تحليق بريطاني فوق غزة: دعم استخباراتي مستمر للاحتلال رغم الانتقادات الدبلوماسية

رغم التصعيد الدبلوماسي العلني بين المملكة المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، كشفت مصادر حكومية أن التعاون العسكري والأمني بين الطرفين ما زال قائمًا بل وفعّالًا، خاصة في ما يتعلق بقطاع غزة، حيث تستمر طائرات التجسس البريطانية بالتحليق فوق المنطقة، وتستمر عملية تبادل المعلومات الاستخباراتية مع جيش الاحتلال، بحسب ما أفادت به صحيفة التايمز البريطانية يوم الثلاثاء.

وأكدت وزارة الدفاع البريطانية هذا الأسبوع استمرار عمليات المراقبة الجوية فوق غزة، رغم الانتقادات المتصاعدة والضغوط السياسية الداخلية، وأوضحت الوزارة أن هذه الطلعات تهدف إلى “دعم عمليات إنقاذ الرهائن”، وهو الموقف الرسمي الذي كررته منذ الأشهر الأولى للعدوان الإسرائيلي على القطاع.

قاعدة بريطانية على بُعد دقائق من الاحتلال

وتتمركز معظم هذه الأنشطة الاستخباراتية في قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني “أكروتيري” في جزيرة قبرص، والتي تبعد أقل من 40 دقيقة جواً عن تل أبيب، وتشكل هذه القاعدة محورًا رئيسيًا في عمليات التجسس البريطانية في الشرق الأوسط، حيث انطلقت منها مئات الطلعات الاستطلاعية منذ بداية العدوان.

وأثار عدد من البرلمانيين البريطانيين، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات جدية حول استخدام القاعدة الجوية لدعم عمليات الاحتلال في غزة، إلا أن وزارة الدفاع التزمت الصمت إزاء العديد من هذه التساؤلات، بما في ذلك نوعية الطائرات المستخدمة حاليًا.

وبحسب بيانات تتبع الطيران، لم تُسجّل رحلات لطائرات التجسس من طراز Shadow R1 فوق غزة خلال الشهر الماضي، إلا أن الوزارة رفضت تأكيد أو نفي طلعات الطائرات من الطرازات الأخرى المستخدمة حاليًا في المجال الجوي فوق القطاع المحاصر.

“نظرة شاملة على الإبادة الجماعية”

وفي تصريح لافت نقله موقع ميدل إيست آي عن مصدر مطّلع على القدرات البريطانية الاستخباراتية في الشرق الأوسط، قال إن “الرحلات الجوية البريطانية توفر نظرة شاملة على الإبادة الجماعية الجارية في غزة”.

وأضاف المصدر أن المملكة المتحدة، بوصفها عضوًا أساسيًا في تحالف “فايف آيز” الاستخباراتي إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، تُعد “المصدر الأول لجمع المعلومات الاستخباراتية في الشرق الأوسط”، مؤكداً أن “بريطانيا تعرف بالضبط ما الذي يحدث بفضل تلك الرحلات الجوية، فهم لديهم رؤية أوضح من أي صحفي”.

ويُعزز هذه الشهادات ما صرّح به اللواء البريطاني المتقاعد تشارلي هربرت، الذي خدم في الجيش البريطاني لمدة 35 عامًا، حيث قال لصحيفة التايمز: “من الجيد والمناسب القول إنهم يسلمون المعلومات الاستخباراتية لأغراض تحديد مكان الرهائن، لكن في الواقع من المرجح أن تُستخدم هذه المعلومات لاستهداف حركة حماس بالإضافة إلى أهداف أخرى”.

تساؤلات أخلاقية حول التواطؤ

يثير هذا التعاون العسكري جدلًا أخلاقيًا متزايدًا داخل بريطانيا، خصوصًا في ظل تقارير من منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التي وثّقت استهداف جيش الاحتلال مراكز المساعدات وقتل مئات المدنيين الذين كانوا يسعون للحصول على الغذاء.

وفي ظل هذا السياق، كانت وزارة الدفاع البريطانية قد قالت العام الماضي إنها “ستنظر في أي طلب رسمي من المحكمة الجنائية الدولية لتقديم معلومات تتعلق بالتحقيقات في جرائم الحرب”، غير أن هذه الالتزامات تبقى محاطة بالسرية والتكتم.

وأثار موقع ميدل إيست آي سابقًا قضية حظر الحكومة البريطانية النائبة عن حزب العمال كيم جونسون من الاستفسار حول ما إذا كانت قاذفات الاحتلال الإسرائيلي قد استخدمت قاعدة أكروتيري لتنفيذ ضربات في غزة، ما يعكس حجم التعتيم الرسمي حول طبيعة هذا التعاون العسكري.

توتر دبلوماسي… وتعاون خلف الكواليس

بلغت التوترات السياسية بين بريطانيا ودولة الاحتلال ذروتها الأسبوع الماضي عندما أعلنت حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول المقبل، في خطوة تبعتها بها فرنسا.

وفي ردّ غاضب، كتب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة X: “ستارمر يكافئ الإرهاب الوحشي لحماس ويعاقب ضحاياه، إن إقامة دولة جهادية على حدود إسرائيل اليوم ستهدد بريطانيا غدًا”.

لكن على الرغم من هذا التوتر العلني، يتواصل التعاون الاستخباراتي والعسكري بين البلدين، ما يفتح الباب أمام مزيد من التساؤلات حول التناقض بين المواقف الدبلوماسية والتصرفات الفعلية على الأرض.

مقالات ذات صلة