هجمات الاحتلال توحد السوريين بدلاً من تفتيت بلادهم

بقلم إرسين أكسوي 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

أعادت الاشتباكات الأخيرة في السويداء وما تبعها من تدخل عسكري من قبل دولة الاحتلال، سوريا إلى واجهة المشهد السياسي الإقليمي من جديد، فمنذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ظل التساؤل عمّا إذا كانت الإدارة السورية الجديدة قادرة على ترسيخ قواعدها وسط الانقسامات الأيديولوجية والسياسية العميقة التي تعصف بالبلاد واحداً من أبرز الأسئلة الملحة.

ولفهم التحول السياسي الجاري في سوريا، من الضروري دراسة تأثير الصراع الذي يتمحور حول السويداء، وتدخل دولة الاحتلال، على تماسك القاعدة الداعمة للإدارة الجديدة.

بدأ التصعيد الأخير في جنوب سوريا باشتباكات بين ميليشيات درزية وبدوية، ما دفع الجيش السوري إلى التدخل، وحينها، شنّت دولة الاحتلال غارات جوية على دمشق استهدفت منشآت عسكرية حيوية، من بينها مقر قيادة الجيش، وتحدثت تقارير عن قصف قرب المجمع الرئاسي أيضًا.

وبعد انسحاب القوات السورية من السويداء، استمرت الاشتباكات بين الفصائل الدرزية والبدوية، ما عمّق الانقسامات وأثار مخاوف جدية بشأن سلامة المدنيين في المنطقة.

كان الجيش السوري الجديد وحليفه الرئيسي تركيا قد اكتسبا خبرات قتالية واسعة عبر سنوات من الصراع، ولعبا معًا دورًا محوريًا في الإطاحة بنظام الأسد وتقليص نفوذ إيران وروسيا في المنطقة. 

أما دولة الاحتلال، التي ترتكب منذ ما يقرب من عامين إبادة جماعية في غزة، فترقب هذه التطورات عن كثب، وتبدو عازمة على توظيف بعض الزعماء الدروز لزعزعة الاستقرار في سوريا، في محاولة منها لمنع الإدارة الجديدة من التماسك، خصوصًا في ظل تعاون دمشق الوثيق مع تركيا.

تغيّر في التكتيكات

وفي مواجهة الغارات الجوية التي شنتها دولة الاحتلال على دمشق، ومن خلال إظهار الولاء للدولة، أصبحت المجموعات القبلية فعليًا جبهة جديدة بيد الإدارة التي يقودها الرئيس المؤقت أحمد الشرع. 

فقد تبنت القبائل استراتيجيات ميدانية مبتكرة، مثل استخدام المباني المدنية كغطاء حضري، وإشعال الإطارات لحجب الرؤية الجوية، ما مكنها من التقدم والوصول إلى مركز مدينة السويداء بحلول يوم الجمعة.

ولم تتمكن دولة الاحتلال حتى الآن من تنفيذ تدخل فعّال، نظرًا لأن الضربات الجوية ليست وسيلة مناسبة لاستهداف مجموعات قبلية تتحصن في تضاريس جبلية.

ولطالما اعتمدت دولة الاحتلال، من دمشق إلى غزة، على عقيدة الهيمنة من خلال التفوق العسكري، غير أن هذا النهج ينطوي على خلل قاتل يظهر جليًا في مثل هذه الظروف.

لقد واجهت الإدارة السورية الجديدة تحديات متكررة حول كيفية تحقيق التماسك السياسي بين مكونات قاعدتها الداعمة المتنوعة، وتتجاوز هذه التحديات مجرد دمج مجموعات مثل الأكراد وتحديدًا حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقوات سوريا الديمقراطية (SDF) والدروز، لتشمل طيفًا واسعًا من التيارات الأيديولوجية والسياسية التي يجب التعامل معها بفاعلية، سياسيًا وعسكريًا.

وقد أثار استهداف دولة الاحتلال لدمشق قلق جميع مؤيدي الإدارة السورية الجديدة، إلا أن ذلك أدى في الوقت ذاته إلى تعزيز التعاون المحلي، كما أظهرت العمليات القبلية الأخيرة، كما أن هذا السياق الناشئ يساهم في تيسير اندماج مكونات المعسكر المؤيد للإدارة الجديدة.

نحو اندماج داخلي أوسع

لقد سعت المجموعات الدرزية بدورها إلى وساطة من خلال دمشق، حيث دعا بعض زعمائها إلى نزع السلاح والانخراط في إطار الإدارة السورية الجديدة. 

وفي ظل التطورات الأخيرة، يبدو أن هؤلاء القادة يكتسبون تأثيرًا متزايدًا على شخصيات متحالفة مع دولة الاحتلال، مثل حكمت الهجري، وإذا نجح الدروز فعلًا في الاندماج، فستكون لذلك آثار كبيرة على مسار نزع السلاح بالنسبة للفصائل الكردية.

لقد دفع استهداف دولة الاحتلال للعاصمة دمشق العديد من مؤيدي الإدارة الجديدة إلى إعطاء الأولوية لمواجهة التهديدات الخارجية، كما أن من شأن انضمام القوى الدرزية إلى الإدارة المركزية في دمشق أن يعزز وحدة البلاد الوطنية، ويعيد تشكيل توازن القوى الأوسع داخل سوريا.

وبهذا، يبدو أن عدوان دولة الاحتلال الذي كان يهدف في الأصل إلى تقويض الإدارة السورية الجديدة بات يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يدفع المكونات المتباينة داخل البلاد إلى التوحد في مواجهة خطر خارجي مشترك.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة