حذّر تقرير حقوقي جديد من أنّ القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الإرهاب في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي جرى الترويج له باعتباره أداة لحماية الأمن القومي، تحوّل فعليًا إلى أداة سياسية لتكميم الأفواه وقمع المجتمع المدني.
ويتكون التقرير الصادر عن منظمة صحفيات بلا قيود – التي أسستها الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان عام 2005 – من 48 صفحة، وجاء مؤكّدًا أن القانون يتضمن عبارات فضفاضة تتيح للسلطات ممارسة ما وصفه التقرير بـ”التجاوز الخطير في الملاحقات القضائية”.
وصِيغَ القانون، الذي أُقِرّ عام 2014، في ظل حالة من الاضطراب الإقليمي وصعود تنظيم الدولة، كما جاء استجابة لحسابات استراتيجية خاصة بالإمارات، لكن وفق التقرير، فقد استُخدم أيضًا لوقف صعود تيارات سياسية سلمية في بدايات العقد الماضي، أبرزها التيارات الإصلاحية ذات الطابع الإسلامي.
عبارات فضفاضة لقمع الحريات
أبرز ما لفت إليه التقرير أنّ القانون يجرّم أفعالاً مبهمة مثل “الإساءة إلى الدولة” و”تقويض الوحدة الوطنية”، وجاء فيه:
“ما يزيد من خطورة الأمر أنّ القانون يصف الأشخاص الذين ‘يهددون’ أو ‘يخططون’ أو ‘يسعون’ إلى ارتكاب جرائم إرهابية، وهي صِيَغ غامضة إلى درجة تسمح باعتبار التعبير عن الرأي أو النشاط السياسي أو حتى إبداء الضمير ضمن دائرة الإرهاب”.
فهذه الصياغات، بحسب التقرير، أدّت إلى قمع واسع للصحفيين والمحامين والأكاديميين، وخلقت “أثرًا مرعبًا” على المجتمع بأسره.
أبرز القضايا
أشار التقرير إلى محاكمات جماعية مثل قضية “الإمارات 94″، حين أُدين 94 ناشطًا في أعقاب الربيع العربي بين عامي 2012 و2013 بتهم محاولة قلب نظام الحكم، ورغم أن معظمهم ينتمون لجمعية الإصلاح ذات النهج السلمي، فإن بعضهم حوكم مجددًا في 2022 و2023 بموجب قانون 2014 نفسه، وتم تمديد عقوباتهم.
وطُبِّق القانون بأثر رجعي في قضايا أخرى مثل ملف “الإمارات 84″، ما أثار مخاوف حقوقية حول انتهاك مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية.
ومن أبرز الأسماء التي أوردها التقرير، المحامي الحقوقي محمد الركن الذي قضى عشر سنوات في السجن ليواجه بعدها حكمًا بالمؤبد بسبب اعتراضه على إسقاط الجنسية، كما تطرّق التقرير إلى الناشطتين مريم البلوشي وأمينة العبدولي اللتين أُضيفت 3 سنوات إضافية إلى محكوميتهما عام 2021 لمجرد تسريب تسجيلات إلى الأمم المتحدة تتحدث عن التعذيب في السجون الإماراتية.
وجاء في التقرير: ” وجد فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي أنّ محاكماتهن لم تكن عادلة وأنّ احتجازهن كان تعسفياً، وتظهر هذه القضايا كيف يُستخدم القانون لإسكات من يكشفون الانتهاكات حتى من داخل السجن”.
حتى المعارضون في المنفى لم يسلموا، إذ أُدرج الناشطان محمد الزعابي وحمد الشمسي على القائمة السوداء للإرهاب في الإمارات.
تضييق على العائلات واعتقالات متكررة
شمل التقرير أيضًا الاقتصادي ناصر بن غيث الذي اعتُقل عدة مرات بسبب آرائه الناقدة، وصدر بحقه عام 2017 حكم بالسجن عشر سنوات بتهم “إهانة الدولة” و”التواصل مع جماعات محظورة”، وأكد أن عائلات المعتقلين السياسيين تتعرض للمضايقة والمنع من السفر والمراقبة المستمرة.
معايير عقابية تتجاوز القانون الدولي
وشدد التقرير على أن العقوبات في الإمارات تتجاوز المعايير الدولية، حيث تسمح السلطات بالاحتجاز لأجل غير مسمى في “مراكز المناصحة” حتى بعد انتهاء مدة السجن، دون رقابة قضائية مستقلة أو آلية واضحة للطعن، كما أشار إلى غياب أي جهاز مستقل للتحقيق في شكاوى التعذيب رغم انتشارها.
وأضاف التقرير:
“إن الحرمان التعسفي من الحرية أمر محظور، ويجب أن يكون الاحتجاز محدد المدة وخاضعًا لرقابة قضائية، هناك حاجة لتحقيقات مستقلة وشفافة في كل مزاعم التعذيب ومحاسبة مرتكبيه”.
كما انتقد التقرير عدم تصديق الإمارات على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتجاهلها التزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، معتبرًا ذلك “فجوة خطيرة بين الالتزامات الدولية والممارسات المحلية”.
دعوة للضغط الدولي
ودعت المنظمة المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة وحلفاء الإمارات الغربيين، إلى ممارسة ضغط دبلوماسي جاد لإصلاح القانون، وأكدت أنّ أبوظبي، بتقديم نفسها شريكًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب عالميًا، تحاول إضفاء شرعية على سياساتها القمعية في الخارج بينما تُحكم قبضتها الاستبدادية داخليًا.
وشدد التقرير على ضرورة تعديل صياغة القانون لضمان وضوح التعريفات، وإلغاء المواد التي تسمح بالاحتجاز غير المحدود، وضمان أن تكون برامج “المناصحة” طوعية، مع الانخراط الكامل مع آليات الأمم المتحدة والسماح بالزيارات الميدانية لمراقبة الامتثال.