وصف أستاذٌ شهيرٌ في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية حربَ الاحتلال على غزة بأنها حالةٌ “لا مفرّ منها” من الإبادة الجماعية.
وبهذا التوصيف فإن عمر بارتوف، الأستاذ في جامعة براون ينضم إلى مجموعةٍ من الباحثين البارزين في دولة الاحتلال واليهود حول العالم الذين توصلوا إلى نفس الاستنتاج بشأن الحرب التي يشنها الاحتلال منذ 21 شهرًا على القطاع المحاصر.
وكتب عمر بارتوف، وهو جندي سابق أيضاً في جيش الاحتلال، في صحيفة نيويورك تايمز يوم الثلاثاء أنه بعد دراسةٍ متأنيةٍ للحرب، فإن “النتيجة التي لا مفرّ منها هي أن إسرائيل ترتكب إبادةً جماعيةً ضد الشعب الفلسطيني”.
وأضاف: “نشأتُ في منزلٍ صهيوني، وعشت النصف الأول من حياتي في إسرائيل، وخدمتُ في الجيش الإسرائيلي كجنديٍّ وضابط، وقضيتُ معظم حياتي المهنية في البحث والكتابة عن جرائم الحرب والهولوكوست، وكان الوصول إلى هذا الاستنتاج مؤلمًا، وهو استنتاجٌ قاومتُه قدر استطاعتي”.
ومضى بارتوف يقول: “لكنني أُدرّس محاضرات في الإبادة الجماعية منذ ربع قرن وأستطيع تمييزها بمجرد رؤيتها”.
ويُعتبر بارتوف أحد أبرز الباحثين العالميين في محرقة الهولوكوست خلال الحرب العالمية الثانية، وهو خبير في الإبادة الجماعية، ومن أشهر كتبه كتاب “تشريح الإبادة الجماعية”.
ويأتي مقال بارتوف في أعقاب تقرير نشرته صحيفة NRC الهولندية، والذي أجرى مقابلات مع سبعة باحثين بارزين في مجال الإبادة الجماعية والهولوكوست من ست دول بما في ذلك دولة الاحتلال نفسها، وقد وصفوا جميعاً عدوان الاحتلال على غزة بالإبادة الجماعية.
كما توصلت منظمات حقوق الإنسان الرائدة إلى استنتاج مفاده أن دولة الاحتلال ترتكب إبادة جماعية.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2024، أصبحت منظمة العفو الدولية أول منظمة رئيسية تخلص إلى أن دولة الاحتلال ارتكبت إبادة جماعية خلال حربها على غزة، بينما خلصت هيومن رايتس ووتش، برأي أكثر تحفظًا، إلى أن “أعمال إبادة جماعية” قد ارتُكبت.
وكتبت فرانشيسكا ألبانيز، كبيرة خبراء الأمم المتحدة في فلسطين، تقريرين العام الماضي يُشيران إلى وقوع إبادة جماعية في غزة.
وجادل أكاديميون إسرائيليون بارزون آخرون، بمن فيهم المؤرخ آفي شلايم، بأن حرب الاحتلال على غزة تُشكل إبادة جماعية.
وأكد بارتوف أن قراره استند إلى تحديد نية المسؤولين في دولة الاحتلال في ارتكاب إبادة جماعية، وإلى الإجراءات الميدانية.
وقال: “في حالة إسرائيل، عبّر العديد من المسؤولين والقادة عن هذه النية علنًا، ولكن يمكن أيضًا استنباط النية من نمط من العمليات الميدانية”.
وأوضح ذلك بقوله: ” “اتضح هذا النمط بحلول مايو/أيار 2024، وأصبح أكثر وضوحًا منذ ذلك الحين مع قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير قطاع غزة بشكل ممنهج”.
وأشار بارتوف إلى أن دولة الاحتلال تنفي أي عمليات قتالية، معتبرةً أنها تمارس إبادة جماعية في قطاع غزة.
وقال إن “التدمير الممنهج في غزة، ليس فقط للمساكن، بل أيضًا للبنى التحتية الأخرى بما فيها المباني الحكومية، والمستشفيات، والجامعات، والمدارس، والمساجد، ومواقع التراث الثقافي، ومحطات معالجة المياه، والمناطق الزراعية، والحدائق، وهذا يعكس سياسة تهدف إلى جعل الحياة الفلسطينية في القطاع أمرًا مستبعدًا للغاية”.
يذكر أن ما لا يقل عن 58,479 فلسطينيًا معظمهم من النساء والأطفال قد استشهدوا في عدوان الاحتلال على غزة ردًا على الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على جنوب الدولة العبرية.
وفي يونيو/حزيران، وجدت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن الغارات الجوية الإسرائيلية، والقصف، والحرق، وعمليات الهدم المُتحكم بها قد ألحقت أضرارًا أو دمرت أكثر من 90% من المدارس والمباني الجامعية في جميع أنحاء قطاع غزة.
ووجدت دراسة أجريت في وقت سابق من هذا العام أن 80% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة قد دُمرت.
كما انتقد بارتوف بعض المؤرخين الذين وصفوا منتقدي عدوان الاحتلال على غزة بـ”المعادين للسامية”.
وأعرب عن قلقه إزاء التداعيات الأوسع لهذا الخلاف “بين باحثي الإبادة الجماعية ومؤرخي الهولوكوست”.
وكتب: “ما أخشاه هو أنه في أعقاب إبادة غزة، لن يكون من الممكن مواصلة تدريس الهولوكوست والبحث فيه بنفس الطريقة التي اتبعناها سابقًا”.
وأضاف: “بما أن دولة إسرائيل والمدافعين عنها قد استعانوا بالهولوكوست بلا هوادة كغطاء لجرائم الجيش الإسرائيلي، فإن دراسة الهولوكوست وإحياء ذكراها قد يفقدان صفة الاهتمام بالعدالة العالمية، ويعودان إلى نفس الغيتو العرقي الذي ظهر في نهاية الحرب العالمية الثانية”.