سوبرمان لا ينقذ غزة: الفلسطينيون لا يحتاجون أبطالًا خارقين بل عدالة حقيقية

بقلم جو جيل

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد أثار فيلم سوبرمان الجديد لجيمس غان الكثير من الانتقادات منذ صدوره، حيث يدور الجدل حول حبكة الفيلم التي يبدو أنها تسعى لقلب صيغة الأبطال الخارقين النموذجية بإطار جيوسياسي جديد.

لقد أضاف غان نظرة جديدة إلى العبارة المبتذلة القديمة “أمريكا هي الأفضل” والتي كانت متداولة في الأفلام الأمريكية رغم أنه ليس أول من استكشف مخاطر الرأسمالية العسكرية التكنولوجية.

يرى بعض المشاهدين سوبرمان على أنه يمثل الهجوم على إسرائيل، حيث يهاجم النظام الأوروبي الأبيض المتحالف مع الولايات المتحدة في بورافيا بقيادة شبيه ديفيد بن غوريون جارتها الفقيرة غير البيضاء جارهانبور.

إن الرمزية المرئية للمشاهد الرئيسية، مع جيش مدجج بالسلاح يواجه المتظاهرين العزل عند السياج الأمني، تشير بقوة إلى السياج الفاصل الذي تقيمه إسرائيل مع غزة وغزواتها المتكررة للأراضي الفلسطينية.

لقد بدأ غان العمل على الفيلم في عام 2022، لذا فهو يسبق 7 أكتوبر عام 2023 والهجوم الإسرائيلي على غزة، حيث يتم تصوير الشرير الرئيسي في الفيلم، ليكس لوثر، على أنه ملياردير من نوع إيلون موسك لديه خطط لتقسيم جارهانبور مع بورافيا التي يزودها بالمليارات من الأسلحة.

لقد بدأ الفيلم بما يمكن توصيفه بأنه الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط في عشرينيات القرن الحالي، فسوبرمان هو رجل طيب ساذج يحب كلبه الخارق كريبتو وينقذ السناجب من الوحوش العملاقة التي تدمر المدينة.

نفى غان أن يكون الفيلم حول الشرق الأوسط، ففي الفيلم الهزلي الأصلي، تدور أحداث الصراع بالفعل في أوروبا، وهناك لقطات من اللهجات الروسية ودكتاتورية على طراز بوتين في بورافيا، مما يدحض فكرة أن الفيلم يحاكي دولة يهودية، رغم الأصول الأوروبية الشرقية للعديد من الإسرائيليين والتي يتم تغذيتها في الفيلم بفكرة كونها مؤامرة إسرائيلية-فلسطينية.

سوبرمان… صانع السلام

في الفيلم، أجرت صديقة سوبرمان والمراسلة لويس لين مقابلة معه لصحيفة ديلي بلانيت حول تدخله لوقف غزو بورافيان لجارهانبور، في إشارة إلى الطبيعة القمعية لذلك النظام، وهنا يرد سوبرمان على الفور بأن هذا ليس ذريعة لغزو البلاد.

هذا التبادل هو المكان الذي يتم فيه طرح الحجج السياسية المعاصرة الحقيقية ضد التدخل الأمريكي وحروب تغيير الأنظمة، فمشهد غزو بورافيا لجارهانبور هو ما ركز عليه معظم المشاهدين، خاصة حين قام صبي صغير برفع العلم الوطني خلال تقدم الدبابات والقوات المدججة بالسلاح بشكل خطير وهرب المتظاهرون العزل تحت النار.

يحاكي المشهد احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في غزة على طول السياج الفاصل الإسرائيلي في عامي 2018 و2019، عندما قُتل أكثر من 200 فلسطيني وأصيب أكثر من 8000 آخرين بنيران القناصة الإسرائيليين.

الفلسطينيون لا ينتظرون أي أبطال غربيين خارقين لإنقاذهم، وحلفاؤهم هم مئات الملايين من الناس حول العالم الذين يطالبون بتحريرهم ووضع حد للإبادة الجماعية، فالأبطال الخارقون هم الأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم في قوافل المساعدات والطاقم الطبي وطاقم الإغاثة الفلسطينيين الذين يحاولون إنقاذ الأرواح تحت الحصار الإسرائيلي، وفي يوم من الأيام، قد نرى هؤلاء الأبطال في أحد أفلام هوليوود

ويعد سوبرمان رمزاً للقوة الأمريكية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، حيث أن فكرة “القوة العظمى” التي تمكن الشخصية من هزيمة خصومها من خلال نوبات طويلة من القتال هي جوهر الطريقة الأمريكية، فالأبطال الخارقين هم طائرات F-35 على شكل إنسان.

في هذا السياق، يتم تصوير سوبرمان على أنه البطل النموذجي الأمريكي، ومع ذلك، يواجه سوبرمان هنا مشكلة أكثر خطورة تتمثل في كيفية إنقاذ العالم عندما يكون عدو السلام العالمي هو الولايات المتحدة الأمريكية المارقة وحليفتها العدوانية، حيث يُنظر إلى تدخله لإنقاذ دولة فقيرة في الجنوب العالمي من الغزو على أنه تدخل غير مبرر ضد عدو أمريكي.

ينتقد الفيلم أيضاً المجمع الصناعي العسكري وارتباطاته بالاستعمار الاستيطاني، حيث يقوم ليكس لوثر بتسليح بورافيا من أجل وضع يديه على قطعة من الأرض، مثل حلم ترامب بامتلاك “ريفييرا الشرق الأوسط” على أنقاض غزة. 

أما أبطال الفيلم إلى جانب سوبرمان، فهم ثلاثي فرقة العدالة المكون من الأبطال الخارقين المدعومين من الشركات، الذين ينضمون على مضض إلى المعركة ضد بورافيا والملياردير وفريق التحرير الشجاع لصحيفة ديلي بلانيت.

هذا هو المكان الذي تصل فيه هوليوود إلى حدود التعليقات الجيوسياسية الرائجة، فبدلاً من تصوير مجمع التكنولوجيا العسكرية كجزء من مجمع إعلامي سياسي إمبريالي أكبر، فإن المشروع الشرير في الفيلم للاستيلاء على الأراضي المستعمرة هو من صنع بعض السيئين فحسب.

بمجرد الكشف عن مخططهم، تقوم وسائل الإعلام والأبطال الخارقون في الشركة بفعل الشيء الصحيح والتحرك لإنهاء المؤامرة الغادرة، وفي هذا تقف حكومة الولايات المتحدة متفرجاً سلبياً بدور لوثر.

أبطال خارقون عاديون

لكي نكون منصفين، فالفيلم يأتي برجل من جنوب آسيا في متروبوليس لإنقاذ سوبرمان عندما يصيبه أحد جنود لوثر الخارقين المستنسخين، 

حيث يتم التعرف على الرجل على الفور من خلال نظام مراقبة غرفة العمليات الخاص بلوثر، ويتم القبض عليه لاحقاً واستخدامه كرهينة لإقناع سوبرمان بالكشف عن موقع مخبأه، مصيره بذلك هو مصير جميع البشر الخارقين العاديين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الآخرين في مواجهة آلة إمبراطورية وحشية.

ربما تكون هذه هي اللحظة الأكثر صدقاً في الفيلم، فلا عجب من أن إسرائيل ومؤيدوها أبدوا كراهية شديدة للفيلم واكتفى بن شابيرو، المدافع عن إسرائيل، بالكتابة قائلاً: “الفيلم ليس جيداً”.

إن فكرة أن تقوم صحيفة تسجيلية على غرار صحيفة نيويورك تايمز، وقناة تلفزيونية رئيسية، بالتحول وكشف خطط غزو الأراضي وضمها من قبل نظام استيطاني مدعوم من الولايات المتحدة، هي فكرة لا تصدق على الإطلاق.

بدلاً من ذلك، هم يخفون الحقيقة من خلال تصوير الضحايا على أنهم إرهابيون ويصفون بورافيا بأنها “تدافع عن نفسها” فحسب، حيث يصل سوبرمان إلى حدود النقد الجيوسياسي بأسلوب هوليوود باعتبار أنه يجب أن يتم الانتهاء من الأمر برمته بدقة مع هزيمة الأشرار وإنقاذ الناس في نهاية المقطع الأخير!

إن فكرة قيام فريق أمريكي من الأبطال الخارقين بتدمير جيش حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لإنقاذ السكان الأصليين من الغزو، هي بالطبع فكرة خيالية، ولا أحد ينتظر تحققها بطبيعة الحال.

الفلسطينيون لا ينتظرون أي أبطال غربيين خارقين لإنقاذهم، وحلفاؤهم هم مئات الملايين من الناس حول العالم الذين يطالبون بتحريرهم ووضع حد للإبادة الجماعية، فالأبطال الخارقون هم الأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم في قوافل المساعدات والطاقم الطبي وطاقم الإغاثة الفلسطينيين الذين يحاولون إنقاذ الأرواح تحت الحصار الإسرائيلي، وفي يوم من الأيام، قد نرى هؤلاء الأبطال في أحد أفلام هوليوود. 

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة