنها توصف بأنها “إرهابية”، فأفراد تلك الحركات الذين يجرؤون على فضح جرائم القتل الجماعي ومقاومتها يواجهون التجريم كجزء من هجوم محسوب على أي تحدٍ للوضع الراهن، وهذا تشويه أيديولوجي متعمد على شكل نقد نسوي!

علاوة على ذلك، فما تقوم به تلك النسويات يعد خيانة لإرث الحركة النسوية الفخورة بالمقاومة اللاعنفية، من مسيرات استعادة الليل التي تحدت حظر التجول الذي فرضته الشرطة في السبعينيات إلى أخوات ساوث هول السود اللاتي خرجن إلى الشوارع لمواجهة العنف المنزلي وعنصرية الدولة وتقاعس الشرطة قبل وقت طويل من أن يكون الأمر مناسباً سياسياً.

من المفترض أن الاحتجاج ضد عنف الدولة القائم على النوع الاجتماعي يعد أساساً في جوهر الحركة النسوية نفسها، فنفس الأصوات التي دافعت ذات يوم عن الحق في حرية التعبير والتشويه والتعطيل إن كان الموضوع الاحتلال الإسرائيلي، تتراجع الآن أمام لافتة تطالب ببساطة بالمساءلة عن العنف الاستعماري.

ستار بلغة نسوية

يبدو أن مجرد الاعتراض على قصف المدنيين الإيرانيين يعتبر الآن “دعماً للنظام”، فهو إطار غير تاريخي ويشكل في الوقت نفسه انهياراً مذهلاً للصرامة الفكرية التي تدعيها النسويات.

عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن هؤلاء النسويات يصبحن خبراء بين عشية وضحاها في قضايا وادعاءات الجلد والحجاب والشنق!

في المقابل، لو نظرنا إلى جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل من قصف المستشفيات والمقابر الجماعية والاستهداف المتعمد للمدنيين فما الذي يعنيه كل هذا في منظومة القدرات الفكرية والوضوح الأخلاقي لدى النسويات؟ 

تتعطل تلك القيم فجأة، ويتم التعامل مع إيران على أنها وحشية بشكل فريد، الأمر الذي يتطلب إدانة استثنائية وعنفاً استثنائياً من جانب من يعتبرون أبطال حقوق الإنسان!

هذا هو التفكير المزدوج بعينه، فنفس النسويات اللاتي دافعن ذات يوم عن غزو أفغانستان والعراق تحت شعار “إنقاذ المرأة”، يعدن الآن استخدام نفس المنطق لإضفاء الشرعية على العدوان الغربي المستمر.

يجب أن تعني النسوية أكثر من مجرد شعارات للإمبراطورية، وهنا أقصد الوقوف ضد كل أشكال القمع، وليس فقط النوع الذي يناسب المنقذين البيض والحلفاء الغربيين، وقد حان الوقت للوفاء بهذا الوعد من خلال استعادة تلك الحقوق من أولئك الذين حولوا “حقوق المرأة” إلى سلاح حرب وتبييض!

ألم نتعلم شيئاً من عقدين من الحرب والاحتلال والموافقة المصطنعة؟ ألم ندرك بأن هذا ليس تضامناً، بل هو ستار يبرر الحرب بلغة نسوية؟

وعلى نحو مماثل، فإن معارضة الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين لا تعني ضمناً تأييد النظام الإيراني، فرفض مثل هذه المعارضة باعتبارها تعاطفاً مع النظام يشكل إهانة اختزالية للناشطات النسويات الإيرانيات اللاتي خاطرن بكل شيء لمواجهة الظلم، وكما أوضحت نازانين زغاري راتكليف، واحدة من أشجع المنشقات النسويات في البلاد والتي سُجنت لتحديها الدولة، فإن التغيير الحقيقي سوف يأتي من الداخل.

إضافة إلى ذلك، ففي ليبيا وأفغانستان والعراق، حيث تم تسويق التدخل الغربي على أنه خلاص، لم يترك الغرب سوى قنابله ومقابر جماعية وبنية تحتية منهارة ومجتمعات محطمة!

نسوية انتقائية

لقد ادعى بعض المعلقين المؤيدين للحرب كذباً أن معظم الإيرانيين يدعمون القصف الأمريكي أو الإسرائيلي لبلادهم، ولكن في الواقع، كانت الحشود الصغيرة التي شوهدت وهي تحتفل بالغارات الجوية خارج السفارة الإيرانية تتجمع خلف رضا بهلوي، وهو رجل معروف بدعمه العلني لإسرائيل، ومع ذلك فقد رفض في مقابلات أجريت معه مؤخراً قتل شعبه باعتباره “أضراراً جانبية”.

إن تصوير هذا العرض الهامشي باعتباره مثالاً للمعارضة الإيرانية يعد دعاية ترتدي ثوب المبدأ السياسي، حتى أن هاشتاغ مثل #TeamIran، والذي بالكاد يستخدم في موجزات شخصية إعلامية واحدة، تحول إلى محور حملة تشهير مصطنعة ضد التضامن اليساري، حيث تحاول هذه الرواية المصطنعة، التي يدفعها النقاد والسياسيون على حد سواء، تصوير الأصوات المناهضة للحرب على أنها موالية لـ “النظام” وكل ذلك لقمع المعارضة وتعزيز الدعم للتصعيد العسكري، ثم يتم بعد ذلك الاستهزاء بهؤلاء المنشقين ووصفهم بأنهم “أغبياء” أو “جاهلون”.

العجيب في الأمر حقاً هو كيف أمضت بعض الأصوات النسوية الأعلى في المملكة المتحدة الأشهر العشرين الماضية واقفة جنباً إلى جنب مع المحتل العسكري كاشفة عن عنصريتها العارضة ومغازلة اليمين المتطرف بازدراءها العميق للمسلمين والمتخفي في مواقف أخلاقية مفترضة.

لا يشتعل غضب تلك النسويات إلا عندما تملقهن للقوة الإمبريالية ويختفي تماماً عندما تقصف القوات الإسرائيلية المستشفيات أو تمنع قوافل المساعدات أو تترك النساء والأطفال يحترقون.

أين هو غضبهن من قائمة جرائم الحرب الإسرائيلية؟ أين هو الغضب النسوي من سياسات الفصل العنصري والحصار الخانق لغزة والمحو الممنهج للحياة الفلسطينية؟!

لماذا أصبحت الانتقائية هي القاعدة لدى النسويات؟ لماذا ترتعد العديد من المنظمات النسوية من الخوف ولا ترغب في التحدث إلا إذا كان ذلك يخدم الأقوياء؟ 

يجب أن تعني النسوية أكثر من مجرد شعارات للإمبراطورية، وهنا أقصد الوقوف ضد كل أشكال القمع، وليس فقط النوع الذي يناسب المنقذين البيض والحلفاء الغربيين، وقد حان الوقت للوفاء بهذا الوعد من خلال استعادة تلك الحقوق من أولئك الذين حولوا “حقوق المرأة” إلى سلاح حرب وتبييض!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة