ميدل إيست آي: أوامر الجنائية لاعتقال بن غفير وسموتريتش “جاهزة” بانتظار التنفيذ

كشفت مصادر خاصة لموقع “ميدل إيست آي” أن طلبات إصدار أوامر اعتقال بحق وزير “الأمن القومي” في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بتهمة ارتكاب جريمة الفصل العنصري، أصبحت جاهزة وفي عهدة نائبين للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، بعد مغادرة المدعي العام كريم خان في إجازة.

وفي حال صدرت هذه الأوامر، فستكون هذه المرة الأولى التي تُوجَّه فيها تهمة الفصل العنصري أمام محكمة دولية، في خطوة توصف بأنها غير مسبوقة على صعيد العدالة الدولية.

ووفقًا لمصادر مطلعة من داخل المحكمة، فإن “طلبات إصدار أوامر الاعتقال مكتملة تماماً”، مبينة أن “الخطوة الوحيدة المتبقية هي تقديمها إلى المحكمة”، وهو ما لم يحدث بعد.

يملك نائبا كريم خان، القاضيان نزهت شاميم خان ومام ماندياي نيانغ، الصلاحية الكاملة لرفع الطلبات إلى القضاة التمهيديين، غير أن مصادر داخل المحكمة تخشى من أن يتم تجاهل هذه الملفات الحساسة بصمت، نتيجة ما تصفه بـ”الضغوط الخارجية غير المسبوقة”.

عقوبات وتهديدات غربية للمحكمة.. وصمت رسمي

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد فرضت في شباط / فبراير الماضي عقوبات على كريم خان، قبل أن يغادر منصبه مؤقتًا في مايو/ أيار، عقب فتح تحقيق من الأمم المتحدة بشأن مزاعم تتعلق بسوء سلوك جنسي، وهي التهم التي نفى صحتها.

“إذا اختفت طلبات توقيف بن غفير وسموتريتش، فإننا سنفقد إلى الأبد فرصة لمحاسبة أحد أكثر أمثلة الفصل العنصري وضوحًا في العالم اليوم” – مصدر مطلع

وفي يونيو/ حزيران، وسّعت الولايات المتحدة عقوباتها لتشمل أربعة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، من بينهم اثنان كانا قد وافقا سابقًا على طلبات توقيف بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بالإضافة إلى ثلاثة قياديين من حركة حماس.

ويشير التقرير إلى أن كريم خان، رغم تعرضه لسلسلة من التهديدات المباشرة، استمر في عمله حتى قدّم في 20 مايو/ أيار 2024 طلبات إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو و غالانت، والتي تم إقرارها في نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام.

ملفات موثقة.. والوقت ينفد

وبحسب المصادر، فإن فريق المحامين التابع للمدعي العام استمر في التحقيق في جرائم الحرب والانتهاكات التي يُزعم أن الاحتلال ارتكبها في الضفة الغربية، لكن خان لم يتمكن من تقديم الطلبات المتعلقة ببن غفير وسموتريتش قبل أن يخرج في إجازة، إثر محاولة فاشلة لتعليقه عن العمل.

وصرّح مصدر داخل المحكمة: “كان كريم مستعداً تماماً، لم يكن هناك أي عمل متبقٍ على الطلبات، لم تكن قيد الإعداد أو المراجعة، بل كانت جاهزة، ما تبقى فقط هو اتباع الإجراءات الرسمية لتقديمها، لكن كل شيء حدث بسرعة، ثم ابتعد عن المشهد”.

وفي بيان أصدرته المحكمة حينها، قيل إن النائبين سيتابعان مهامه في مختلف القضايا، بما في ذلك التحقيق في الحالة الفلسطينية، إلا أن حقيقة ما إذا كان تم بالفعل تقديم طلبات التوقيف بحق بن غفير وسموتريتش تبقى امراً سريًا، بعد قرار المحكمة في أبريل/ نيسان بحظر نشر أي تفاصيل عن طلبات التوقيف الجديدة.

لكن مصدرين مستقلين داخل المحكمة أكدا لموقع “ميدل إيست آي” أن النائبين لم يقدما الطلبات حتى الآن، بسبب المخاوف من التعرض لعقوبات أمريكية محتملة.

خوفًا من العقوبات: الضغوط تشل المحكمة وسكوت مريب حول ملفات “جاهزة”

وكان المحامي البريطاني الإسرائيلي نيكولاس كوفمان، الذي يتولى الدفاع في قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية، قد صرح لهيئة البث الإسرائيلية “كان” في يونيو/ حزيران، بأن العقوبات التي فرضتها واشنطن على قضاة المحكمة “تهدف إلى دفع المحكمة لإسقاط أوامر الاعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت”.

وأضاف كوفمان:”بالتالي، يرى معظم المراقبين أن فرض العقوبات كان بمثابة طلقة تحذيرية قبل أن تُفرض عقوبات مباشرة على نائبَي كريم خان، اللذين يتوليان الآن المسؤولية عنه”.

ورداً على استفسارات ميدل إيست آي حول ما إذا كانت المخاوف من العقوبات قد أخرت تقديم طلبات التوقيف، اكتفى مكتب الادعاء العام بالقول:”لا يمكن للمكتب تقديم أي تعليقات تتعلق بتحقيقات جارية أو تهم محددة، وذلك من أجل حماية نزاهة التحقيقات وضمان سلامة وأمن الضحايا والشهود وكل من يتعامل مع المكتب”.

“العدالة المتأخرة ظلم قائم”

من جهته، انتقد الحقوقي الفلسطيني البارز رجي الصوراني، الذي يمثل فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، التأخير في تقديم الطلبات، قائلاً:”بالنسبة لنا، هذا تأخير غير مبرر، ما الذي ينتظرونه؟ كل الأدلة متوفرة لديهم”، مضيفًا: “العدالة المتأخرة هي ظلم قائم”.

وتحدث مصدر آخر من داخل المحكمة عن مدى خطورة الموقف، قائلاً: “تم العمل على هذه الملفات لأشهر طويلة، وهي توثق جرائم جسيمة بشكل دقيق ومحترف، وإذا ما اختفت طلبات التوقيف ضد بن غفير وسموتريتش، فإن فرصة مساءلة أحد أبرز رموز الفصل العنصري في العالم قد تضيع إلى الأبد”.

الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية

وبحسب نظام روما الأساسي، المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الفصل العنصري يُعد جريمة ضد الإنسانية، ويُعرّف على أنه “أفعال لا إنسانية تُرتكب في إطار نظام مؤسسي من القمع والسيطرة المنهجية من قبل جماعة عرقية على أخرى، بنية الإبقاء على هذا النظام”.

وتتهم منظمات حقوقية دولية من بينها “هيومن رايتس ووتش” الأمريكية، ومنظمة “بتسيلم” الإسرائيلية دولة الاحتلال بممارسة نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين.

وفي يوليو/ تموز 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، رأيًا قانونيًا يعتبر أن احتلال دولة الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة غير قانوني، مشيرة إلى أن الفصل شبه التام الذي تفرضه سلطات الاحتلال على الفلسطينيين، عبر توسيع المستوطنات وغيرها من الممارسات، يمثل انتهاكًا صريحًا لواجباتها الدولية المتعلقة بمنع ومكافحة الفصل العنصري.

عقوبات دولية على رموز التطرف في حكومة الاحتلال

وفي 10 يونيو/ حزيران، فرضت كل من المملكة المتحدة، وأستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والنرويج، عقوبات على بن غفير وسموتريتش، متهمة إياهما بـ”التحريض المتكرر على العنف ضد الفلسطينيين”.

وأشار موقع “ميدل إيست آي” أنه تواصل مع حكومة الاحتلال للتعليق على هذه التطورات، لكنه لم يتلقَّ أي رد حتى موعد النشر.

