بعد زيارته لدولة الاحتلال.. مقاضاة إمام تونسي فرنسي بتهمة “الخيانة العظمى”

رفعت منظمة تونسية شكوى قانونية ضد الإمام الفرنسي التونسي حسن شلغومي، ودعت إلى سحب الجنسية التونسية منه، وذلك عقب زيارته الأخيرة لدولة الاحتلال في ظل عدوانها على قطاع غزة.

وكان شلغومي وهو إمام مسجد درانسي البلدي قرب باريس ورئيس مؤتمر أئمة فرنسا قد ترأس وفدًا من رجال الدين المسلمين في أوروبا في زيارة إلى دولة الاحتلال زعم الوفد أنها كانت تهدف إلى “بناء الجسور وتعزيز الحوار بين الأديان”.

وخلال الزيارة التقى الوفد، الذي ضم 15 إمامًا مسلمًا من فرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والمملكة المتحدة، برئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ.

يذكر أن شبكة القيادة الأوروبية (Elnet)، وهي جماعة داعمة للاحتلال قد نظمت الرحلة التي شملت زيارة مواقع مرتبطة بالهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك كيبوتس كفار عزة قرب قطاع غزة.

وخلال الزيارة قال شلغومي لهيرتسوغ إن “الحرب التي اندلعت بعد 7 أكتوبر ليست حرباً بين إسرائيل وحماس أو إسرائيل وحزب الله بل هي حرب بين عالمين، أنت تُمثل عالم الإنسانية والديمقراطية”.

وفي مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، شوهد شلغومي وهو يحاول تقبيل يد وزير داخلية الاحتلال، موشيه أربيل، الذي سارع إلى سحب يده.

وأثارت هذه البادرة والزيارة احتجاجًا واسعًا في تونس، الدولة التي ترفض أي شكل من أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال.

وأعلن المرصد التونسي للشفافية والحوكمة الرشيدة، وهو هيئة رقابية محلية، في بيان له نهاية الأسبوع أنه سيرفع شكوى ضد الشلغومي بتهمة “الخيانة العظمى”.

وقال المرصد في بيان له: “تصرفات المواطن التونسي، الذي قاد مجموعة من الأئمة الأوروبيين (في زيارة إلى إسرائيل) للتعبير عن تضامنهم وإدانة روح المقاومة، عارٌ وإهانةٌ لهيبة الدولة التونسية”.

وورد في البيان أن “التطبيع الصريح الصادر عن هذا الشخص لا يمثل ولا يشرف الشعب التونسي والدولة التونسية بكل مكوناتها، فمواقفه من القضية الفلسطينية معروفة للجميع”.

وأضاف البيان: “تصريحات الشلغومي تُشكل تحريضًا مباشرًا على مقاومة عدوان الكيان المحتل ودعوةً للتطبيع السافر والعلني معه”.

وأكد المرصد على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية أمام المحاكم العسكرية “ضد كل من تورط في أنشطة تجسس مع دول أجنبية أو تطبيع مع الكيان الصهيوني”.

كما طالب التجمع بسحب الجنسية التونسية من الشلغومي بسبب الزيارة التي أثارت ردود فعل سلبية في أنحاء أخرى من العالمين العربي والإسلامي.

فقد أدان الأزهر الشريف، أعلى هيئة علم شرعي في العالم الإسلامي، الزيارة بشدة ووصفها بأنها “خيانة للقيم الدينية والإنسانية”.

وقال الأزهر الشريف، ومقره القاهرة، في بيان إن المشاركين “ادعوا زورًا أن زيارتهم تهدف إلى تعزيز التعايش والحوار بين الأديان، متجاهلين بشكل صارخ الإبادة الجماعية والعدوان والمجازر المستمرة ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 20 شهرًا”.

كما أصدر المجلس الأوروبي للأئمة في باريس إدانة شديدة، واصفًا الزيارة بـ”المريبة”، ومؤكدًا أنها “لا تمثل موقف المسلمين في أوروبا”.

في غضون ذلك، بادر مسجد في مدينة ألكمار الهولندية إلى فصل إمامه بعد مشاركته في الرحلة، في حين أعلن مسجد بلال أن الإمام يوسف مصيبح عُزل من منصبه فورًا.

استمرارية الممارسات الاستعمارية

يذكر أن شلغومي، وهو شخصية إعلامية فرنسية دأبت لسنوات على الدفاع عن “الإسلام المعتدل” والتقارب بين الأديان، وقد عرف كشخصية مثيرة للجدل في الأوساط الإسلامية، لا سيما لالتزامه بالتطبيع مع دولة الاحتلال.

وينشر شلغومي باستمرار منشورات على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ضد “الإسلاموية” ويحذر من أهداف الإخوان المسلمين المزعومة “للتسلل وزعزعة الاستقرار” في أوروبا.

وخلال الشهر الماضي، أثار الإمام غضبًا واسعًا بعد رقصه في فعالية في باريس نُظمت دعمًا لدولة الاحتلال ولأسراها في قطاع غزة.

وخلال مهرجان “سنرقص من جديد”، وهو مهرجان موسيقي إسرائيلي أقيم في 22 يونيو/حزيران، شوهد شلغومي وهو يرقص على خشبة المسرح محاطًا بأعلام دولة الاحتلال.

وأقامت الفعالية في ذلك الوقت منظمة “الحقيقة”، وهي جمعية تأسست لمواجهة “التضليل الإعلامي، وتشويه سمعة إسرائيل، ومعاداة السامية، والإسلام السياسي”، وفقًا لحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأثارت مشاركة شلغومي في المهرجان، في ظلّ عدوان الاحتلال المتواصل على غزة وهجومها على إيران، ردود فعل غاضبة على الإنترنت، حيث اتهم المستخدمون الإمام بـ”الاحتفال بالإبادة الجماعية”.

فقد رأى فرانسوا بورغات، عالم السياسة الفرنسي، المتخصص المرموق في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والإسلام السياسي، أن “اختلاق” صورة الإمام شلغومي كـ”شخصية” هو “خداع مستمر” يُقوّض “صورة المسلمين في فرنسا”.

وقال إن شخصية الإمام شلغومي تجسد استمرارية الممارسات الاستعمارية في فرنسا المعاصرة.

وكتب بورغات: “يبدو شلغومي، في الواقع، سليلًا مباشرًا، ونسخة طبق الأصل من هذه النخب الإسلامية الزائفة التي اختلقتها السلطات الاستعمارية من العدم في الجزائر لتشويه صورة الشعوب المُستعمَرة”.

“لكن في حالة شلغومي، لم تكن السلطات الفرنسية هي من بادر مباشرةً بهذا التلاعب الصارخ، بل الدوائر الصهيونية الفرنسية-الإسرائيلية التي اختلقت شخصيته حرفيًا، بموافقة واضحة من السلطات ووضعته على رأس جمعية أئمة فرنسا التي أُنشئت خصيصًا له” – فرانسوا بورغات، متخصص في الإسلام السياسي

وتابع يقول أن “هذا الخداع المُستمر هو أحد أخطر الهجمات على آليات تمثيل المسلمين في فرنسا”.

مقالات ذات صلة