وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قراره باحتلال قطاع غزة بالكامل عسكرياً، في خطوة يعارضها رئيس الأركان الحالي، إيال زمير، بشدة مهدداً بالاستقالة بحسب ما نقلت تقارير إسرائيلية.
لقد بدأت أعداد كبيرة من الإسرائيليين تدرك تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة، فهم يرون كيف يُنظر إلى إسرائيل في العالم اليوم كدولة منبوذة، باستثناء إدارة ترامب والتي يبدو أيضاً أنها تشهد تصدعات حول الرأي من إسرائيل
إن صحت التقارير الإسرائيلية، فإن مثل هذا الصدام المباشر بين الحكومة والجيش يضع نتنياهو وحكومته في موقف لا يتحدى الجيش فحسب، بل يتحدى إرادة قسم كبير من الجمهور الإسرائيلي أيضاً، خاصة وأن غالبية استطلاعات الرأي تشير إلى أن معظم الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب مقابل صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين في غزة.
في الأسابيع الأخيرة، زاد هذا الطلب العام، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة 12 الإخبارية بأن 74% من الإسرائيليين يؤيدون التوقيع على مثل هذه الصفقة، في الوقت الذي يحذر فيه الجيش من أن الاحتلال الكامل لغزة سوف يعرض حياة الأسرى للخطر والحكومة تدرك تماماً هذه المخاطر.
إذا تم اتخاذ قرار احتلال قطاع غزة بالكامل، فإن هذا يمثل لحظة تتخلى فيها حكومة نتنياهو عما يريده أغلب الجمهور، فالحكومة تقود إسرائيل إلى خطوة مجهولة النتائج والأهمية بالنسبة للبلاد وللجيش وحتى لنتنياهو نفسه، وتزيد من تأجيج الأصوات المعارضة للحرب، سواء من جانب الجمهور أو الجيش.
إن النداء الذي أطلقه مؤخراً عدد من رؤساء أمنيين سابقين لإنهاء الحرب، والذي ضم أشخاصاً قادوا الجيش والموساد والشاباك والشرطة، يشير إلى مخاوف الجيش الخطيرة من احتلال القطاع الفلسطيني بالكامل، حيث يعتقد المسؤولون السابقون بأنه ومن الناحية العملية فليس لدى إسرائيل ما يمكنها تحقيقه في غزة، وهذا موقف الجيش والجمهور أيضاً.
وينبع هذا الرأي الذي يرى أن استمرار الحرب بلا جدوى من فشل الحكومة في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب، فحماس مستمرة في المقاومة وقتل الجنود الإسرائيليين رغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بها، كما أن الجيش لم يتمكن الجيش من تأمين إطلاق سراح الرهائن كما وعد في مارس الماضي بعد أن أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد.
من ناحية أخرى، تتزايد أعداد الإسرائيليين، بما في ذلك المنتمون إلى التيار السياسي السائد، الذي يعبرون عن تحفظاتهم، بل وفي بعض الأحيان عن معارضتهم، لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
بدأ الأمر في نهاية عام 2024، عندما صرح وزير الدفاع السابق موشيه يعالون بأن إسرائيل تنفذ تطهيراً عرقياً في شمال قطاع غزة، ثم تصاعدت حدة التوتر بعد أن تنصلت إسرائيل من وقف إطلاق النار، مع اعتراف رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بأن الإسرائيليين يرتكبون جرائم في غزة.
لقد انضم العديد من الشخصيات العامة اليوم إلى هذا الرأي، مثل الكاتب اليساري ديفيد غروسمان، الذي صرح بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
من جهة أخرى، يتزايد عدد الجنود الذين يعبرون عن عدم قدرتهم على التعايش مع ما فعلوه وما رأوه في غزة، كما ساهمت صور الفلسطينيين الذين يتضورون جوعاً في تنامي المقاومة ضد جرائم إسرائيل في غزة، رغم قيام وسائل الإعلام الإسرائيلية بحملة دعائية تنكر المجاعة ودور إسرائيل في صناعتها.
الصورة الدولية
وعلى صعيد آخر، ترتبط المطالبات بإنهاء الحرب بالصورة الدولية لإسرائيل في ظل الضغوط المتزايدة من حلفائها والعالم، فقد عاد نفتالي بينيت، الذي يطمح بأن يصبح رئيس وزراء إسرائيل القادم، مؤخراً من الولايات المتحدة وأدلى بشهادته بالقول بأن إسرائيل أصبحت “دولة منبوذة”، ولذلك يرى بأن التحرك لاحتلال غزة بشكل كامل لا يجب أن يتم دون أخذ الرأي العام الدولي بعين الاعتبار.
يدرك بينيت، الذي لا يعارض قتل الفلسطينيين لا أخلاقياً ولا سياسياً، بأن إسرائيل تتجه نحو العزلة العالمية، وقد يكون لمثل هذه العزلة عواقب اقتصادية مصيرية، فالاتفاقيات التجارية التي أبرمتها إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي، والتي تشكل ركيزة هامة للاقتصاد الإسرائيلي، معرضة للخطر، كما أن بولندا، التي كانت تعتبر حتى وقت قريب أحد حلفاء إسرائيل في الاتحاد الأوروبي، عارضت أفعالها في غزة في بيان أدلى به رئيس الوزراء دونالد تاسك.
يجد الجيش الإسرائيلي نفسه اليوم أمام لحظة حاسمة، فمن ناحية، يستطيع الجيش أن يستمع إلى الجمهور وينهي الحرب، ومن ناحية أخرى، يستطيع أن يوافق على طلب نتنياهو باحتلال قطاع غزة بأكمله وإحداث صدع غير مسبوق بين الجيش والجمهور الإسرائيلي، وتلك لحظة دراماتيكية في الحرب على غزة
ليست المخاوف الاقتصادية وحدها هي ما يقلق الإسرائيليين، فمؤخراً ألغى فريق كرة قدم ألماني التعاقد مع لاعب إسرائيلي في ظل دعمه للحرب، وفي ضوء ذلك صرح رئيس الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم بأنه أصبح من الصعب العثور على أماكن في أوروبا توافق على استضافة الفرق الإسرائيلية، التي لم تتمكن من إقامة المباريات الأوروبية محلياً منذ بدء الحرب.
لقد بدأت أعداد كبيرة من الإسرائيليين تدرك تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة، فهم يرون كيف يُنظر إلى إسرائيل في العالم اليوم كدولة منبوذة، باستثناء إدارة ترامب والتي يبدو أيضاً أنها تشهد تصدعات حول الرأي من إسرائيل.
إن نظرة العالم لإسرائيل، كما يراها الإسرائيليون، لها تأثير جوهري على المطالبة بإنهاء الحرب، ففي كثير من الأحيان، يكون الرد الأولي للإسرائيليين على الانتقادات الدولية هو اتهامات بمعاداة السامية أو سوء فهم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو أن العالم لا يعرف الفلسطينيين والعرب.
رغم تلك التبريرات، تكون الانتقادات الدولية قاسية للغاية، فوفقاً لاستطلاع أجرته القناة 12 الإخبارية، فإن حوالي 56% من الإسرائيليين يخشون من أنهم لن يتمكنوا في المستقبل من السفر إلى الخارج بسبب الصورة السيئة لإسرائيل، ويخشون من أن تصبح إسرائيل جزيرة معزولة مما يخيفهم من شعور الغيتو.
إضافة إلى ذلك، فإن معظم الإسرائيليين، باستثناء بعض مؤيدي وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، يعتبرون أنفسهم جزءاً من العالم الغربي، ولذلك فإن كونهم منبوذين من الغرب يشكل ضربة قاتلة لهويتهم، ولذلك فإن استمرار الحرب يشكل تهديداً كبيراً للإسرائيليين أنفسهم.
التأثير على القدرات
تبدو المخاوف من العزلة الدولية واضحة أيضاً في الجيش الإسرائيلي، فرغم الدور المركزي الذي تلعبه الولايات المتحدة في تسليح إسرائيل، إلا أنها ليست الدولة الوحيدة التي تقيم معها إسرائيل علاقات تجارة أسلحة، فهناك أسلحة وأجزاء طائرات تأتي من دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي تعرضت حكوماتها لضغوط شديدة لإنهاء العلاقات مع الجهاز العسكري الإسرائيلي.
يشعر الجيش بقلق بالغ إزاء تأثير الرأي العام الدولي على قدراته، خاصة في ظل ملاحقة أفراده من قبل محكمة لاهاي، وفي المحصلة يشعر الجيش الإسرائيلي بالقلق من أمر احتلال قطاع غزة بأكمله لأسباب مختلفة.
أولاً، يخشى الجيش، الذي لا يزال يعتبر نفسه جيش الشعب، من فقدان مكانته الموحدة في المجتمع الإسرائيلي، فالاحتلال الكامل لقطاع غزة وعواقبه المجهولة والخطر على الأسرى والجنود وعبثية الحرب والعزلة الإسرائيلية المتزايدة، عوامل يمكن أن تؤدي إلى شرخ بين جيش الشعب وشعبه، تمتد عواقبه إلى رفض الالتحاق بالخدمة الاحتياطية في الجيش، كما أن قيام الجيش بتلك الخطوة يحول الجيش إلى قوة مرتزقة موالية للمستوطنين.
يجد الجيش الإسرائيلي نفسه اليوم أمام لحظة حاسمة، فمن ناحية، يستطيع الجيش أن يستمع إلى الجمهور وينهي الحرب، ومن ناحية أخرى، يستطيع أن يوافق على طلب نتنياهو باحتلال قطاع غزة بأكمله وإحداث صدع غير مسبوق بين الجيش والجمهور الإسرائيلي، وتلك لحظة دراماتيكية في الحرب على غزة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)