كشفت دراسة طبية حديثة نُشرت في مجلة ذا لانسيت أن العدوى البكتيرية المقاومة لعدة أنواع من المضادات الحيوية باتت واسعة الانتشار في قطاع غزة، في ظل الحرب والحصار الشامل الذي تفرضه دولة الاحتلال، ما يفاقم الوضع الصحي الكارثي في القطاع.
حلّلت الدراسة البريطانية، التي خضعت لمراجعة علمية دقيقة، 1300 عينة جُمعت من مستشفى الأهلي في مدينة غزة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وأغسطس/آب 2024، وعرّفت المقاومة المتعددة للأدوية بأنها الحالة التي تفشل فيها ثلاثة أنواع أو أكثر من المضادات الحيوية في القضاء على البكتيريا.
وأظهرت النتائج أن 66.9% من العينات مقاومة لعدة أنواع من المضادات الحيوية، من بينها أدوية شائعة الاستخدام مثل الأموكسيسيلين-كلافولانات وسيفوروكسيم وسيفوتاكسيم.
كما تبين أن معدلات المقاومة لمضادَي سيفترياكسون وسيفتازيديم كانت مرتفعة لدى البكتيريا التي تنمو في الجروح المصابة، إضافة إلى اكتشاف بكتيريا MRSA المقاومة للميثيسيلين، والتي يصعب علاجها بعدة أدوية متاحة.
صورة مروعة للوضع الصحي
هذه هي الدراسة الأولى منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي توثق هذا الانتشار المقلق للبكتيريا المقاومة للأدوية.
وقالت كريستل موصلي، المستشارة في علم الأوبئة لدى منظمة أطباء بلا حدود، لصحيفة الغارديان: “هذا يعني أمراضًا أطول وأشد، وزيادة خطر انتقال العدوى للآخرين، وارتفاع احتمالات الوفاة بسبب التهابات شائعة، بالإضافة إلى المزيد من حالات البتر، إنها أمر مروع”.
يُعد مستشفى الأهلي من بين المنشآت القليلة في غزة التي لا تزال مختبرات علم الأحياء الدقيقة تعمل فيها رغم القصف والحصار.
حصار خانق ونظام صحي منهار
منذ مارس/آذار الماضي، تفرض دولة الاحتلال حصارًا شبه كامل على دخول الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك المستلزمات الطبية.
وفي إفادة صحفية، دعا ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في فلسطين المحتلة، دولة الاحتلال إلى السماح بإدخال الإمدادات الطبية العاجلة قبل أن تؤدي خططها الرامية لـ”السيطرة” على مدينة غزة إلى تفاقم الوضع الكارثي.
وبيّن بيبركورن أن أكثر من نصف الأدوية الأساسية في النظام الصحي بغزة نفدت تمامًا، وأن “الإجراءات المعقدة” التي تفرضها سلطات الاحتلال منعت دخول الأدوية الحيوية.
وأوضح أن نصف المستشفيات و38% من مراكز الرعاية الأولية تعمل بشكل جزئي فقط، في حين لا توجد أي منشأة صحية تعمل بكامل طاقتها.
وأضاف أن نسبة إشغال الأسرّة بلغت 240% في مستشفى الشفاء – أكبر مستشفيات غزة – و300% في مستشفى الأهلي.
دعوة لوقف العدوان وحماية المنشآت الطبية
وأكد معدو تقرير ذا لانسيت أن المجتمع الطبي الدولي لديه “واجب التحرك” لمواجهة هذه الأزمة، مشددين: “أولًا وقبل كل شيء، يجب على العاملين في مجال الرعاية الصحية والحكومات حول العالم الدعوة لوقف الغزو العسكري الإسرائيلي الذي أدى إلى زيادة الإصابات البالغة والاستهداف المتعمد للمستشفيات والمختبرات ومحطات تحلية المياه”.
وحذروا: “من دون وقف إطلاق النار، سيتفاقم عبء العدوى أكثر”، كما دعوا إلى دعم المختبرات التي لا تزال تعمل، وإلى ضرورة تنسيق إيصال إمدادات الأدوية عبر وكالات الإغاثة والجهات المانحة “بحيث تكون الاستجابة لمقاومة الميكروبات متوافقة مع الاحتياجات الموثقة للمستشفيات”.