“سيدمّرونك وسيدمّرون المحكمة”: تهديدات مباشرة واستقالات مشبوهة تهز المحكمة الجنائية

وكشفت تحقيقات موقع ميدل إيست آي أن المحامي نيكولاس كوفمان، المقرّب من دوائر الاحتلال، التقى في الأول من مايو / أيار بالمدعي العام كريم خان، حاملاً “عرضاً” غير رسمي من جهة يُعتقد أنها على صلة مباشرة بمكتب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو.

وخلال اللقاء، قال كوفمان، بحسب مذكرة رسمية أُدرجت في سجلات المحكمة واطلع عليها الموقع، إنه تحدث مع المستشار القانوني لنتنياهو، وعرض على خان اقتراحًا يسمح له بـ”النزول عن الشجرة”، في إشارة إلى التراجع عن طلبات التوقيف، وذلك عبر تصنيف أوامر الاعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت كمستندات “سرية”.

وكان من شأن هذا التصنيف أن يُتيح لدولة الاحتلال الاطلاع على تفاصيل الاتهامات والرد عليها في جلسات غير علنية، دون أن تتحمل أعباء المساءلة القانونية أمام الرأي العام.

لكن كوفمان حذّر خان، قائلاً: “إذا تبيّن أنك تنوي تقديم طلبات توقيف أخرى تتعلق بالضفة الغربية، أو إذا لم تُسحب الأوامر ضد نتنياهو وغالانت، فكل الخيارات ستُزال عن الطاولة”، مضيفًا تحذيرًا صارخًا: “سيدمّرونك وسيدمّرون المحكمة”.

ورغم أن كوفمان نفى لموقع ميدل إيست آي أنه مثّل حكومة الاحتلال بشكل رسمي، مؤكدًا أن ما عرضه كان “رأيًا شخصيًا”، إلا أن التوقيت الحرج للقاء، ثم انسحاب كريم خان المفاجئ في 15 مايو/ أيار، بعد نشر وول ستريت جورنال مزاعم جديدة ضده تتعلق باعتداءات جنسية، يطرح العديد من علامات الاستفهام.

ضغوط بريطانية وأمريكية مباشرة ضد المحكمة

وفي 23 أبريل/ نيسان، وقبيل تقديم خان لطلبات توقيف نتنياهو وغالانت، اتصل وزير الخارجية البريطاني حينها، ديفيد كاميرون، بالمدعي العام مهددًا بأن المملكة المتحدة ستسحب تمويلها من المحكمة الجنائية الدولية وستنسحب منها تمامًا إن مضت المحكمة في إصدار الأوامر.

وتم تأكيد تفاصيل هذه المكالمة لاحقًا عبر تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، ورفضت وزارة الخارجية البريطانية التعليق، كما امتنع خان عن الرد، بينما لم يُجب كاميرون على طلبات متعددة من الموقع للتعليق.

وفي مايو/ أيار 2024، تعرّض مسؤولو المحكمة لضغوط إضافية، إذ وجّه السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام تهديدات بفرض عقوبات على المحكمة إذا تقدمت بطلبات توقيف جديدة تتعلق بجرائم الاحتلال في فلسطين.

كما هدد المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية، ريد روبنشتاين، الشهر الماضي بأن “جميع الخيارات ستبقى مطروحة” في حال لم تُسحب أوامر التوقيف، وتُنهى التحقيقات المتعلقة بانتهاكات الاحتلال.

المحكمة في مهب العاصفة.. العدالة على المحك

تواجه المحكمة الجنائية الدولية اليوم لحظة فارقة، إذ باتت في مواجهة مفتوحة مع أقوى الحكومات الغربية التي تدّعي دعم القانون الدولي، لكنها تعارض بشراسة أي محاولة لمحاسبة الاحتلال على جرائمه.

وفي ظل هذه التهديدات والعقوبات، لا يزال مصير أوامر الاعتقال بحق إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش معلقًا، وبرغم جهوزية الملفات القانونية، فإن قرار التقديم الرسمي ما زال مرتهنًا بموقف نائبَي كريم خان.

ويبقى السؤال: هل تصمد المحكمة أمام هذا الضغط الهائل، أم أن العدالة ستُدفن مجددًا تحت ركام الصفقات والتهديدات السياسية؟

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة