لماذا يفقد السودانيون ثقتهم بـ “حكومة الأمل”؟

بقلم أسامة أبوزيد

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

عندما أدى كميل إدريس، المسؤول السابق في الأمم المتحدة، اليمين الدستورية رئيساً جديداً للوزراء في السودان هذا الربيع، أصبح أول شخص يتولى المنصب بشكل دائم منذ استقالة عبد الله حمدوك في يناير/كانون الثاني 2022، وسط دوامة من الاضطرابات السياسية المستمرة.

وقد جاء تعيين إدريس من قِبل رئيس الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط ردود فعل متباينة، حيث رأى المؤيدون فيه نقطة تحوّل محتملة في مسار التحول الديمقراطي السوداني، مستندين إلى استقلاليته السياسية، وخبرته الفنية، وعلاقاته الراسخة مع المنظمات الدولية، واعتبروا أن خلفيته غير الحزبية ستساعده على التنقل في المشهد الانتقالي المعقد للسودان.

في المقابل، شكك المتشائمون في شرعية قائد لم يُنتخب، مؤكدين أن تعيينه دون تفويض شعبي قد يقيد من حريته واستقلاليته، كما أشار النقاد إلى استمرار النفوذ العسكري، وطرحوا احتمال أن يكون إدريس مجرد واجهة مدنية تعمل كوكيل للجيش، مع سلطة محدودة.

وتسلط هذه النظرة الضوء على مخاوف أوسع تتعلق بالتدخل العميق للقوات المسلحة السودانية في السياسة وهو دور يتعارض مع مبدأ حياد المؤسسة العسكرية في الشأن الحكومي.

وفي الوقت الذي لا يقر فيه كافة المراقبين بهذا الواقع، فإن المحللين ومتابعي الشأن السوداني يدركون النفوذ الراسخ للقوات المسلحة في الحياة السياسية، وعلاوة على ذلك، فقد أدى تسييس الجيش خلال الصراع الدائر في السودان إلى زيادة الشكوك حول علاقاته الوثيقة مع النظام الإسلامي الذي تمت الإطاحة به بين عامي 2018 و2019.

وتتزايد المخاوف بشأن ما إذا كانت المرحلة الانتقالية الحالية ستفضي إلى حكومة مدنية شاملة حقيقية، أو إذا كانت الهياكل المدعومة عسكرياً ستستمر في التحكم في السلطة من خلف الكواليس، مما يهدد بتحويل حكم مدني إلى مجرد واجهة بلا ديمقراطية حقيقية.

ويواجه إدريس تحديات جسيمة، أبرزها الحرب المستمرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع التي تشتعل منذ أبريل/نيسان 2023، ما هز استقرار الاقتصاد والتماسك الاجتماعي في البلاد.

ويعد تشكيل حكومة جديدة أول عقبة واجهت إدريس في الشهر الماضي، فقد أعلن خطته لتشكيل “حكومة أمل” تكنوقراطية مستقلة عن الأحزاب، وهو ما أثار سريعاً انتقادات من أحزاب سياسية رئيسية اتهمته بتهميش ائتلافات مدنية كان لها دور بارز في مقاومة الحكم العسكري.

تصاعد التوترات

ورغم تعهد إدريس بعقد حوار شامل مع الأطراف السياسية والاجتماعية السودانية، إلا أن المبادرة تواجه صعوبات كبيرة، حيث تعارض بعض الأطراف شرعية تعيينه ويعتبرون حكومته غير ممثلة لمصالحهم.

ومن أبرز هذه الأطراف حزب المؤتمر السوداني، والحزب العربي الاشتراكي (البعث)، وتحالف الصمود والتحالف المدني الديمقراطي الذي يقوده عبد الله حمدوك الذي تشكل من تفكك ائتلاف تقدّم المدني، الذي تأسس في أوائل 2024، ويضم عناصر من قوى الحرية والتغيير.

وفي النهاية، انقسم ائتلاف تقدّم إلى حركتين، حيث انضم بعض أعضاء قوى الحرية والتغيير إلى تحالف الصمود تحت قيادة حمدوك، فيما انضم آخرون إلى تحالف التأسيس الذي يدعمه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وبانضمامهم إلى الأخير، رفض هؤلاء الفاعلون المدنيون سلطة حكومة إدريس.

بدورها، اختارت حركة الصمود التعامل مباشرة مع الفصائل المتحاربة، متجاوزة الحكومة القائمة في بورتسودان.

وتصاعدت التوترات بشكل ملحوظ منذ حل إدريس للحكومة الانتقالية السابقة في أوائل يونيو/حزيران، حيث احتج موقعو اتفاق جوبا على هذه الخطوة، معتبرين أنها تمثل تراجعاً عن مكتسباتهم التي تفاوضوا عليها. 

وتدور الخلافات حول بند في اتفاق جوبا كان قد ضمن للموقعين 25% من السلطة التنفيذية طوال فترة الانتقال التي نص عليها الاتفاق الدستوري في أغسطس/آب 2019.

ويرى المنتقدون أن اتفاق جوبا فشل في معالجة المطالب المجتمعية الأوسع أو حل النزاعات العميقة على الأرض، ما دفع إلى تصاعد الدعوات لإعادة النظر أو إلغاء الاتفاق، لكن تجاهل ضماناته سيقوض الثقة في التسويات السياسية ويهدد الاستقرار ويُضعف الوحدة الوطنية.

من هنا، تثير تجربة إدريس تساؤلات وجودية: هل هي خطوة ديمقراطية حقيقية، أم مجرد واجهة عسكرية أخرى؟

فهذا محمد سيد أحمد الجكومي، رئيس المسار الشمالي وموقع على اتفاق جوبا، طالب بالالتزام بمبدأ “ربع السلطة”، مهدداً باللجوء إلى القضاء، كما دعا إلى تولي وزارات رئيسية من قبل خبراء مستقلين، رافضاً احتكار أي حزب للسلطة.

ووسط هذا الخلاف، واصل إدريس تشكيل حكومته أواخر الشهر الماضي، مع قرارات بتعيين الفريق حسن داوود كابرون كيان وزيراً للدفاع، والفريق بابكر سمرا مصطفى علي وزيراً للداخلية، تلتها ثلاثة تعيينات تكنوقراطية، ففي أوائل يوليو/تموز كُلّف عدد من الأساتذة السودانيين بإدارة وزارات الزراعة والتعليم العالي والصحة.

ومن بين هذه الأسماء معز عمر بخيت وزير الصحة، وعصمت قريشي عبد الله محمد وزير الزراعة والري، وأحمد مدوي موسى محمد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ووصفت هذه الوزارات بأنها مؤيدة للثورة.

وشدد إدريس على اختيار الكفاءات بناءً على الجدارة، لكن الترشيحات أثارت ردود فعل غاضبة، مع تسليط النقاد الضوء على ولاءات المعينين وتحذيرهم من حكومة مدعومة عسكرياً.

انتكاسة كبيرة

ومنذ ذلك الحين، عيّن إدريس 10 وزراء آخرين في “حكومة الأمل”، لتتولى وزارات التنمية الريفية والعدل والمالية والتجارة والشؤون الدينية في 7 يوليو/تموز، ووزارات الثروة السمكية والثقافة والمعادن والرعاية الاجتماعية والنقل في الأسبوع التالي.

ووصف إدريس التعيينات بأنها نتاج مراجعة شاملة للكفاءات الوطنية والخبرات، فيما لا تزال 7 حقائب وزارية تنتظر التعيين، غير أن التعيينات الوزارية شكلت بالفعل نكسة كبيرة للعملية الانتقالية، إذ أن الكثير من المعينين كانوا جزءاً من الحكومة السابقة.

فعلى سبيل المثال، شغلت محاسن علي يعقوب، وزير التجارة والصناعة بالوكالة في الحكومة السابقة التي تشكلت بعد انقلاب 2021، نفس المنصب في حكومة إدريس، وكذلك عبد الله محمد دراف، وزير العدل المعين، المعروف بدعمه السياسي للحكومة السابقة، ما يثير شكوكاً حول حياديته في هذا المنصب الحساس.

وقد يقوض هذا الحال الثقة في التزام الدولة بإصلاحات جادة، ويرسل رسالة مقلقة للمجتمع الدولي والعملية التي تستضيفها الولايات المتحدة لحل الأزمة السودانية.

فبدلاً من تحقيق تقدم، تعكس هذه التعيينات تكراراً لأخطاء الماضي وفشلاً في آليات الحكم رغم اختلاف أشكال التنظيم.

وأخيراً، أنهى تحالف التأسيس ميثاقه وتمكن من تأسيس “حكومة سلام ووحدة” موازية في 26 يوليو/تموز برئاسة حميدتي كمجلس رئاسي، وأعلن التحالف عن تسوية تتعلق بولاء حليفه  عبد العزيز الحلو، زعيم أحد فصائل حركة تحرير السودان/الجيش،  ومؤيد قوي لإقامة دولة سودانية علمانية.

بصورة عامة، كشفت جهود إدريس عن تعميق الانقسامات بين المدنيين والعسكريين، وبين موقعّي جوبا، وفي الرأي العام، ولا يزال المشهد السياسي السوداني مشلولاً بالاستقطاب العميق، فيما يزيد اقتصاد الحرب والتفتت المجتمعي من تفاقم الانقسامات.

وإلى جانب المظالم وفقدان الثقة بالمؤسسات، فإن هذا الجمود يزيد من خطر تفكك الدولة ما لم ينبثق حوار توافقي بين القوى العسكرية والسياسية والمدنية. 

فقد ترك الصراع المستمر على الهيمنة السودان عالقاً في دائرة من عدم الاستقرار على مدى ما يقرب من سبعة عقود، حيث فشلت النخب السياسية والعسكرية في حل صراعاتها المستمرة على السلطة.

وبالتالي، تطرح تجربة إدريس التكنوقراطية أسئلة وجودية: هل هي خطوة ديمقراطية حقيقية، أم مجرد واجهة عسكرية أخرى؟ ومع تصاعد حالة الانقسام، يطالب الشعب السوداني اليوم بحلول فعلية لا مجرّد وعود أمل.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة